طريقة علاج نشوز الأزواج والزيجات في القرآن الكريم
من المعلوم أن البشرية أصلها ذكر وأنثى كانت بينهما علاقة زواج شرعها الخالق سبحانه وتعالى ، وعنها نشأت الأسرة الأولى في التاريخ البشري ، وعن هذه الأسرة نشأت كل المجتمعات البشرية المتعاقبة عبر التاريخ والدائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ونظرا لأهمية الأسرة في نشأة المجتمعات البشرية واستقرارها ، فقد أحاطها الله عز وجل بقداسة خاصة ، وحرّم كل ما يتهددها أو يفسدها ،علما بأن المجتمعات البشرية تنهار بانهيارها. ولقد وصف الله عز وجل العلاقة الزوجية بالميثاق الغليظ لأنه ميثاق بينه سبحانه وتعالى وبين الزوجين اللذين لا يحق لهما الإخلال به مع خالقهما من خلال صيانته فيما بينهما .
و استقرار المجتمع وسلامته إنما يكون باستقرار الأسرة وسلامتها ، ولا تكون كذلك إلا باستقرار وسلامة العلاقة الزوجية التي الأصل فيها المودة والرحمة ، والاستثناء فيها هو النشوز ، وهو لغة الخروج عن المعتاد ، والمعتاد في العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة .
وقد يحصل النشوز إما من الأزواج أو من الزيجات أو منهم جميعا . أما نشوز الزوج ،فهو سوء معاشرة الزوجة ، وإذايتها ، وجفاؤها ، وأما نشوز الزوجة ، فهو تمرده ، واستعصاؤها عليه ، وبغضها له ، وفي الحالتين معا يحصل ترفع أحدهما على الآخر ، ولهذا يقال أرض نشز إذا كان بها نتوء أو ارتفاع .
وسبب النشوز قد كون لقسوة في خلق الزوج أو لسوء خلق في الزوجة أو لأسباب أخرى تكون سببا في خروج الحياة الزوجية عن المعتاد من مودة ورحمة.
ولقد ضبط أهل العلم النشوز الوارد في كتاب الله عز وجل ، وميّزوه عن المعتاد من سوء التفاهم بين الأزواج والزيجات الذي تحصل به المغاضبة أي مغاضبة بعضهم بعضا لأسباب ما ، وهو ما يزول بزوال تلك الأسباب ، بينما النشوز خروج عن المعتاد في العلاقة الزوجية من مودة ورحمة وحسن معاشرة ، ولا يمكن اعتبار كل مغاضبة أو سوء تفاهم بين الأزواج والزيجات نشوزا ، لهذا شرع الله عز وجل في محكم التنزيل معالجة النشوز سواء كان من الأزواج أو من الزيجات .
أما علاج نشوز الأزواج فهو قوله تعالى : (( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير)) ، وأما علاج نشوز الزيجات فهو قوله تعالى : (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا )) . ولقد اقترن ذكر نشوز الأزواج والزيجات في كتاب الله عز وجل بذكر الخوف منه عند هؤلاء وهؤلاء ، وقال المفسرون إنما الخوف من عواقبه الوخيمة التي قد تكون سببا في اضطراب الحياة الزوجية أو انفصام عروتها، وما يترتب عن ذلك من ضياع النسل .
والملاحظ أن علاج نشوز الأزواج يكون بالصلح ، وقد قيل هو صلح على وجه الحقيقة ، أو هو ما يسمى شرعا بالخلع حيث تتنازل الزيجات للأزواج عما في ذمتهم من صداق أو نفقة مقابل فراق بينهما ، وقد رجح أهل العلم الصلح على الخلع، وإن كان هو الآخر واردا لأن الله عز وجل إنما جعل في الحياة الزوجية مودة ورحمة قد يفسدها النشوز ، ويكون علاجه بإصلاحها .
وأما نشوز الزيجات ،فيكون بإحدى ثلاث وعظ أو هجران أو ضرب ولا يكون بهن جميعا بل يكون كما ورد ترتيبهن حسب درجة النشوز، وحسب المعتاد في حياة الناس ، وقد قيل إن علاج الضرب يكون في الأوساط التي اعتاد فيها الأزواج ضرب زيجاتهم كما كانت عادة بعض القبائل العربية حيث لم يكونوا يرون في ذلك بأسا ، ولا يعد عندهم إهانة ، أما إن لم يكن ذلك معتادا، فقد تشددوا في اللجوء إليه ، لأنه لا يحقق الغاية منه، وهي معالجة النشوز بل يزيده تعقيدا واستفحالا . ومعلوم أن الوعظ يكون بتذكير الأزواج زيجاتهم بما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما ملزمان للجميع ، ولا تقديم بين يديّ الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم . وأما الهجران فقد جعلوا له حدا ،وهو ما لا يزيد عن شهر على أقصى تقدير ، وربما لم يتجاوز ثلاثة أيام في أقل تقدير .وأما الضرب فقد ضبطوه بضوابط ، واشطروا فيه ألا يلحق أذى أو ضررا ماديا أو معنويا ، وهو علاج أقصى درجة نشوز الزيجات منعا لحصول فراق تكون له عواقب وخيمة ، ويترتب عنه ما يضر بمصلحة النسل المعرض للضياع بسبب ذلك.
وقد لا يستسيغ البعض أن يكون علاج نشوز الأزواج بالصلح ،بينما يكون علاج نشوز الزيجات بهجران وبضرب بعد الوعظ ، و قد يتساءلون لماذا هذا التمييز ، والجواب في قول الله تعالى : (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) . ومعلوم أن القوامة هي قيام الأزواج بأمر الزيجات من إعالة وحماية وصيانته وعناية وتدبير شئونهن والأخذ بأيديهن نصحا وإرشادا وموعظة . وهذه الآية تقدمت مباشرة الحديث عن الخوف من نشوز الزيجات ، وعلاجه . ولمّا كان هذا شأن القوامة جعل الله عز وجل علاج الناشزات من الزيجات بيد أزواجهن لفضلهم عليهن بالقوامة بينما لم يجعل علاج نشوز الأزواج كعلاج نشوزهن، لأنهن لا قوامة لهن على أزواجهن ، وهذه عدالة إلهية لا يحق لمسلم أن يشكك أو يطعن فيها ، أما غير المسلم فله أن يقول فيها ما شاء ، ولا يعتد بقوله .
ومعلوم أن الزيجات هن المستفيدات في حالتي معالجة النشوز ، ففي حال الخوف من نشوز بعولتهن يكون الصلح خير لهن ، وفي حال الخوف من نشوزهن يكون الوعظ أو الهجر أو الضرب خير لهن حسب حدة نشوزهن . وفي أقصى درجة نشوزهن حين يصير العلاج بالضرب، يكون في ذلك خير لهن عوض طلاقهن الذي قد يلحق بهن ضررا ويكون سببا في ضياعهن وضياع أبنائهن أو بناتهن ، وما أظن الزيجات العاقلات يبلغ بهن نشوزهن حد علاجه بالضرب ، ومن تبلغ منهن ذلك لا شك أنها ستراجع نفسها ،وتقلع عن نشوزها إقلاعا مبرما ولا تعود إليه أبدا .
أما علاج الوعظ والهجر، فلا بأس بهما بل قد يعودان بالعلاقة بين الأزواج والزيجات إلى المعهود فيها من مودة ورحمة ، ولا شك أن قوتهما و متانتهما تزداد بعد وعظ رشيد أو هجر جميل ، وهو هجر يزداد به اشتياق الأزواج والزيجات إلى بعضهم البعض تماما كما يقع ذلك بسبب غياب بعضهم في سفر أو غيره .
وأخيرا لو رضي الأزواج والزيجات بعلاج نشوزهم كما أمر الله عز وجل لذاقوا حلاوة حياة زوجية جعل فيها الله عز وجل مودة ورحمة . وما لم يرضوا بهذا العلاج ، فستكون العواقب وخيمة بسبب نشوز يتهددهم ، ويفكك أسرهم ، ويجعلها عرضة للضياع . وما شاع في زماننا الطلاق بشكل غير مسبوق إلا بسبب تعطيل علاج النشوز الذي ارتضاه الله عز وجل لنا حلا وهو رحمة منه سبحانه وتعالى بنا .
وسوم: العدد 825