لقد بات من المؤكد أن الجيوش العربية التي يستبد بها ضباط أشرار تحول دون نهضة الأمة العربية
ما وقع فجر اليوم في السودان من اقتحام عناصر الجيش والأمن السوداني لاعتصام الشعب وقتل العشرات منه وإصابة المئات هو نفس المشهد الذي كان في الجزائر في التسعينات والذي تكرر في مصر بعد ذلك ، وسيتكرر حتما في الجزائر التي خرج شعبها للمرة الثانية مطالبا بحقه في العيش الكريم ككل شعوب العالم التي تتمتع بهذا الحق ، وهو حق محرومة منه الشعوب العربية التي كلما طالبت به واجهها العسكر بالرصاص الحي والقبضة الحديدية .
ولقد سبق أن أشرنا في مقال سابق قريب عهد بالنشر إلى أن السنة السيئة التي سنها ضباط الجيش في الجزائر في التسعينات لما أوشكت البلاد على الدخول في تجربة ديمقراطية حقيقية والتي عمل بها ضباط الجيش المصري بعد تجربة ديمقراطية حقيقية لأول مرة في البلاد، بات من المؤكد فجر اليوم أن ضباط الجيش السوداني قد عملوا بها ، ومن شبه المؤكد أيضا أن ضباط الجيش الجزائري سيعملون بها للمرة الثانية كيف لا وهم أول من سن هذه السنة السيئة في الوطن العربي ؟
ولقد بدت بوادر الإجهاز على ثورة الشعب السوداني الذي لم يطلب أكثر من حياة تصان فيها كرامته ككل الشعوب المتمتعة بكرامتها في العالم عندما بدأ تسويف ومناورة ضباط الجيش لمنع تحقيق حلم الشعب ، وهو تمكينه من حكم نفسه بنفسه عوض حكم العسكر له ،علما بأن من يحمل السلاح ويستعمله لا يمكن أن يكون مؤهلا لحكم الشعوب ولا يصلح لذلك . ولقد تأكد تآمر ضباط الجيش السوداني على الشعب حين طاروا إلى عواصم عربية تعتبر بؤر الدكتاتورية ، ومصدر الشرور التي تعاني منها الأمة العربية لتلقي التوجيهات والتمويل للإجهاز على ثورة الشعب المناضل سلميا من أجل حياة كريمة .
وكما تذرع ضباط الجيش الجزائري في التسعينات بالتصدي لما سموه ركوب الأصولية الدينية للديمقراطية من أجل الوصول إلى الحكم مع أن اللعبة كانت لعبة الديمقراطية ، تذرع ضباط الجيش المصري بنفس الذريعة بعد اللعبة الديمقراطية في مصر أيضا ، وهو ما بدأت بوادر التذرع به لدى ضباط الجيش السوداني حيث صرحوا أن تسليم السلطة للشعب مغامرة غير محمودة العواقب ، وذلك لقطع الطريق على اللعبة الديمقراطية التي تفرغ دائما من مضمونها في البلاد العربية حين لا تجري رياحها بما لا تشتهي سفن الديكتاتوريات المستبدة .
وبنفس الأسلوب الماكر الذي تم به الاعتداء على إرادة الشعب الجزائري في التسعينات وإرادة الشعب المصري بعد ذلك ،وهو تلفيق تهمة الإرهاب والإجرام لشريحة من الشعب قصد تمزيق وحدته وتشتيت صفه ، إلى جانب اختراق جموعه بالشبيحة والمرتزقة ،وهي صناعة مخابراتية توظف للنيل من سلمية الاعتصامات ولخلق ذريعة مكشوفة تبرر الإجهاز على ثورات الشعوب العربية .
ولقد طلع علينا ضباط الجيش السوداني بذريعة ألفناها من قبل في مصر وفي الجزائر، وهي التصدي للإخلال بالأمن، علما بأن اعتصام الشعوب السلمي للمطالبة بالحياة الكريمة يعتبر بالنسبة للديكتاتوريات المستبدة إخلالا بالأمن ، وخرقا للقانون مع أن هذا الأخير تدوسه أحذية المستبدين من ضباط الجيوش العربية . ومن المنتظر أو المؤكد أن بعد غد ستصدر بيانات تزعم مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات ، وستلفق تهم الإرهاب لأبرياء وتهم التخابر مع جهات أجنبية كما حصل ذلك في مصر ،علما بأن ضباط الجيش السوداني تخابروا جهارا نهارا مع الأنظمة السعودية والإماراتية والمصرية ، ونقلت وسائل الإعلام تخابرهم الذي أعقبه مباشرة اقتحام ساحات الاعتصام التي أضرمت فيها النيران ، وسقط فيها ضحايا تماما كما حصل ذلك في مصر وفي الجزائر من قبل .
وخلاصة القول أن الجيوش العربية التي يهيمن عليها ضباط يتمسكون بالسلطة والتسلط ، ويتلقون دعما من أنظمة مارقة ومستبدة تعبث بمقدرات الأمة ، وتصرفها على إشاعة القهر في الوطن العربي هم سبب عرقلة نهضة الأمة العربية التواقة إلى حياة كريمة . ولقد انكشفت رؤوس الأفاعي فهل من قاطع يستأصلها ليتحقق حلم هذه الأمة المنشود ؟
وسوم: العدد 827