التصعيد الأمريكي الإيراني طريق للتفاوض؟
نشطت في الآونة الأخيرة الاتصالات الدبلوماسية للمسؤولين الإيرانيين، مع دول العالم بعامة، ودول الجوار بخاصة؛ لشرح موقفهم والبحث عن وساطة لتهدئة التصعيد الأمريكي، فتحركت دول عربية مثل سلطنة عمان، والكويت، والعراق، وقطر، بحثًا عن حلّ للصراع الدائر في المنطقة والبحث عن تهدئة، وكل له حساباته الخاصة.
فإيران سبق وأن تفاوضت مع أمريكا، وحصلت على الاتفاق النووي، والذي منحتها فيه أمريكا ما لا يمكن تصوّره من الامتيازات، وجعلت لها الباب مفتوحا للعمل في الشرق الأوسط وخاصة في العراق بعد الاحتلال، فمنحتهم (150) مليار دولار كاش تم نقلها بطائرة خاصة إلى طهران، وحصة في سوق الأسهم الأمريكية للشركات الإيرانية، ومنحت فيز وإقامات لمسؤولين في الحرس الثوري للعيش في أمريكا، وكثير من أولاد المسؤولين الإيرانيين لايزالون في أمريكا، وهم يهتفون الموت لأمريكا فما هذه المفارقة؟!!
ونتيجة لهذا الدعم الأمريكي؛ تغطرست إيران فتوسعت واحتلت وطغت ودمرت المنطقة واعتدت حتى على المصالح الأمريكية، وهذا هو بيت القصيد أو كما يقول المثل: (القشة التي قصمت ظهر البعير) ما جعل أمريكا تتراجع عن الاتفاق، والسؤال هل التفاوض سيعود للوراء؟ أم سيكون للإمام وفق الشروط المتفق عليها؟
فإن مؤشرات أخرى بدأت تتزايد! فالأيام والساعات الأخيرة تشير إلى تراجع مؤقت في خيار التصعيد العسكري، والكل في انتظار ما ستسفر عنه الجهود والمساعي الجارية لدرء خطر الحرب في الأيام القادمة، مع أن الطرفان يبدون رغبتهم في تفادي الحرب.
وجاءت أحدث مؤشرات التهدئة في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة اليابانية طوكيو، حيث قال: (إن بلاده لا ترغب في تغيير النظام الإيراني، ولا تريد إلحاق الأذى بإيران، بل تتطلع إلى منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، ويرغب في التحدث إلى قادة إيران إذا كانت لديهم رغبة في ذلك).
ويتضح من التحركات الدبلوماسية الإيرانية أنها تبحث عن التهدئة في الوقت الحاضر وعن إيجاد مساحة مشتركة للتفاوض، حيث تقدمت إيران بمشروع ظريف، وهو اتفاقية عدم اعتداء متبادل كشفت إيران عنها وادعت بأنها عرضته على دول خليجية، ويتضمن المشروع تقديم ضمانات متبادلة لمنع قيام دول المنطقة بأي تحرك عدائي في كافة النواحي، وهذه واحدة من أساليب إيران في التقية السياسية والمراوغة لكسب الوقت.
- التحرك الدبلوماسي على دول الخليج بشكل منفرد أي كل دولة بصورة منفرد وبدون عرض الاتفاق على مجلس التعاون الخليجي، لغرض تفكيك موقف مجلس التعاون وإحداث انشقاق وإضعاف موقفه وعدم قدرته على اتخاذ قرارات ضدّ إيران في الإجماع، وللتهدئة وتطمين بعض دول الخليج مرحليا لكسب الوقت.
- تحاول إيران المراوغة وتستخدم التقية السياسية للعب على عامل الوقت، لحين انتهاء ولاية الرئيس ترامب، والعمل مع الرئيس القادم وقد يكون من الدمقراطيين حلفائهم الذي عقدوا معهم الاتفاق الأول، ولكي تعود إلى هوايتها المفضلة في التدخل في الشؤن الداخلية لدول المنطقة، حتى ولو تمّ تعديل الاتفاق بصورة شكلية.
- استخدام أذرعها (المليشيات والتنظيمات النأمة) الموجودة في العراق بشكل خاص وسوريا، ولبنان، واليمن، والتنظيمات النائمة في دول الخليج، كرسائل لأثارة الهلع وترهيب دول الخليج لغرض السعي بجهد أكبر للضغط على الولايات المتحدة للتهدئة في المرحلة الحالية، فضلا عن غعطاء إشارات إلى أمريكا في إمكانية تعرضّ مصالحها للخطر.
اتبع الرئيس الأمريكي ترامب منذ استهدافه لإيران من خلال العقوبات الاقتصادية سياسة العصا والجزرة، والتي خلقت اضطرابات في الموقف الإيراني وقد تكون عشوائية ومتضاربة، جعلتهم يتخبطون في البحث عن الحلول، ومع ذلك لا يمكن التكهن في قرار الرئيس الأمريكي وفي التصريح الأخيرة الذي يحتمل توقعات كثيرة، هل هي تهدئة مرحلية؟ أم الاحتمال الأكثر هو محاولة جرّ إيران للتفاوض وفق الشروط الاثنا عشر هو أقرب الحلول، وكذلك اللعب على عامل الوقت لتحقيق النصر من خلال المفاوضات، أو من خلال اتفاق جديد أو حرب محدودة مضافة الى رصيده للولاية الثانية، فمن خلال استمرار الضغط الاقتصادي والتلويح في استخدام الالة الحربية في أي عمل عدواني تجاه المصالح الأمريكية والإسرائيلية، لما فيه من تقويض للهيمنة الإيرانية في المنطقة وتقليص نفوذها، بما لا يتعارض مع مصالح أمريكا وحليفتها إسرائيل.
وسيستمر الرئيس ترامب في استخدام أوراق الضغط لكسب الوقت لصالح معركة الانتخابية القادمة، وهذا يدفع الحرج عنه امام الدول التي لا تريد تكرار سيناريو الحرب على العراق، وليس في الحرب وحدها تتحقق الأهداف، وتراهن أمريكا على استمرار العقوبات الاقتصادية لأضعاف النظام الإيراني، وتآكله ومن ثم تغيره تدريجيا وفق اجنداتها، مما يضطره للجلوس للتفاوض، وقد يكون السيناريو مشابه للتصعيد ضدّ كوريا الشمالية لينتهي أيضا إلى التفاوض بين الطرفين، ويعود الود بينهما (أمريكا، وإيران) إلى العلن لأنه لم ينقطع يوما، لكنه يختفي أو تشوبه بعض الضبابية لمرحلة ما.
وستحقق ما ترجوه الولايات المتحدة من التصعيد، على الطرف الآخر (الدول العربية) لدفعها إلى الاستسلام والاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها ونزع فتيل الصراع العربي الإسرائيلي وطمس حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تنفيذ صفقة القران، وهو أهم ما سيخلص إليه سيناريو التصعيد الأمريكي الإيراني في المنطقة.
وسوم: العدد 827