كلمات لا بد منها
دأبت بعض الصحف العربية في الآونة الأخيرة، على إثارة موضوعات تمس جماعة الإخوان المسلمين ومبادئها وأهدافها ومواقفها الإستراتيجية والتاريخية.. ولن نستطيع في هذه العجالة وهذا الحيز المخصص لمثل هذه المقالة، أن نستعرض كل ما يثار من القضايا والمسائل، ولكننا نحب هنا أن نقف ملياً عند اثنتين من المسائل المثارة، لأهميتهما وخطورتهما، ولبعدهما الموغل في أعماق تاريخ الجماعة وإستراتيجيتها، مستهدين – فيما نعرضه – بما ورد في القرآن الكريم – دستور الإخوان الخالد – وبمآثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما كتبه الإمام الشهيد حسن البنا – رضي الله عنه وأرضاه – وبالتاريخ الناصع الذي سطره الإخوان عبر مسيرتهم الجهادية المباركة.
المسألة الأولى: موقف الإخوان من العرب والوحدة العربية:
1- إن الله – سبحانه – قد اختار العرب من بين شعوب الأرض قاطبة لحمل رسالة الإسلام، وأداء أمانته، وجعل الكتاب عربياً، وأكد ذلك في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم، في قوله تعالى:
- "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين" – النحل 103. - "بلسان عربي مبين" – الشعراء: 195
- "ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا: لولا فصلت آياته، أأعجمي وعربي؟" – فصلت:44
- "إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون" – يوسف: 2
- "وكذلك أنزلناه حكماً عربياً" – طه 113.
- " قرآناً عربياً غير ذي عوج" – الزمر 28
إلى آخر ما ورد من الآيات البينات التي ذكر الله فيها اسم العرب.
ثم.. كيف نفسر قول الله تعالى عن هذا القرآن العظيم :
"وإنه لذكر لك ولقومك، وسوف تسألون" – الزخرف: 44
أم جاء بها ليؤكد مسؤولية العرب في التلقي والتبليغ ونشر الرسالة الخاتمة للبشر كافة؟
2- وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن العرب وفضلهم، وتجعلهم من خير الشعوب والأمم، نذكر منها:
- يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن قومه العرب فيقول: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم.." الحديث.. رواه الترمذي وحسنه.
- وجعل الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، الأئمة من قريش أي من العرب فقال: "الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إن استرحموا رحموا، وإن استحكموا عدلوا". حديث صحيح رواه أحمد والنسائي.
وقد فسر العلامة الشيخ محمد الحامد – رحمه الله – معنى (الأئمة من قريش) أي من العرب لتوزع قريش في العرب، واختلاط أنسابها بأنسابهم.
وورد في الحديث الصحيح: "من أهان قريشاً أهانه الله" رواه أحمد والحاكم.
ثم بماذا نفسر هذا الحديث المتوعد:
"عن سلمان رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك قلت: يا رسول الله، كيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال تبغض العرب فتبغضني" حديث صحيح رواه أحمد والترمذي والحاكم. فمن أبغض العرب أوشك أن يفارق دينه، والعياذ بالله.
- وعن أبي موسى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إني دعوت للعرب فقلت: اللهم من لقيك منهم معترفاً بك، فاغفر له أيام حياته وهي دعوة إبراهيم وإسماعيل، وإن لواء الحمد يوم القيامة بيدي، وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذٍ: العرب" رواه الطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات إلى آخر ما هنالك من أحاديث كلها تدعو إلى حب العرب، وأنهم إذا عزوا عز بهم الإسلام، وإذا ذلوا ذل بذلهم الإسلام.
3- وإذا انتقلنا إلى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا – رضي الله عنه وأرضاه – وجدنا لديه كلاماً يخرج من هذه المشكاة ينص على ما لم ينص على مثله سواه، من دعوة إلى الوحدة العربية وتأكيد على أن مسؤولية العرب في حملهم لرسالة الإسلام وائتمانهم عليها.. وهذا ما عرفه أعداء هذه الأمة، فتآمروا على العرب والمسلمين معاً، وحاولوا الفصل بينهم.. بل إن الأستاذ البنا قد نص على الوحدة العربية والتعاون الإسلامي في آخر نظام أساسي للإخوان المسلمين، أصدره قبل استشهاده بأحد عشر شهراً في آذار (مارس) 1948 ووقع عليه كل من الإخوة الأساتذة: حسن البنا، وعبد الحكيم عابدين، وصالح العشماوي وطاهر الخشاب. رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.
وفي رسائل الإمام الشهيد اعتراف بل واعتزاز بالعرب، وقد اعتبر السير على المنهاج الإسلامي "تقوية للوحدة العربية أولاً ثم الوحدة الإسلامية ثانياً" وقال: "وتحتاج الأمم الناهضة إلى الاعتزاز بقوميتها كأمة فاضلة مجيدة لها مزاياها وتاريخها حتى تنطبع الصورة في نفوس الأبناء، فيفدون ذلك المجد والشرف بدمائهم وأرواحهم ويعملون لخير هذا الوطن وإعزازه وإسعاده".
وقال – رحمه الله – في رسالته: "دعوتنا في طور جديد"..
"والعروبة أو الجامعة العربية لها في دعوتنا كذلك مكانها البارز وحظها الوافر، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، وشعبه المتخير وبحق ما قاله (صلى الله عليه وسلم): إذا ذل العرب ذل الإسلام ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، وإن كل شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا، ومن لباب وطننا.. فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبداً معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد وهدف واحد وجعلت من هذه الأقطار جميعاً أمة واحدة، مهما حاول المحاولون وافترى الشعوبيون..
ويتابع الإمام الشهيد فيختم هذه الفقرة بقوله: "ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله".
وفي رسالة "المؤتمر الخامس" يقول رحمه الله:
"إن هذا الإسلام الحنيف نشأ عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمة على هذا اللسان، يوم كان المسلمون مسلمين. وقد جاء في الأثر: إذا ذل العرب ذل الإسلام.. وقد تحقق هذا المعنى حين ذال سلطان العرب السياسي، وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم ومن إليهم.. فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه.".
"ومن هنا كانت وحدة العرب أمراً لابد منه لإعادة مجد الإسلام، وإقامة دولته وإعزاز سلطانه. ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها.. وهذا هو موقف الإخوان المسلمين من الوحدة العربية".
وما نظننا في حاجة إلى شرح أو تعليق على هذه الكلمات القواطع الموانع لمؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى.
المسألة الثانية: الإسلام والقضية الفلسطينية:
1- نحب أن نؤكد منذ البداية أن تحرير فلسطين هو واجب العرب والمسلمين جميعاً داخل الأرض المحتلة وخارجها، وليس مقصوراً على الفلسطينيين عامة، وعلى من يعيشون تحت وطأة الاحتلال الصهيوني خاصة، وهو واجب الحركة الإسلامية بشكل خاص، هذه الحركة التي اهتمت بهذه القضية منذ بداية نشأتها وجعلتها قضيتها المركزية التي دفعت كتائب الإخوان المسلمين في كل من مصر بقيادة الإمام الشهيد وإشرافه، ومن سورية بقيادة الدكتور مصطفى السباعي – المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية ولبنان – ومن الأردن بقيادة الأخ عبد اللطيف أبو قورة، بل لقد هبت كتائب الإخوان من سائر الدول العربية إلى فلسطين، وقاتلت هناك، وقدمت مواكب الشهداء تلو المواكب على بطاح الأرض المقدسة، بل إن استشهاد الإمام البنا كان بسبب فلسطين وهذه حقيقة يعرفها الناس في بلاد العرب والمسلمين كما يعرفها الأعداء..
جاء في (بيان الثورة الإسلامية في سورية ومنهاجها) حول القضية الفلسطينية ما يلي:
"إن القضية الفلسطينية من الوجهة الإسلامية ليست قضية أرض مسلوبة، بقدر ما هي قضية دين وعقيدة، وإن كل ذي عينين يدرك جيداً أنه لا يوجد على وجه الأرض عربي مخلص، ومسلم صادق نقي الإيمان، يخطر على باله مجرد القول: (الدولة الإسرائيلية) بعد أن سمع قول الله تعالى: (ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا".
"إن قضية فلسطين قضية عربية و إسلامية، وهي تعني العرب والمسلمين، ولا تعني سواهم، وأنها حق مغصوب يجب أن يعود إلى أصحابه، وأن عملية السلب هذه تمت بعناصر يهودية غريبة تقاطرت على المنطقة من شتى بقاع الأرض ولن تتم إعادة هذا الحق المغتصب إلى ذويه، إلا بعد أن يعود هؤلاء الغاصبون من حيث أتوا طائعين أو داخرين".
"وعندما بدأت خيوط المؤامرة الاستعمارية الصهيونية لاغتصاب فلسطين، وإقامة دولة صهيونية على أرضها، أدرك قادة الحركة الإسلامية وأبناؤها أن الجهاد هو الحل الأوحد للإبقاء على فلسطين وعلى إنقاذها من براثن الصهيونية والاستعمار فكانت الدماء المسلمة أول دماء تراق على بطاح فلسطين".
ولقد لفتت الجدية في طلب الشهادة أنظار الدوائر الاستعمارية في العالم بشدة، فأوعزت إلى صنائعها في المنطقة أن تعمل على لجم هذه الظاهرة، فاستشهد الإمام حسن البنا، وحلت جماعة الإخوان المسلمين، واستشهد ثلة من رجالها والسابقين في تأسيسها فكانت هذه أول نكبة حلت بهذه الجماعة الرائدة في هذا القرن، من أجل بيت المقدس وفلسطين، والحفاظ على أرضها". ص 45 – 55.
2- وتبعاً لهذه القضية، لا بد لنا من أن نقول كلمة حول منظمة التحرير الفلسطينية وموقفنا منها، فنقول: على الرغم من تباين وجهات النظر في جملة قضايا بيننا وبين منظمة التحرير الفلسطينية، فإن أحداً لا يمكن أن ينكر وجودها الكبير على الساحة الفلسطينية والساحة العربية بل وعلى الساحة الدولية، فقد أحيت الأمل في استرجاع فلسطين، وتحرير الأرض المقدسة بعد أن عبأت النفوس، وبعثت فيها الأمل من جديد، فبادر عشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني إلى الانخراط في صفوف المقاومة والقيام بأعمال فدائية أثارت حفيظة أعداء الأمة من صهاينة ومتصهينين، كما لفت انتباه الأحرار في كل مكان إلى عدالة قضيتهم وحقهم في العيش على أرضهم بأمان.. فعلت كل ذلك، حتى غدت من أكبر الثورات في العصر الحديث.
3- أما عن حق إسرائيل في العيش، فإننا منذ البداية نقول: ليس لعربي ولا لمسلم كائناً من كان، أن يعترف بإسرائيل مهما كانت الأسباب والدواعي، فإسرائيل هي العدو الألد للعرب والمسلمين بل وللإنسانية جمعاء، والاعتراف بها يتعارض مع الإسلام ومع مبادئ الإخوان، ولسوف يبقى الإخوان على عهدهم في تمسكهم بمبادئهم وإسلامهم في حربهم لإسرائيل ومن يساندها مهما كلفهم ذلك من تضحيات وشهداء وآلام ودموع..
وأخيراً نقول بصوت مسموع: لا يملك كائن من كان على ظهر الأرض فلسطينياً كان أم عربياً أم مسلماً أم شرقياً أم غربياً، أن يساوم على فلسطين، ففلسطين أمانة في عنق العرب، لأنها وبلاد الشام قلب الوطن العربي، وأمانة كل المسلمين وهي مهوى أفئدتهم وموطن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعهداً لله، أن نبذل الأرواح والمهج لتطهيرها من رجس الصهيونية، وتطهير بلاد الشام من دنس الحكم الطائفي ومن يسانده ويحتل معه سورية الحبيبة (المحتلين الروس, و المحتلين الطائفيين الإيرانيين وغيرهم من أعداء العروبة والإسلام) لتعود أمتنا – كما كانت – خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وتحمل مشاعل النور إلى العالمين.
وسوم: العدد 831