صفقة القرن حقيقة أم وهم؟

د. ناجي خليفة الدهان

انتقد بعض الكتاب والصحفيين الخليجيين في تغريداتهم؛ الدول العربية الرافضة لصفقة القرن، ووصفوها "بالفرصة الذهبية" التي لا يمكن التخلّي عنها. ووجّه الصحفي السعودي -المقرب من الديوان الملكي- "صالح الفهيد" تحذيرًا شديد اللهجة للدول العربية الرافضة لصفقة القرن المزمع تنفيذها هذه الفترة، الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وقال الفهيد في تدوينات له عبر حسابه في "تويتر": يكفي الفلسطينيين ما ضاع من حقوقهم منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا! وذلك بسبب مزايدات بعض العرب! الذين يرفضون اليوم ما يسمى صفقة القرن. ومالم يقبلوا بهذه الصفقة فسيأتي اليوم الذي يتمنونها كما يتمنون اليوم لو أنهم وافقوا على قرار التقسيم بعد فوات الأوان.

لقد كثر الحديث عن "صفقة القرن" وتشعبت الآراء حولها. رغم أن الصفقة لم تكتمل ولم تنشر محتوياتها حتى الآن! لكن الضجّة التي أثيرت حولها منذ أكثر من عام تعني أن أجهزة الدعاية في وسائل الإعلام الغربية والموساد الذين يروّجون لها يعرفون كيف يخترعون الأوهام، ويشغلون الناس بها، وأنها ليست إلا ملهاة جديدة هدفها الاستمرار في خداع العرب، وإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لأنهم يعلمون أنها ولدت ميتة. لكنهم يستغلون الضعف والتفكك العربي الذي يخدم أهدافهما الاستراتيجية الرامية إلى السيطرة على المنطقة من خلال مشروع التطبيع الجديد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذا التناقض، هل صفقة القرن حقيقة أم وهم؟

تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ دخوله البيت الأبيض السياسة الإسرائيلية الرافضة لحلّ سلمي عادل يقبله الفلسطينيون، وتحدّى العرب والمسلمين والعالم كله وأعلن القدس عاصمة للدولة الصهيونية، واعتبر الاستيطان شرعيّا ودعم استمراره وتوسّعه، وابتز دول النفط وألزمها على دفع مئات المليارات من الدولارات وذكرها بالقول بأنها دول هامشيّة "لا تستطيع البقاء أسبوعًا واحدًا من دون الحماية الأمريكية، وعاملها على أنها "بقرة حلوبة" يحقّ لأمريكا نهب ثرواتها متى تشاء.

أن خطة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط، تدعو إلى إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصاديات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة وبناء ممر يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

لقد مضى على وجود ترامب في البيت الأبيض أكثر من سنتين ولم يتبقّ لنهاية رئاسته سوى سنة ونصف السنة، وهو ما زال يطلق الوعود بأنه سيعمل على إيجاد حلّ للصراع المزمن. ترامب يحرص على مصالح إسرائيل كما يحرص عليها نتنياهو، ويبدو أنه تعمّد تأجيل طرح خطّته للسلام، ربما حتى نهاية العام، ليستثمرها سياسيا في حملته الانتخابية إذا ترشّح لفترة رئاسية ثانية، وليساعد الإسرائيليين في كسب الوقت لنهب المزيد من الأراضي الفلسطينية، والتوسع في بناء المستوطنات وخلق حقائق جديدة على الأرض لإفشال حل الدولتين الذي يطالب به العرب وترفضه إسرائيل.

نشرت صحيفة إسرائيلية في شهر مايو الماضي، بنودًا مسربة لخطة الولايات المتحدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو ما باتت تعرف "صفقة القرن".

وجاء في صحيفة "إسرائيل اليوم" إن الخطة تتمثل في "توقيع اتفاق ثلاثي بين إسرائيل ومنظمة التحرير وحماس، لأجل قيام دولة فلسطينية يطلق عليها (فلسطين الجديدة) على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المستوطنات اليهودية القائمة.

وتطرّقت بنودها إلى الكتل الاستيطانية لتبقى كما هي بيد إسرائيل، والقدس ستكون مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وتقوم مصر بمنح أراض جديدة لفلسطين قرب غزه لغرض إقامة مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، ويشق طريق أوتوستراد بين غزة والضفة الغربية، ويظلّ وادي الأردن في يد إسرائيل كما هو اليوم، وتقضي الصفقة أيضا؛ ببقاء الملفّ الأمني والحدودي بيد إسرائيل، وأمور أخرى عديدة دون الإشارة إلى حقّ العودة والشعب الفلسطيني المشرّد في دوال العالم. وأن الولايات المتحدة بدأت باتخاذ خطوات خطيرة لتنفيذ الصفقة عبر محاولة سحب ملفات رئيسة من أي اتفاق مستقبلي، وهي ملفّ القدس، وملف اللاجئين، وقطاع غزة...

وبعد ورشة البحرين الاقتصادية؛ سارعت المنظمات التابعة للأمم المتحدة وفي مقدّمتها "الأونروا" إلى تبليغ الفلسطينيين عن برنامج توزيعهم وفق الخطة "الصفقة"، حيث أجريت لقاءات مع فلسطينيين مقيمين في بعض الدول العربية وتم تبليغهم ببعض التفاصيل.

      أغلب اللاجئين في سوريا، ولبنان، كندا، واستراليا، وأهل الضفة، والأردن، سيبقون في الأردن، أما اللاجئين في مصر والسعودية والخليج يبقون في أماكنهم، والموجودون في العراق وليبيا وتونس وباقي دول العالم الى كندى واستراليا وسوف يسقط حق العودة وسيناء فقط لأهل غزة ومن يرغب من اللاجئين العودة إليها.

        هذا بعض ما رشح من مراحل تنفيذ الصفقة، إعلان بنودها في صحيفة "إسرائيل اليوم" تبليغ اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم وفق خطة الصفقة، حملة إعلامية لترويج الصفقة وتهديد المعارضين، وتحديد نسب المساهمة لكل دولة مشاركة في مؤامرة بيع فلسطين، كل هذا يقول بعض الإعلاميين: بأنه مجرد مشرع سلام اقتصادي، فلنجرّب طالما لم نتمكن من تحقيق سلام سياسي، أصبحت لغة التلاعب في المصطلحات السياسية هي الطاغية على الإعلام المؤيد لصفعة القرن!

      دعت صحف عربية بنسختيها الورقية والإلكترونية إلى تحرك عربي فلسطيني واسع لإجهاض صفقة القرن التي يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيث تمّ رفضها من قبل منظمتي فتح، وحماس، والأردن، وشهدت الأرض الفلسطينية مبادرات وتظاهرات رافضة للصفقة ولورشة البحرين، ودعت الهيئة العليا المنظمة لمسيرات العودة الى تحشيد الشعب الفلسطيني تحت شعار (لا تفاوض، ولا صلح، ولا اعتراف في الكيان)، وتتواصل الفعاليات الرافضة في أوربا بمشاركة واسعة من أبناء الجالية الفلسطينية، والعربية، والاسلامية فضلا عن متضامنين أوربيين.

        لن يستطيع أي طرف أو قوة فرض صفقة ترامب على الفلسطينيين، وطالما لا يوجد طرف فلسطيني يقبل ذلك فلن تمرّ الصفقة. ويؤكد ذلك بعض الأكاديميين الإسرائيليين الذين حذروا أميركا وإسرائيل والأطراف العربية المساهمة في الصفقة، بأنهم سيكونون أمام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما حدث حينما رفض عرفات في كامب ديفيد عرضًا أكثر تقدمًا من صفقة ترامب، فرفضها الفلسطينيون وفجّروا انتفاضة الأقصى".

     لن يكون سهلاً على أطراف التآمر تمرير أي صفقة مشبوهة تنقص من الحق الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني وعبر مسيرات العودة يمكن أن يحبط أفعال هذه الصفقات ويقبرها إلى غير رجعة، وأن حجرها الأساس ممتد من كامب ديفيد وحتى اتفاق أوسلو الذي يعتبر الوالد الحقيقي لها، ومربيها مزودها بكل أسباب الحياة.

    حان الوقت لوقفة جادة لمنع قيام هذه الصفقة. فبيت القصيد أن أي إجراء أميركي أو إسرائيلي لن يكتب له النجاح على المدى الطويل ما دام الشعب الفلسطيني صامد على أرضه، لأن مثل هذا الصمود سيؤدي في العقود القليلة المقبلة إلى أغلبية واضحة للفلسطينيين داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل اليوم، ويعلمنا التاريخ أن ما من قوة استطاعت أن تفرض حكم الأقلية على الأغلبية إلى أبد الآبدين. لكن السؤل الذي يطرح ماذا نحن فاعلون لموجهة هذه الصفقة؟ والجواب يتطلب اتخاذ خطوات عديدة منها:

1.  توحيد مواقف فتح وحماس فورا ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الصفقة، وتجاوز كل الخلافات بينهما.

2. وقف أشكال التطبيع كافة مع إسرائيل والتعاون الأمني معها.

3. إلغاء اتفاقية الغاز بين إسرائيل، والأردن، ومصر؛ إذ من غير الطبيعي أن تحاول إسرائيل تنفيذ صفقة القرن والاستيلاء على القدس بينما نشتري الغاز منها.

4. اتخاذ قرار حكومي ونيابي بعدم تجديد اتفاقية تأجير أراضي الباقورة الأردنية. و"الغمر" اللتين تستأجرهما اسرائيل بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994.

5. التنسيق مع الدول العربية لدعم صمود الفلسطينيين على أرضهم ماديا ومعنويا، وليس صعبا إيجاد صندوق عربي يقدم دعما سنويا جادا للسنوات العشرين المقبلة لمنع تهويد الأراضي العربية وإيجاد فرص عمل للفلسطينيين على أرضهم.

6. تنسيق الدول العربية الرافضة مع دول الاتحاد الاوربي والدول الاسلامية وشعوبها لتكوين رأي عام دولي رافض للمشرع الأمريكي الإسرائيلي.

      تحاول الولايات المتحدة أن تمرّر صفقة لا تتضمن الحد الأدنى من المطالب العربية والفلسطينية، ولا يمكن لأي زعيم فلسطيني أو عربي القبول بها، بل ليس هناك من مواطن عربي عاقل يمكن له أن يقبل بمثل هذا "الحل" الذي هو بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية ورضوخ كامل لإسرائيل. ولهذا فإن "صفقة القرن"، ومشاريع السلام، والحديث عن السلام، ستظل جميعها جزءا من مسرحيّة أمريكيّة صهيونيّة هدفها استمرار الاحتلال، وكسب الوقت، واستغلال العرب والضحك على ذقونهم. وأن ورشة البحرين وما أعقبها لبيع القدس ولتصفية القضية الفلسطينية عبر مشروع صفقة القرن. سيسقط هذا المشروع ومعه كل الداعمين والمنظمين والمؤيدين والخانعين... وسيبقى القدس والأقصى والمقاومون، ويسقط مؤتمر المنامة، وتبقى فلسطين عربية.

clip_image002_6a235.jpg

وسوم: العدد 833