ما أهداف قليجدار من وراء انتقاداته
في تصريحات نارية غير مسبوقة انتقد قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بشدة سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارجية. جاء ذلك الانتقاد يوم أمس الثلاثاء 16/7/2019 في كلمة ألقاها أمام الكتلة البرلمانية لحزبه في البرلمان.
ودعا قليجدار أوغلو في كلمته إلى تغيير السياسة الخارجية لتركيا 180 درجة، مشيرا إلى أنه سيضيف بعض التحذيرات إلى تحذيراته السابقة للحكومة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وأضاف "إذا كنا نقول لتكسب تركيا في سياستها الخارجية فعلى (الرئيس رجب طيب) أردوغان أن يتخلى أولا عن الإخوان المسلمين، من هم الإخوان؟ (...) مصالح الدولة التركية فوق كل شيئ".
وتابع مخاطبا الرئيس أردوغان، "ثانيا عليك أن تتصالح مع مصر التي نتشارك معها التاريخ والثقافة، على أي أساس نحن نخاصمها؟ هذه المخاصمة تنعكس سلبا على تركيا".
وأردف "يجب أن نرسل سفيرا إلى مصر، ونتصالح معها، وطبعا سنبذل جهودنا لتتحول مصر إلى الديمقراطية، وإيقاف الإعدامات السياسية، ووقف نزيف دماء الأشقاء، ولن نتردد في سبيل تحقيق ذلك".
وأضاف: "ثالثًا يجب عقد محادثات على المستوى الرسمي مع سورية (النظام السوري) بأسرع وقت ممكن، لماذا لا يوجد لدينا سفير في دمشق؟ ولماذا نعقد محادثات غير مباشرة (مع النظام عبر روسيا)؟ فوحدة الأراضي السورية من مصلحة تركيا".
لقد تزامنت هذه الانتقادات مع مرور الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب الفاشلة، ومشاركة الشعب التركي بكل أطيافه السياسية المؤيدة والمعارضة بهذه الذكرى المؤلمة، معبرين عن غضبهم وحزنهم على سقوط العشرات من الضحايا جراء هذه الحركة الرعناء، التي قام بها حفنة من الضباط المأجورين في محاولة شريرة، لوأد الحرية والديمقراطية والرفاهية التي تعيشها تركيا ويعيشها الشعب التركي، فهل قصد السيد قليجدار حرف أنظار الناس عن تلك المحاولة الغادرة إلى تنبيهات يدغدغ فيها عواطف الناس وجرهم بعيداً عن تلك الذكرى التي وحدت الشعب التركي، الذي وقف بكل إباء وشجاعة وتصميم وإصرار خلف القيادة التركية الشجاعة والحكيمة في تلك المحنة، التي لو نجحت "لا قدر الله" لعادت تركيا كما كانت لعقود طويلة، دولة فاشلة مهيضة الجانب، مكانتها في أواخر الدول النامية والمتخلفة، ينهشها الجوع والمرض والجهل والذل والهوان!!
تركيا الحديثة التي فرضت احترام كل دول العالم لها، هي اليوم واحدة من الدول العشرين المتقدمة في العالم والتي تعتمد على نفسها في غذائها ودوائها واقتصادها وصناعتها، وتناطح الدول الكبرى تطوراً وعلماً وتكنلوجيا وحضارة وتقدماً ونموا، والتي قامت سياستها الحالية على التعامل الندّي مع كل دول العالم، ترفض التبعية، وتساعد الآخرين على عدم التبعية، وتربط علاقاتها مع الدول الأخرى على مدى ما تطبق تلك الدول من عدالة، وما تتمثل به من قيم الحرية والديمقراطية واحترام شعوبها، وتحترم ما تقرره شعوبها بحرية وشفافية وعبر صناديق الاقتراع النزيهة.
وما أتى عليه السيد قليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب التركي المعارض حول طلبه من الحكومة التركية تغيير سياستها 180 درجة، وأن تمد يدها إلى مصر السيسي الذي وأد الديمقراطية الوليدة في مصر، وقتل الرئيس المدني الأول في تاريخها الذي انتخب ديمقراطياً، وفاز عبر صناديق الاقتراع، وهذا يتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية التي ينادي قليجدار بها ويحميها حسب قوله في كثير من المناسبات.
وعن طلب قليجدار من أردوغان وحكومته أن تغير سياستها تجاه النظام السوري القاتل لشعبه والمدمر لمدنه وبلداته وقراه، والذي قتل نحو مليون مدني واعتقل أكثر من نصف مليون سوري، مات عشرات الألوف منهم تحت التعذيب، وتهجير ما يزيد على سبعة ملايين سوري خارج سورية، ونزوح سبعة ملايين من أماكن سكناهم إلى مخيمات على الحدود التركية، لحافهم السماء وفراشهم الأرض، وشرابهم المياه الآسنة، وغذاؤهم حشائش الأرض وورق الشجر، وطلبه إلى كل مجرم حرب ومرتزق كي يحتل سورية ويفعل بشعبها الأفاعيل التي لا تمت للإنسانية بأي صلة، ولا يزال منذ ثماني سنوات يرتكب يومياً عشرات المجازر في طول البلاد وعرضها، في حماية مجرم الحرب بوتين وحماية مجرم الحرب خامنئي والميليشيات الطائفية التي جندها لتستبيح الدماء السورية والأعراض السورية، وتذبح الأطفال، وتبقر بطون النساء، وتقطع رؤوس الكبار والصغار، وتغير معالم الحياة وأشكالها، وعقيدة الناس في كل سورية، ووهب ثروات البلاد لأعداء الأمة وخصومها، في سبيل دعمه في مواجهة الشعب الذي ثار طلبا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي نفس القيم التي تنادي بها سيد قليجدار، وعليك أن تتمسك بها إن كنت فعلاً تحب تركيا وتحترم الشعب التركي وإرادته، وإذا ما استضفتهم ملايين المهجرين من سورية الفارين من الموت فهذا واجب إنساني وكرم غمرتمونا به ولن ننسى لكم ذلك اليوم وفي قابل الأيام، ولن تجدوا من الشعب السوري اليوم وفي قابل الأيام إلا الوفاء والتقدير والاحترام.
أذكركم سيد قليجدار أن بين البلدين سورية وتركيا علاقات متميزة ووشائج وطيدة تمتد لأكثر من 400 سنة، عندما ناشد أهل سورية السلطان العثماني سليم الأول سنة 1616 لتخليصهم من حكم المماليك الجائر والظالم، ولم يتردد السلطان العثماني في تلبية نداء السوريين فهبَّ لتحرير سورية من ربقة المماليك الظلمة، وخاض معهم معركة مرج دابق وانتصر عليهم وطردهم من سورية، واستقبلت جموع السوريين السلطان المنتصر بكل حفاوة وترحيب، استقبل السوريون بالورود والحلويات الشامية المشهورة السلطان وجنوده وقد حررهم من ظلم المماليك وجورهم.
وكانت سورية من أهم الولايات العثمانية بالنسبة لتركيا، وكان شعبها في مقدمة المتطوعين في الجيوش العثمانية التي خاضت حروباً عدة مع أعدائها وكانت معركة (جناق قلعة) في 18 آذار 1915 أهم تلك المعارك، وقد تمكن الجيش العثماني من هزيمة الجيشين الفرنسي والبريطاني، وكان في مقدمة الشهداء الذين سقطوا في تلك المعركة أكثر من أربعة آلاف جندي سوري، ولا تزال تركيا تحتفل بذلك اليوم العظيم، تقديراً للدماء السورية التي نزفت في تلك المعركة الخالدة.
وأخيراً أذكركم سيد قليجدار بأن سورية هي عمق الأمن التركي كما أن تركيا هي عمق الأمن السوري، حيث الحدود المشتركة تمتد لنحو ألف كيلو متر، وأن تعكير الأمن في أي من البلدين ينعكس سلباً على أمن البلد الآخر.
وأذكركم سيد قليجدار، وأنت تطالب أردوغان بتغيير سياسته تجاه النظام السوري، وأن تقيم تركيا علاقات معه، وتنفض يدها من احتضان الشعب السوري المظلوم والمنكل به، والذي ثار من أجل حريته المصادرة وكرامته المغتصبة، وأن تمد تركيا يدها لقاتل شعبه بشار الأسد، ونظام الأسد هو من احتضن عدو تركيا الأول الإرهابي أوجلان الذي أقام معسكرات التدريب في سورية والبقاع اللبناني الخاضع للسيطرة السورية لنقلهم إلى تركيا، لقتل الجنود الأتراك وزرع المتفجرات في المدن التركية، وتعكير الأمن داخل تركيا والعمل على اقتطاع أجزاء من الأراضي التركية لإقامة دولة كردية شبيهة بالكيان الصهيوني في فلسطين، وبالفعل قام حزب العمال الكردستاني الذي أنشأه الإرهابي أوجلان بعمليات عسكرية عام 1984 في تركيا والعراق وإيران سعيا لإنشاء وطن قومي للأكراد، وظل الإرهابي أوجلان يقيم في سورية حتى عام 1998 حين ساءت العلاقات السورية التركية، واتهمت أنقرة دمشق بدعمها لحزب العمال الكردستاني، وتدهورت العلاقات بينهما، وهددت تركيا باجتياح سورية، وهذا دفع الأسد لتغيير سياسته تجاه أوجلان وحزب العمال الكردستاني، وطلب من أوجلان الرحيل من سورية، وأغلق مكاتب حزب العمال ومعسكراته في كافة الأراضي السورية والبقاع.
وسوم: العدد 834