أرادوا أن يعيدوا تركيا دولة فاشلة فخاب فألهم!!
تمر علينا هذه الأيام ذكرى أليمة متمثلة بالانقلاب الدموي الذي أراد منفذوه أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، لتعود تركيا كما كانت مصنفة بين الدول الفاشلة والفقيرة والمتخلفة، فقد عزّ على الأصابع الخفية التي دبرت في ليل بهيم هذه المؤامرة أن ترتقي تركيا بوتيرة متسارعة، وتناطح أرقى دول العالم حضارة وتقدماً، تملك غذاءها وصناعتها وقوتها ودواءها، حيث تمكنت خلال سنوات قليلة أن تفرض نفسها على مجموعة الدول العشرين الأقوى اقتصاداً وتقدماً وتطوراً في العالم، أمام انبهار الغرب والشرق في هذا التقدم السريع الذي حازته تركيا، وقد تسلم أمانة الحكم فيها أصحاب الأكف البيضاء التي لا تعرف السرقة ولا الغش ولا النفاق ولا الغدر ولا الإقصاء ولا الاستئثار، واضعة الرجل المناسب في المكان المناسب، وكان لابد من أن تتحقق أحلام رجالات حزب العدالة والتنمية الذي قاده رجل المرحلة بلا منازع السيد رجب طيب أردوغان، يشد من أزره إخوانه ورفاق دربه ممن شهد لهم الجميع بالإخلاص والوطنية، وكانت النقلة النوعية لتركيا رغم أنف أعدائها والمتآمرين عليها.
ففي الخامس عشر من تموز 2016 تحرك رجال الانقلاب الخامس في جنح الظلام، وهم يمتطون دباباتهم التي أدارت ظهرها للعدو المتربص بتركيا، موجهة فوهات مدافعها إلى صدور قادتها الذين اختارهم الشعب التركي ليقودوا سفينتهم إلى مصافي الدول المتطورة والمتقدمة، في محاولة لوأد الديمقراطية والحرية والأمن والأمان والرخاء، التي تنعم بها تركيا الحديثة، وفاجأ الشعب التركي أعداءه والمتآمرين بخروجه إلى الساحات والمطارات والشوارع، رفضاً قولاً واحداً "لا لحكم العسكر"، ولم يتخلف عن هذا الموقف مؤيدوا الحزب الحاكم أو معارضوه لأن الجميع كانوا شركاء فيما حققه الحزب الحاكم وانعكس رخاءً على الجميع دون تمييز، والتف الجميع حول الحكومة التي بقيت تمارس عملها، كل ذلك سارع بطي صفحة الانقلاب وإعلان فشله، والشروع في اعتقال من يقف خلفه.
هذا الموقف الرائع للشعب التركي الشجاع جعل الانقلابين يقدمون على أفعال متهورة غير مدروسة
فقد أرسلوا عدداً من المروحيات العسكرية لتحلق في سماء أنقرة في استعراض للقوة لإخافة الحكومة، وسُمعت إطلاق زخات من الرصاص تدوي في سماء العاصمة، وقد تمكنت مجموعة من العسكريين المؤتمرة برجال الانقلاب من السيطرة على القناة التركية الرسمية "تي.آر.تي" وأجبروا العاملين فيها على بث بيان تحدث عن تولي السلطة "للحفاظ على الديمقراطية" وأن جميع العلاقات الخارجية للدولة ستستمر وأن "السلطة الجديدة" ملتزمة بجميع المواثيق والالتزامات الرسمية. كما تعهد بإخراج دستور جديد في أٌقرب وقت.
وجاء النداء الذي قصم ظهر الانقلابيين عبر صوت الرجل الذي ترتجف فرائص الأعداء عند سماعه، إنه صوت الرئيس رجب طيب أردوغان يدوي عبر إحدى الفضائيات عبر تطبيق بالتواصل الاجتماعي، دعا أبناء شعبه للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات رفضا للانقلاب العسكري ومؤكدا "لن نسمح لأحد أن يُثني عزمنا". وطالب أردوغان القوات المسلحة والجنرالات الشرفاء إلى الوقوف بصلابة وشرف أمام من باع ضميره من الضباط الآخرين.
وفي الوقت الذي كان الانقلابيون يعلنون نجاحهم في السيطرة على مفاصل الدولة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لمسؤولين أتراك يؤكدون فيها أن الرئيس والحكومة المنتخبين ديمقراطيا لا يزالان على رأس السلطة.
وهكذا تمكنت جماهير الشعب التركي التي لم تتأخر في الخروج إلى الشوارع والمطارات استجابة لنداء أردوغان لحماية الديمقراطية وإفشال الانقلاب، فانطلقت مظاهرات حاشدة في ميادين إسطنبول وأنقرة ومدن عدة رافضة لمحاولة الانقلاب العسكري.
وطالب المتظاهرون في ميدان تقسيم بإسطنبول بعودة الجيش إلى ثكناته، مؤكدين أن زمن الانقلابات قد ولى. ورفع المتظاهرون صور أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، وخرجت مظاهرة ضخمة في الساحة الرئيسية بالعاصمة أنقرة رفضا لمحاولة الانقلاب ودعما للرئيس. كما خرجت مظاهرة حاشدة في منطقة سلطان غازي وشارع وطن بإسطنبول رفضا للمحاولة الانقلابية.
وخرجت مظاهرات رافضة لمحاولة الانقلاب في مدينتي غازي عنتاب وأنطاكيا جنوب تركيا. وصدرت تكبيرات ودعوات من مآذن المساجد في إسطنبول، كما صدرت دعوات من مساجد منطقة مجيدي كوي للمواطنين بالخروج إلى الشوارع رفضا لمحاولة الانقلاب.
ومع بدء خروج الناس إلى الميادين والمطارات، بدأت تتوارد أنباء عن استخدام الانقلابيين قنابل يدوية وإطلاق رصاص ضد المدنيين ورجال القوات الخاصة، وسمعت انفجارات بالعاصمة، كما سمع صوت إطلاق نار في المجمع الرئاسي بأنقرة.
وكانت الصورة المبهرة إجماع التيارات السياسية المعارضة والحكومة والقيادات العسكرية على ضرورة احترام الشرعية، ورفض الانقلاب، وخروج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع والساحات والمطارات، عجل بإفشال المحاولة الانقلابية.
وأكدت وكالات الأنباء استسلام عشرات الجنود المشاركين بالانقلاب للأجهزة الأمنية، وبدأت حملة اعتقالات بحق المشاركين في الانقلاب، وأسفرت محاولة الانقلاب الآثمة والغادرة عن استشهاد 161 وإصابة حوالي 1440 من المدنيين الذين تصدوا للانقلابيين، في مقابل نحو عشرين قتيلاً وثلاثين مصاباً من الانقلابيين.
وبقيت تركيا بشعبها العظيم ورئيسها الشجاع الحكيم دولة ذات سيادة ترتقي مدارج التقدم وسلم التطور رغم أنف الحاسدين والحاقدين بكل الكبرياء والعزة التي عرفت عنهم.
وسوم: العدد 834