ماذا يقصدون بأسلمة الثورة؟
متى كانت ثورتنا كافرة حتى يؤسلموها؟!
أوَما انطلقت في أول ما انطلقت من الجامع العمري؟
أوَما ارتبط نشاطها الثوري في عهدها السلمي بيوم الجمعة، حتى صار لكل جمعة اسم ثوري جديد، وكان زخمها بعد صلاة الجمعة من ساحات الجوامع؟
ألم تكن بداياتها بشعار: الله....سورية، حرية وبس!
وشعار: يا الله مالنا غيرك يا الله..؟
من كانت له أزمة مع الهوية الحضارية للشعب السوري فليذكّرنا بأسماء تنسيقيات أو جمعيات إغاثية أو فصائل عسكرية أو بُنى تحتية لبناء الإنسان كانت تحمل هويته غير الإسلامية؟ ليذكر لنا أسماء وأعداد الشهداء الذين لا يحملون هوية الإسلام أو يحاربونها أو يضيقون ذرعا بنسبتهم للإسلام!
أسلمة الثورة كلمة مضللة من زاويتين:
من زاوية كارهي الأسلمة، ومن زاوية أدعياء الأسلمة!
فالأسلمة توحي أن لهذا الشعب هوية أخرى، وأن غالبيته تقبل الأدلجة الاشتراكية أو الليبرالية أو أي توجه علماني، وتستنكف عن الإسلام، وهي دعوى بلا برهان، بل البراهين بضدها، وما اخترعت معامل أقبية المخابرات في حربها النفسية نماذج الدعشنة والقعودة إلا لتنفيس احتقان الشعب ضد التجارب العلمانية العريضة في بلادنا منذ الانتداب الغربي والدويلات الطائفية فالقطرية، والتي أسسها الاستخراب المحتلّ، وساسها بعلمنته المفروضة بالدبابة.. دبابة المحتل فالانقلابي العسكري..
كانت نماذج الدعشنة حملة نفسية جذبت الشعب نحوها كراهية للاستبداد العلماني، ليجد نفسه فريسة لاستبداد يستخدم نفس الآليات بلبوس ديني، وأريد لهذه الصورة المختلقة أن تكون (المودل) الذي يبغٌض الشعوب المسلمة بالإسلامي ويشيطنه، ونسوا أن هذه الشعوب قد أبغضت العلماني قبلا، وأن نخبها الواعية تدرك أن تمثيل هذا (الملكانات) للإسلامي هو محض مكر معادي للهوية يراد به تنميط الإسلامي وشريعته بالصورة البغيضة التي افترصوها واخترعوها له!
وأن الدهماء لا يؤبه لغوغائية تملى عليهم من قبل من يستخفّونهم في خضم الأزمات..
وأن المعوّل عليه هو فترات الاستقرار التي يدرك المتآمرون أن نصيبهم منها بخس، وحججهم دامغة، وباطلهم زاهق، بقوة الحق، لا بحق القوة والدبابة والانقلاب والحماية الخارجية، كما فعلوا ويفعلون!
فإن ظنوا أنهم بهذا التشويه والشيطنة سيصرفون الشارع عن هويته، وعن الثقة بالمخلصين لها، ويرتدوا إلى علمانيتهم الدخيلة المستوردة، فإن شعوبنا إن تنسَ فلن تنسى أن حافظ وبشار وناصر وصدام والقذافي وبورقيبة وبومدين وعلي صالح وعبود والنميري والسادات ومبارك وعبدالكريم قاسم وأمين الحافظ والسيسي وكنعان إيفيرين وبرويز مشرف وكرزاي وجلبي ومحمود عباس وحسينة واجد وخالدة ضياء وغيرهم كثير، كل هؤلاء حكموا شعوبهم باسم العلمانية لا الإسلامية، ومجازرهم في شعوبهم فاقت مجازر داعش والقاعدة قبحهم الله، بل الأدق أن داعش والقاعدة هي بعض إجرامهم كما أسلفت..
أسلمة الثورة مضللة من زاوية أدعيائها أيضا، لأنها تزعم أن الإسلام منبتّ عن الشعب، وقيم الحرية والعدالة والأنسنة، والآليات المدنية والديمقراطية والعصرية، كلها غريبة عنه حدّ التناقض! وترى الإسلام صورا وأشكالا ومسميات لا روحا ومقاصدا وحضارة يخضع تطبيقها لجملة موازنات، وسلم أولويات، ومقاييس علمية لاجتهادات بشرية حركية غير جامدة، تتطور وتراجع وتقوّم وتبدل وتقدم وتؤخر ويراعى فيها ظرف الزمان والمكان والحال..
فكم من أسلمة مزعومة كان فيها زيف لمعة الذهب، وما فيها جوهره، فما أغنت ولا كان لها قيمة، بل أضرّت صاحبها وما نفعت، وتسببت له بملاحقات ومحاكمات بتهمة التزوير والتزييف، ولم يعد يثق بصياغته إلا مغفل لا يميز بين الذهب والحديد المطلي بمثل لون الذهب! لذا كانت نار الفتنة تمحيصا يذهب بالزيف الباطل جفاء، ويزداد الحق بنيران الفتنة لمعانا ومصداقية فيمكث بالأرض لينفع الناس مهما دارت به الدوائر.
ويبقى الإسلام هو المستقبل..
والمدافعين عن هوية الإسلام الحضارية هم أمل الأمة...
ولايزال هاجس العلمنة أن يتاح للإسلاميين بعض ما يتاح لهم من تغطية وتمكين فينكشف حجمهم وقناعة الناس برؤيتهم، واختيارهم لهم!
ولسان حال الإسلام الحضاري، وأمنائه الوسطيين ما قاله رسول الله ﷺ لخزاعة في صلح الحديبية: (يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون).
وكم خسر العالم الإسلامي بشيطنة هذه الأمة الوسط من الناس، وتصدّر الرويبضة في زمان السنين الخداعات!
وسوم: العدد 839