التدليس الإعلامي ، في التلبيس السياسي !
كتب ابنُ الجوزي ، من مئات السنين ، كتاباً ، سمّاه : تلبيس إبليس ، وذكر فيه ، أنواعاً كثيرة ، من التلبيس ، في شؤون عدّة ، وعلى فئات عدّة ، من البشر! وقد كان حريصاً ، على وصف الواقع ، في كلّ حالة ، من حالات التلبيس ! وبرغم ذلك ، عَدّ بعضُ الملبّس عليهم ،أو الذين رأى أنهم ملبّس عليهم ، عدّ بعضُهم كتابه ، من تلبيسات إبليس !
من معاني التلبيس :
في كتب اللغة : لبّس عليه الحقائق ، وستر حقيقتها ، وأظهر خلافَها : جعَلَها غيرَ واضحة !
والتلبيس : خلط الأمور، بعضها ببعض ، حتى لاتُدرى حقيقتها !
من معاني التدليس : دلّس الشيء تدليساً ، زيّفه ، غَشّه ، فهو مدَلِّس ، والمفعول مدَلَّس !
دلّس البائعُ : أخفى عيوب بضاعته ، عن المشتري !
دلّسَ المحّدثُ ، في الإسناد : أتى في حديثه ، بغير الثابت المَتين !
وما أكثرَ مايستعان ، عند التلبيس ، بالتدليس !
*
تلبيس المصالح الخاصّة ، ملابسَ المصالح العامّة:
في المصالح الوطنية : تلبيس المصالح الخاصّة ، أو الشخصية ، ثيابَ المصلحة الوطنية، من أقدم أنواع التلبيس ، ومن أكثرها استعمالاً وشيوعاً ، لدى الساسة ، عامّة ، وذلك ؛ لقِدم المصلحة الوطنية ، في الدول ، بأنواعها ؛ ولا سيّما حين يكون رأسُ الدولة ، الملكُ ، أو الرئيس ، مستبدّاً ، ويمزج ، بين الوطن ، وبين شخصه ؛ فيكون الحديث عن الوطن ، بالضرورة ، حديثاً عن رأس الدولة ، كما يكون الحديث ، عن رأس الدولة ، حديثاً عن الدولة ، ذاتها ؛ أيْ : عن الوطن ، ذاته ! فينتهك رجال الأمن ، حرمات الناس ، باسم المحافظة، على أمن الدولة ، وهم يحافظون ، بذلك ، على أمن رأس الدولة !
وفي الانتخابات العامّة : تشريعية ، وبلدية ، وغيرها .. يُكثرالمترشّحون للفوز، في المقاعد ، من الحديث عن المصلحة الوطنية ؛ لينالوا أصوات الناخبين ! وقد يكون المترشّح انتهازياً ، أو أنانياً ، يضحّي بالوطن ، كلّه ، للحصول على مكسب شخصي له ، أو منفعة خاصّة ! ولو تحدّث أيّ مرشّح ، عن مصلحته الخاصّة ، في الانتخابات ، فلن ينتخبه أحد !
وينسحب هذا ، على سائر الانتخابات العامّة ، على مستوى الدولة !
ومن طرائف البرامج الانتخابية : أن مرشّحاً للفوز، في عضوية بلدية ، في إحدى الدول ، وضَع في برنامجه الانتخابي ، هدفاً أساسياً له ، فيما لو فاز في الانتخاب ، هو تحرير فلسطين ، إضافة إلى الأهداف الكبرى ، في بلاده ، على مستوى الدولة ، كلّها ، لا على مستوى المدينة، التي يرشّح نفسه ، لعضوية بلديتها ، فحسب !
في المصالح الحزبية : أمّا المصلحة الحزبية ، في الانتخابات الداخلية ، لكلّ حزب، فالشعارات تختلف ، باختلاف الأهداف والتوجّهات ، والإمكانات الداخلية للحزب ! وسائرُ المتنافسين على المقاعد ، في قيادة الحزب ، يضعون نصب أعينهم ، مصلحة الحزب ، على أنها فوق المصالح الخاصّة ، دون أن يجرؤ أحد ، على اتّهام غيره ، بالكذب أو الخداع ؛ لأن الجميع معرّضون ، للاتّهام بهذه الصفات ، فيما لو أُطلِق العنان ، للاتهامات ، لأن تسود أجواء الانتخاب !
في الأحزاب العَقَدية (الآيديولوجية) : أمّا الأحزاب ، ذات الطابع العقدي ، أو الآيديولوجي، فيأتي الحديث عن العقيدة ، فيها ، قبل كلّ حديث ، سواء أكانت هذه الأحزاب ، ذات مبادئ اشتراكية ، أم شيوعية ، أم دينية !
وممّا يلفت النظر، بقوّة ، أن الأغطية العامّة تسوّغ ، عادةً ، كثيراً من الأمور المجرّمة ، خُلقياً، أو دينياً : كالكذب ، والغشّ ، والخداع ، والتزوير ، والتدليس ، وخلط الحقائق بالأباطيل .. مادامت المصلحة العليا ، هي الهدف المعلن ! ووسائلُ الإعلام ، الخاصّة بكلّ سياسي ، تخدم أهدافه ، بالأسلوب المناسب !
وسوم: العدد 850