حق العراقي في حياة حرة وكريمة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
تعد حقوق الإنسان مفهوماً راسخاً في ضمير الأمم والشعوب منذ القدم وقد عرف هذا المفهوم أشد التقلبات عبر التاريخ بتعاقب الأنظمة الحاكمة التي أرهقها هذا الملف لكونه يفرض عليها التزامات محددة تحاول بعض الأنظمة بين الحين والآخر التملص منها، والعراق واحداً من الدول التي عرفت هذه التحولات ففي الوقت الذي انتعشت بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في العهد الملكي شهدت نظيرتها السياسية تراجعا إلى حد ما.
بيد أن الحقوق عموماً تعرضت للانتكاس في العهد الجمهوري وبالخصوص عندما تولى السلطة في العراق نظام حزب شمولي انتهى بالشعب إلى كارثة الاحتلال الأجنبي للبلاد واستباحة المحرمات والحرمات بكل أشكالها وصورها، وحين نناقش حق العراقي في العيش الحر الكريم فإننا نقصد التمتع الكامل والحقيقي بالحقوق والحريات لجميع أفراد الشعب في كل زمان ومكان بلا أي تمييز.
ونعني بتبدل الأزمان من وقت السلم إلى الحرب أو من وقت الأزمات إلى الرخاء أو بالعكس وتبدل المكان باختلاف المحافظات العراقية، أو الشخص العراقي الذي يعيش خارج أسوار الوطن، ففي كل الأحوال ينبغي الاعتراف لهم جميعاً بالحقوق والحريات وتهيئة الأرضية المناسبة للاستفادة من إمكانيات الدولة لغرض الانتفاع بما أقره لهم الدستور أو القانون أو المعاهدات أو غيرها من الأعراف والتقاليد الدولية في التعامل مع الإنسان بما يحفظ له أصل الكرامة الإنسانية.
والحق في الحياة الحرة الكريمة يعني الاعتراف للمواطن العراقي بالاستئثار بمصلحة قانونية تتمثل بالسماح له في العيش في حرية وكرامة غير منقوصة بما يسمح له بالتأثير بمسيرة المجتمع ومؤسسات الدولة، وبما يمكنه من الرقي بالحياة من مجرد الحياة كأي كائن حي إلى كائن مؤثر في مجمل الأمور العامة والخاصة الأسرية والمجتمعية وعلى صعيد الدولة ككل، الأمر الذي يخلق علاقة طردية بين مستوى التأثير والسعادة الذاتية والرضا بالواقع الذي اختاره بكامل إرادته، مع التأكيد على ضرورة الاستدامة لهذا الحق بما يضمن حقوق الأجيال القادمة.
ويظهر لنا مما تقدم ان هذا الحق له خصائص ذاتية أهمها ما يأتي:
1- انه حق لصيق بشخص الإنسان، فهو يوجد معه ويستمر ما بقيت له الحياة.
2- انه حق غير قابل للتصرف، فلا يجوز التنازل عنه بصورة كلية أو جزئية ولا يمكن الاتفاق على ما يخالفه وكل اتفاق أو تنازل ولو برضا صحيح من الطرفين فهو باطل بطلاناً مطلقاً، والعلة في ذلك لكونه يتضمن عنصرين أحدهما شخصي والأخر اجتماعي فان تم التنازل عن شق فلا يمكن التنازل عن الشق الثاني، وأي تصرف يتعارض مع الحياة الحرة الكريمة كالاسترقاق أو المعاملة العنيفة أو التنازل عن حق في التعليم أو التمتع بكامل الصحة وما سواها يعد باطل لكونه يخدش كيان المجتمع وشعوره وليس شخص من وقعت عليه تلك الأفعال.
3- إن هذا الحق يحمل مضمونين أحدهما إيجابي يلزم الدولة بكل مؤسساتها ان تحفظ للفرد كرامته وعيشه الحر بتوفير سبل الحياة السعيدة ومضمون أخر سلبي يتمثل بالامتناع عن كل ما من شأنه الانتقاص من هذا الحق سواء صدر الفعل الماس بكرامة وحرية الناس من موظف أو من مواطن عادي.
4- يرتبط هذا الحق بالحقوق الأخرى التي تعد المضمون الحقيقي له كالمساواة والحرية والعدالة وغيرها التي تكمل الحق في الحياة الحرة الكريمة وتعد من جانب آخر مضمون ينبغي على السلطات العامة أن تبتغيه في كل ما يصدر عنها.
5- يتميز هذا الحق في مضمونه المتساوي بالنسبة للجميع في كل إقليم الدولة وليس صحيحا قول البعض انه نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان فالحق في الحياة الحرة الكريمة مضمون واحد لا يتعدد ولا يختلف بيد أن مستوياته تتباين من دولة إلى أخرى أو من مدينة إلى أخرى.
وينبغي ان تتسابق السلطات العامة فيما بينها لتضمن للفرد والأسرة أعلى مستويات هذا الحق بالسهر على توفير الحقوق الرئيسية التي تتوقف عليها الحياة كالأمن والصحة والتعليم وغيرها وكلما ارتقينا بمستوى التعليم والصحة إلى مصاف التعليم الحقيقي والصحة التامة بتوفير الضمان الكامل للفرد ضد كل أنواع الأمراض ستكون السلطة الصحية قد احترمت الحق بالحياة الحرة الكريمة للفرد والعكس صحيح إذ ان التقصير يكشف الفشل في توفير متطلبات المجتمع والفرد فتكون الحياة مهددة والكرامة مهدورة.
ولما كان هذا الحق يختصر بضرورة جعل الإنسان أكثر سعادة ودفع كل عوامل التعاسة والحزن عنه فمن مقوماته الأساسية التي تضمن تحقيقه بشكل فاعل وحقيقي الآتي:
1- نظام الحكم الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة: فالحياة الأفضل التي وعدت الشعوب بها لا تتحقق إلا بالقضاء على كل جذور التسلط والتفرد والدكتاتورية والإيمان الحقيقي من قبل الجميع لاسيما الأحزاب المتنافسة على السلطة إن الحكم الديمقراطي هو السبيل الأمثل لضمان سعادة الشعب ودفع الشقاء عنه.
2- تحقيق الأمن الإنساني: فلا تتحقق الحياة السعيدة إلا حين يأمن الإنسان على حياته وعلى أسرته وأمواله، وأبعد من ذلك حين تتم استدامة الموارد الخاصة بالوطن ومنع الاستغلال الجائر لها والذي ينعكس سلباً على حقوق الأجيال اللاحقة ويلحق أشد الضرر بالبيئة والإنسان، ولنعطي لما تقدم مثال هو النفط فاليوم يتم الاعتماد عليه في العراق كمورد شبه وحيد لتمويل موازنة الدولة العراقية ما انعكس وسينعكس سلباً على التنمية وتنويع مصادر الموازنة العامة وسيحرم الأجيال اللاحقة من التنعم بهذا المورد كونه قابل للنفاذ، أضف لذلك أنهم سيرثون بيئة محطمة مليئة بالأمراض وأصناف الملوثات.
3- استكمالاً للنقطة المتقدمة الأمن الإنساني بحاجة لتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة وضمان حد أدنى من الدخل ولو من خلال الضمان الاجتماعي وبالخصوص للفئات الأكثر ضعفاً كالنساء والأطفال والشيوخ، وتوفير السكن الكريم للفرد والأسرة بتبني إستراتيجية حقيقية من مراحل متلاحقة تؤسس لبناء وحدات سكنية مجانية للمواطن العراقي، وتنهض بمقومات الاقتصاد وتعيد ترتيب الأوضاع الاجتماعية باقتلاع الظواهر السلبية والدخيلة كالتطرف والجريمة المنظمة والإرهاب بكل صوره.
مما تقدم نجد أن مؤشر الحياة الحرة الكريمة في العراق وجميع دول العالم يحمل الجوانب الشخصية والموضوعية معاً فالأولى تتمثل في شعور الفرد بالرضا عن حياته وأداء السلطات العامة في بلاده، والجانب الأخر يتمثل بوضع معايير لقياس كفاءة خدمات التعليم والخدمات الصحية والبلدية والبيئية وغيرها التي ينبغي أن تتسالم مع هذه المعايير فالحياة الحرة الكريمة ليست مفهوم ثابت بل متحرك معناه تحقيق أعلى مراتب ومعايير الخدمات العامة ليشعر الإنسان بالأمن والسعادة والرضا.
وهو ما قصده المشرع الدستوري في العراق حتما حين أورد نص المادة(30) والتي قضت أن (أولاً: تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم. ثانياً: تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون).
والنص المتقدم يحتم علينا أن نصنع نوع من المقارنة بين الواقع القانوني أو ما ينبغي ان يكون والواقع الفعلي أي ما هو كائن، فالفارق شاسع والتقصير ظاهر للعيان والمسيرة متعثرة بشكل مخيف، ولا بد لنا من لفت أنظار الحكومة والبرلمان العراقي إلى نسبة ما تحقق من أمن صحي أو أمن تعليمي أو أمن مجتمعي بتوفير السكن الملائم أو الدخل المناسب أو القضاء على التطرف والإرهاب وعودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم مكرمين.
نعم هنالك جهود بذلت وانجازات تحققت منها على سبيل المثال قانون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رقم(8) لسنة 2006 الذي نص على أن من أهداف الوزارة): عاشرا: القضاء على ظاهرة الفقر عن طريق تقديم المساعدات للفقراء غير القادرين على العمل وتأهيل القادرين مهنيا واجتماعيا من خلال دعمهم لإقامة مشاريع إنتاجية صغيرة. حادي عشر: رعاية وتأهيل الإحداث المعوقين تربويا وسلوكيا بما يضمن دمجهم في عملية التنمية وإزالة المؤثرات النفسية والاجتماعية التي تحول دون ذلك).
كما صدر قانون الحماية الاجتماعية رقم (11) لسنة 2014 وتضمن العديد من النصوص ذات العلاقة ومنها على سبيل المثال نص المادة (1)(أولاً ـ تسري أحكام هذا القانون على الفئات التالية من الأسر والأفراد ممن هم دون خط الفقر من العراقيين، ورعايا الدول الأخرى المقيمين في جمهورية العراق بصورة دائمة ومستمرة وقانونية فيما يتعلق بمساعدات الحماية الاجتماعية في تلك الدول. وعلى النحو الآتي:
أـ ذو الإعاقة والاحتياج الخاص.
ب- الأرمـلة، الـمطلقة، زوجـة المفقود، المهجورة، الفتاة البالغة غير المتزوجة، العزباء.
ج- العاجـز.
د- اليتـيم.
ه- أسرة النزيل أو المودع إذا زادت مدة محكوميته عن سنة واحدة واكتسب قرار الحكم الدرجة القطعية.
و- المستفيدون في دور الدولة الإيوائية.
ز- الأحداث المحكومين ممن تزيد مدة محكوميتهم عن سنة واحدة واكتسب قرار الحكم الدرجة القطعية.
ح- الطالب المتزوج ولغاية الدراسة الإعدادية.
ط- الأسر معدومة الدخل أو التي يكون دخلها دون مستوى خط الفقر.
ثانياً ـ لمجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير شمول فئات أخرى من غير الفئات المذكورة في القانون)، وما تقدم خطوة بالاتجاه الصحيح ولكن ليس هو منتهى الأمل والطموح فقد اكتفى المشرع العراقي في المادة (6) من قانون الحماية الاجتماعية البند أولاً بالنص على انه((لكل فرد أو أسرة ممن هم دون خط الفقر الحق في الحصول على الإعانات النقدية والخدمات الاجتماعية وفقاً لأحكام هذا القانون))، والنص المتقدم أهمل واجب الوزارة بتوفير السكن المناسب بالتعاون مع وزارة الإعمار والإسكان مثلاً أو بالتعاون مع الحكومات المحلية (مجالس المحافظات ومجالس الأقضية ورؤساء الوحدات المحلية كالمحافظ والقائممقام ومدير الناحية)، فالوزارة ستنهض بجزء من المسؤولية وهذا غير كافٍ لذا نجد لزاماً على المشرع العراقي التأسيس للمجلس الوطني أو الهيئة الوطنية للأسرة والفرد في العراق والتي تأخذ على عاتقها التنسيق بين الوزارات المختلفة كالصحة والتعليم والإعمار والإسكان والعمل والشؤون الإجتماعية وغيرها والمحافظات وإقليم كردستان للنهوض بالفرد والأسرة في العراق بتوفير الحياة الحرة الكريمة له بكل مقاصدها المتقدمة.
وسوم: العدد 851