أين العلمانية من الإسلام في ضمان وصيانة الحقوق والحريات ؟
لقد شهدت فرنسا مؤخرا مسيرة رفع المشاركون فيها كلمة " كفى " تعبيرا عن الاستياء مما يلحق الجالية المسلمة فيها من تمييز عنصري مقيت في بلد علماني يدعي صيانة حقوق وحريات كل من يعيشون فيه بغض الطرف عن انتماءاتهم الدينية .
وهذه المسيرة الغاضبة التي شارك فيها إلى جانب المسلمين غيرهم تدل على أن الكيل قد طفح ، وأن أصحاب الضمائر الحية في فرنسا العلمانية قد ضاقوا ذرعا بالتصرفات العنصرية ضد الجالية المسلمة على وجه الخصوص من خلال التضييق على حرياتها والنيل من حقوقها، فضلا عن اختلاق كلمة " إسلاموفوبيا" التي تتضمن اتهاما صريحا لها بالعنف والإرهاب .
وهذا الذي وقع في فرنسا، أسقط قناع العلمانية التي تتبجح كذبا بصيانة حقوق وحريات غير العلمانيين . ومع تنامي التيار اليميني العنصري يزداد التمييز ضد الجالية المسلمة ، وقد تجلى ذلك من الاعتداء الأخير على أحد المساجد وإصابة أحد عمّاره من طرف عنصري متطرف . وتزامن مع هذا الحدث الإجرامي العنصري تصريح زعيمة الحزب اليميني العنصرية المتطرفة التي نددت بالمسيرة قائلة :
" كل الذين سيتوجهون إلى هذه التظاهرة سيكونون شركاء للإسلاميين الذين يدفعون في بلدنا بإيديولوجيا استبدادية تهدف إلى محاربة قوانين الجمهورية الفرنسية " .
فأية قوانين هذه التي تتحدث عنها هذه العنصرية الحاقدة التي تبدي العداء والكراهية المقيتين للجالية المسلمة المقيمة فيها بمن فيهم الذين يحملون الجنسية الفرنسية ، وهم جزء من المجتمع الفرنسي الذي يستفيد من جهودهم وخدمتهم ومن أموالهم، ولكنه لا يمكنهم من حقوقهم وحرياتهم بحيث لا تستطيع المرأة المسلمة الفرنسية ممارسة حقها في ارتداء لباس يعبر عن هويتها الدينية، وهو من الواجبات الدينية التي يتعين عليها الالتزام بها ، كما أنها تحرم من حقها في الاستحمام والاستجمام في الشواطىء والمسابح بلباس سباحة يصون جسدها من الابتذال ، فضلا عن أنواع مختلفة من المضايقات والتهديدات والسباب والنعوت المشينة التي تحط من قدرها ،وتنال من كرامتها .
وهذا التمييز ضد الجالية المسلمة يعتبر وصمة عار على جبين فرنسا العلمانية التي تستحق أن تنعت عن جدارة بالعنصرية لما يلحق فيها تلك الجاليات من مساس بحقوقها وحرياتها .
وأين فرنسا بقوانينها التي تفاخر وتزايد بها على المجتمعات المسلمة من ضمان وصيانة حقوق من ليسوا علمانيين ؟ فإذا قارنا ما يحظى به العلمانيون الفرنسيون في بلادنا على سبيل المثال لا الحصر، لا نجد ما يمنع المرأة العلمانية من ارتداء ما ترغب فيه من لباس ، ولا تضايق وهي على شواطئنا وفي مسابحنا شبه عارية ، ولا تتعرض للمضايقة أو السباب أو غير ذلك من التصرفات التي تنم عن عنصرية أو تمييز بل بالعكس تجد من مظاهر الاحترام ما قد لا تجده في بلادها . ولا يمنع الفرنسيون من تناول ما شاءوا من الأطعمة والأشربة المسكرة ، ولا يمنعون من التعامل مع اللحوم التي يستهلكونها بطريقتهم في صعق مواشيهم أو دواجنهم أو غيرها كما يمنع المسلمون في فرنسا من ذبح ذبائحهم وفقا لتعاليم دينهم ، ولا يرفع ضدهم شعار " العلمانوفوبيا " مع أنه يجدر بما يقع في فرنسا من تمييز ضد المسلمين ومن اعتداء عليهم وعلى حرياتهم وحقوقهم أن يرفع .
ومعلوم أن المجتمعات المسلمة تستقي طرق تعاملها مع الجاليات غير المسلمة من تعاليم دينها الحنيف التي تضمن وتصون حريات وحقوق هؤلاء رعاية للعهد والذمة . وما كان الذميّون في بلاد الإسلام عبر التاريخ الإسلامي يضيّق عليهم في ممارساتهم التعبدية ، ولا في طرق وأساليب عيشهم من طعام وشراب ولباس وعادات بل كانوا يعيشون بين المسلمين مصونة كرامتهم .
ومن المتوقع أن ينتشر وباء العنصرية ضد الجاليات المسلمة في كل الدول الأوروبية سيرا على نهج فرنسا مع تنامي التيارات اليمينية المتطرفة التي باتت تحقق فوزا في نتائج الانتخابات ، وهي تخوضها عن طريق وعود بالتضييق على من يعيش بين ظهرانيها من المسلمين بل وتهدد بطردهم.
وأمام هذا الموقف العنصري الصارخ لا تحرك الأنظمة في البلاد العربية والإسلامية ساكنا تعبيرا عن استيائها من الإساءة إلى جالياتها المسلمة في الدول الأوروبية العلمانية وعلى رأسها فرنسا . ولقد أقيمت الدنيا ولم تقعد حين شبه وزير حقوق الإنسان عندنا الرميد فرنسا بحركة طالبان في تضييقها على المسلمين في تدينهم .
وموازاة مع ما تمارسه فرنسا العلمانية من تضييق على الجاليات المسلمة التي تعيش فوق ترابها لا تدخر طوابيرها الخامسة المستأجرة عندنا جهدا لتسويق زبالتها العلمانية لترسيخها في بلد أنعم عليه الله عز وجل بنعمة الإسلام . وهذه الطوابير تطالب برفع التجريم عن كل أشكال الإباحية والتهتك والفساد الخلقي للنيل من الهوية الإسلامية في بلادنا على غرار النيل منها فوق التراب الفرنسي وغيره في دول أوروبا وفي عموم الدول الغربية .
ولقد خيّر بكل وقاحة أحد أبواق العلمانية من وزير حقوق الإنسان عندنا بين إقرار رفع التجريم عن الفواحش التي يعتبرها حقوقا وحريات وبين تقديم استقالته ، وهذا يعني أن طوابير العلمانية عندنا تخوض حربا إعلامية ضد الإسلام في وطننا نيابة عن العلمانية الفرنسية ، وغيرها من العلمانيات المقيتة التي لا تتردد في إظهار الكراهية للمسلمين، وتتمادى في التعامل معهم بعنصرية صارخة كانت هي السبب في رفع التظاهرة الأخيرة بفرنسا بشعار " كفى " ، وهي كلمة تدل على أن الكيل قد طفح ، وبلغ السيل الزبى ، ونفذ الصبر على ما يعاني منه المسلمون من تمييز مقيت في فرنسا المتبجحة بعلمانيتها العنصرية المنتنة .
وبقيت كلمة أخيرة نوجهها إلى الطوابير العلمانية الماجورة عندنا وهي " كفى " من الدعاية إلى زبالة العلمانية وقد سقط قناعها ، وافتضحت بشاعة وجهها في فرنسا التي تعتبر نفسها قاطرتها في أوروبا والغرب عموما . وإذا كنتم تريدون استباحة أعراضكم ، فلا تنسوا أن أعراض المغاربة المسلمين خط أحمر.
وسوم: العدد 851