حفتر والأوصياء: نفاق الإشهار وأجندات الإضمار
لم يكن ينقص اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلا الإعلان، بلسان وزير الخارجية في حكومة الشرق الليبي التابعة له، عن العزم على تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، طبقاً لما نشرته مؤخراً صحيفة «معاريف» الإسرائيلية التي التقت الوزير الليبي في العاصمة البريطانية لندن. وبينما تواصل قوات حفتر معاركها العاثرة ضدّ العاصمة طرابلس، ويوقع القصف الجوي عشرات الضحايا في صفوف المدنيين وخاصة الأطفال والنساء، فإن الطائرات الإماراتية المسيرة الداعمة لهذه القوات تشارك بدورها في استهداف المدنيين كما وقع مؤخراً في مجمع سرت، إلى جانب المرتزقة الروس من مفارز فاغنر الخاصة ولكن غير البعيدة عن توجيهات الكرملين.
ومن جانب آخر يواصل حفتر زجّ الشرق الليبي ومنطقة الهلال النفطي بأسرها في صراعات لا تقل عبثية بين ميليشيات عمادها تجنيد المرتزقة وقرصنة الثروات وتسعير الانقسامات القبائلية، وبين القوات غير الشرعية المسماة «الجيش الوطني الليبي» التي يقودها حفتر وتتوزع ولاءاتها بين القاهرة وأبو ظبي وباريس وواشنطن وموسكو. الفريق الأول في هذا الثنائي يسعى إلى تخريب الاقتصاد النفطي ونهب الثروات وخطف الناقلات والإضرار بالسعات التخزينية للنفط، والفريق الثاني يقامر بتسليم مقدرات ليبيا إلى قوى خارجية لا تتوخى سوى مصالحها الإقليمية على حساب تعطيل الحلول السلمية وإذكاء نيران الخلافات بدل المساعدة على إطفائها.
ومع جمود جهود التسوية التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا بسبب إصرار حفتر على الاستمرار في معاركه الفاشلة ضدّ طرابلس وحكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دولياً، يتضح شلل الجهود التي بذلتها وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً في الضغط على حفتر لوقف القتال على الأقل، وكذلك السعي ضمناً إلى الحدّ من النفوذ الروسي المتزايد في صفوف اللواء المتقاعد. كذلك بات واضحاً أن المؤتمر الدولي الجامع الذي استضافته باريس برعاية مباشرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صيف 2018، بلغ مرحلة الانسداد شبه الكامل وذلك رغم العلاقات الخاصة الأمنية والعسكرية التي تجمع فرنسا مع حفتر.
غير أن المشهد الليبي الراهن يعكس أيضاً واحدة من أوضح صور الازدواج في مواقف القوى العظمى، بين إشهار الحرص على وحدة الأراضي الليبية وتأكيد الحل السياسي ودعم الحكومة الشرعية وتثبيت السلم الأهلي من جهة، وبين إضمار الأجندات الخفية التي تتبع مصالح هذه القوى وتسير على نقيض الأهداف المعلنة من جهة ثانية. وليس أدلّ على هذا من موقف موسكو الذي يثأر اليوم عبر قوات فاغنر لخطأ الكرملين السابق في تمرير قرار مجلس الأمن الدولي الذي كان أحد عتبات الإطاحة بنظام القذافي، وموقف واشنطن التي احتضنت حفتر تحت رعاية مباشرة من المخابرات المركزية الأمريكية وباركت معاركه في اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ثم صارت اليوم تزعم أنها لا تملك الضغط عليه لوقف مغامراته العسكرية.
وبين نفاق الإشهار وأجندات الإضمار ثمة مؤشرات على أن واشنطن وموسكو ليستا بعيدتين عن بلوغ مرحلة صدام المصالح في ليبيا، بحيث لا يعود الأوصياء على حفتر أو الشركاء في مغامراته قادرين على ضبط الفارق بين الوئام والصدام، وحيث لا يكون الخاسر الأكبر سوى الشعب الليبي ووحدة ترابه وسلمه الأهلي وثرواته الوطنية.
وسوم: العدد 853