الدولة الديموقراطية الواحدة بين الواقع والحلم
صرّح وكتب كثيرون عن إمكانيّة قيام دولة ديموقراطيّة واحدة في فلسطين التّاريخيّة، يعيش فيها الفلسطينيّون واليهود جنبا إلى جنب متساوي الحقوق والواجبات. وكثرت التّصريحات حول هذا الموضوع بعد أن قامت اسرائيل بتدمير حلّ الدّولتين، من خلال تكثيف الاستيطان اليهودي في الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس الشريف. وهذا الطرح ليس جديدا، فمنظمة التّحرير الفلسطينيّة منذ تأسيسها في العام 1964 طرحت الدّولة العلمانيّة، وهذا ما نصّ عليه الميثاق الوطني الفلسطيني، وسبق للرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي أن طرح الدّولة الواحدة من خلال ما سمّاه"إسراطين".
لكنّ إسرائيل ووليّ بقائها في البيت الأبيض يطرحون الدّولة الواحدة أيضا، لكن من منظور معاكس ومختلف، فهم يريدون دولة يهوديّة نقيّة تتعدّى حدودها حدود فلسطين التّاريخيّة، فأمريكا اعترفت بالسّيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة. وكردّ "للجميل" أقامت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرّفة مستوطنة يهوديّة في الجولان تحمل اسم الرّئيس الأمريكي ترامب.
والأحزاب الصّهيونيّة الحاكمة في اسرائيل والتي في المعارضة أيضا، تجمع على رفض حلّ الدّولتين، [في مقابلة مع الدكتور نبيل شعث بثّتها فضائيّة العربيّة قال بأنّ رئيس وزراء اسرائيل الأسبق إسحاق رابين الذي وقّع اتفاقات أوسلو كان يقول"سنعطي الفلسطينيين أقلّ من دولة وأكثر من إدارة مدنيّة."] وهذه "المكرمة الرّابينيّة" تحتاج إلى تفسير من دهاقنة السّياسة لتفسيرها، وحسب معلوماتي فإنّها غير مسبوقة في التّاريخ.
وأطماع اسرائيل في رؤيتها لحلّ الصّراع لا تتوقّف عند الدّولة اليهوديّة فقط، بل تحمل في طيّاتها عمليّة التطهير العرقي"الترانسفير" للفلسطينيّين المقيمين في وطنهم المحتل.
والفهم الإسرائيلي للسّلام والذي يقوم على نفي حق الشّعب الفلسطينيّ في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، ينفي أيضا إمكانيّة قيام الدّولة الدّيموقراطيّة الواحدة، خصوصا وأنّ اسرائيل تملك القوّة الكافية لفرض شروطها، ومقرّرو السّياسة في اسرائيل وأمريكا يدركون تماما القضيّة الديموغرافيّة، وأنّ قيام الدّولة الدّيموقراطيّة يعني أنّ الأكثريّة العربيّة فيها ستفوز بحكمها مستقبلا إن لم يكن الآن، كما أنّ العالم لن يقبل دولة عنصريّة لا تسمح لنصف مواطنيها أو يزيد أن يكونوا مهمّشين لا حقوق لهم، وبالتّالي فإنّ خيار "الترانسفير" للمواطنين الفلسطينيّين هو الخيار المقبول اسرائيليّا وأمريكيّا. ولترقيع هذه الحلول البالية فإنّ الوطن البديل للفلسطينيّين هو ما تراه أمريكا واسرائيل، وهذا الوطن طرحه الإسرائيليّون أكثر من مرّة ليكون في الأردنّ، أو في قطاع غزّة ليمتدّ داخل صحراء سيناء المصريّة بمساحة اثني عشر ألف كيلومتر مربّعا. ومن الأمور التي لم تعد عجيبة أنّ أنظمة عربيّة راضخة لهكذا طروحات؛ حفاظا على كراسي وعروش نخرها السّوس. كما أنّ انقسام السّاحة الفلسطينيّة سيبقى طعنة في ظهر فلسطين وحقوق شعبها في التّحرّر والاستقلال. من هنا فإنّ طرح الدّولة الدّيموقراطيّة الواحدة في ظلّ اختلال ميزان القوى حلم وخيال أكثر منه واقعيّة، فهل نعي ذلك؟
وسوم: العدد 853