هل ستمضي مسرحية الاحتكاك العسكري بين إيران والولايات على نفس سيناريو مسرحية آخر احتكاك بين إسرائيل وحزب الله ؟
قبل أشهر قليلة هاجمت الطائرات الإسرائلية عناصر من حزب الله اللبناني في مواقع على الأرض السورية ، وعلى إثر ذلك هدد زعيم الحزب برد عنيف وسريع على إسرائيل. ونقلت وسائل الإعلام انطلاق قذائف من جنوب لبنان على شمال فلسطين ، وتحدث الحزب الشيعي عن تدمير آلية عسكرية وقتل عدد من الجنود الصهاينة ، كما نقلت وسائل الإعلام رد الصهاينة على ذلك بعد تحذير السكان اللبنانيين الذين يقطنون بالقرب من مواقع انطلاق قذائف الحزب بالتزام مساكنهم لترد بالمثل . ولقد ظن الجميع يومئذ أن احتكاكا عسكريا بين الطرفين سيتطور إلى مواجهة قد يتسع مداها إلا أن ما وقع كان عبارة عن مسرحية هزلية مطبوخة بين الطرفين لأنه في نفس اليوم ظهر رئيس الوزراء الصهيوني نتناهو مع زعيم من زعماء دول أمريكا اللاتنية أمام وسائل الإعلام ينفي تدمير حزب الله آلية عسكرية من آلياته أو قتل جنود صهاينة ، وانتهى الاحتكاك بين الطرفين بين عشية وضحاها .
واليوم تتكرر نفس المسرحية الهزلية بين الولايات المتحدة وإيران حيث جاء الرد الإيراني على قتل قائد فيلق القدس بإطلاق صواريخ على قاعدتين أمريكيتين فوق التراب العراقي ، وصرح الإيرانيون أنهم قتلوا عددا كبيرا من الجنود الأمريكان مع خسائر مادية أيضا إلا أن الرئيس الأمريكي ظهر أمام وسائل الإعلام ليصرح بأنه لم يسقط ضحايا ، وأن الخسائر جد طفيفة .
ويبدو أن مسرحية الاحتكاك بين الولايات المتحدة وإيران تشبه إلى حد كبير مسرحية آخر الاحتكاك بين إسرائيل وحزب الله ما لم يحدث ما ينفي ذلك على الأرض .
وهذا الذي حدث يدعو إلى طرح عدة أسئلة وعلى رأسها هل كان هذا الاحتكاك متعمدا من أجل دخول الطرفين في حوار بينهما بغرض التوصل إلى تفاهم تحكمه المصالح المتبادلة بينهما وهما يستبيحان معا أرض العراق طمعا في ثروات نفطه وغيرها من ثروات دول الخليج العربي خلافا لما يزعمه كل طرف ويموه عليه بادعاء مساعدة العراق والشام والخليج في الحرب على تنظيم داعش ؟
ومن الأسئلة أيضا هل كانت تصفية قائد فيلق القدس جزء من التفاهم بين الطرفين لسبب من الأسباب ربما هو كون هذا القائد صقرا من الصقور الرافضين لتفاهم بينهما؟ وقد لا يستبعد هذا الافتراض بالرغم من التضخيم الإعلامي لهذه التصفية وتضخيم الوعيد بالردود القاسية عليها ، وبالرغم من حجم الجنازة التي أقيمت له ، وإطراء الزعامة الدينية والسياسية عليه ، وكل ذلك مجرد تمويه على التخلص منه . ولن تصح الهالة الإعلامية التي ضربت حوله إلا إذا عاد الجنود الأمريكان جثامين إلى بلادهم اضطر من بقي منهم حيا إلى مغادرة الوطن العربي ، وجمع الصهاينة حقائبهم دون أن تدعو الحاجة إلى خوض جبهة إيران المتقدمة في لبنان حربا لطردهم من فلسطين المحتلة .
وستترجح هذه الفرضية بانتهاء مسرحية الاحتكاك العسكري بين الطرفين حيث انتهت اليوم ، ولن تترجح غيرها من الفرضيات إلا إذا توالت لها فصول أخرى من الاحتكاك العسكري .
ومما يرجح رغبة الطرفين في فتح حوار بينهما من أجل إعادة صياغة الاتفاق السابق الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي هو تهديد إيران بالعودة إلى مشروعها النووي أمام ضغط العقوبات المفروضة عليها من الطرف الأمريكي . وتقتضي المصلحة الأمريكية ألا تواصل إيران برنامجها النووي كما أن مصلحة إيران تكمن في رفع العقوبات عنها ، وتمكينها من حق لها تدعيه في العراق وفي الخليج .
ومن غير المستبعد أن يشمل أي تفاهم جديد بين الطرفين إدراج قضايا أخرى مثل القضية العراقية واليمنية والسورية والخليجية ، وقضية صفقة القرن التي يراهن عليها الكيان الصهيوني للاستفادة من أمن وسلام دائمين في ظل الظروف الحالية في الوطن العربي ، وهي ظروف لم تكن متاحة قبل اليوم لعدة أسباب منها الإجهازعلى ثورات الربيع العربي وتداعياته بما فيها الصراعات الطائفية المسلحة في أكثر من بلد عربي ، وتهافت أنظمة عربية على إعلان التقارب مع الكيان الصهيوني والرغبة في إخراج العلاقة السرية معه إلى العلن .
ويبدو وضع الوطن العربي اليوم كما كان عليه زمن الجاهلية حين كانت دولة الفرس ودولة الروم تتنافسان على النفوذ في بلاد العرب ، وكانت القبائل العربية موزعة بين الولاء للفرس من خلال الانضواء تحت مملكة المناذرة والولاء للروم من خلال التبعية لمملكة الغساسنة ، وكانت المملكتان وما تحتمهما من قبائل عربية تخوضان حروبا بالنيابة عن الفرس والروم .
وها هو التاريخ يعيد نفسه، فتعيد الأمبراطورية الفارسية كرة الاستحواذ على بلاد العرب بنزعة شعوبية لم يخب وهجها عما كان عليه ، وبعقيدة شيعية لا تقل شركا عن العقيدة المجوسية ، حيث حل محل تقديس النار تقديس ما يسمى بالمراقد والمرجعيات التي تضفى عليها قداسة وهمية قد استحوذت على عقول السذج والرعاع ، ويدين لها بالولاء أتباع من هذا الرعاع في لبنان وسوريا والعراق واليمن ، وحتى داخل دول الخليج التي تدين أنظمتها بالولاء للأمبراطوية الأمريكية التي أصبحت تسد مسد أمبراطوية الروم القديمة . ويبدو وضع الدول العربية اليوم كوضع القبائل العربية في الجاهلية تستباح دماؤها استجابة لما يمليه الفرس والأمريكان ، وصرنا أمام ما يشبه ما كان يسمى بأيام العرب من قبيل داحس والغبراء والبسوس والكلاب ... وغير ذلك.
ولا تختلف أغراض الطامعين اليوم من فرس وأمريكان في الوطن العربي عن أطماع الفرس والروم في الماضي .
والمؤسف أن يصدق المغفلون من العرب وجود خلاف وصراع حقيقين بين إيران وأمريكا، وبين جبهة إيران في لبنان وبين الكيان الصهيوني ، والواقع أن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحيات هزلية لأن الذي يجمع بين الطرفين هو استهداف الإسلام كتابا وسنة كما كان عليه الوضع زمن النبوة وزمن الخلافة الراشدة قبل أن تغزو عقيدة ابن سبإ اليهودي الضالة عقول الذين لديهم استعداد لتقبل خرافات الضلال التي تتنكب بهم عن الصراط المستقيم الذي لا يقدس فيه إلا ما أنزل رب العزة جلا جلاله ، وما ثبت وصح عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم دون أن يلابسه ما يدعيه دعاة الضلال المبين .
ولن تعرف الرقعة العربية أمنا وسلاما إلا إذا تخلص أهلها من هيمنة فارس وأمريكا ، ولن يحصل ذلك ما لم يعودوا إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما لم يتخلصوا من عقائد الضلال الفارسية والغربية على حد سواء ، وما لم يجمع الإسلام شملهم المشتت .
وسوم: العدد 858