اقتراب الإعلان عن "صفقة موت" الفلسطينيين والعرب
تتدافع الأخبار ، وكلها عبرية وأميركية ، عن اقتراب الإعلان عن صفقة القرن الأميركية اسما ، والإسرائيلية مضمونا وصياغة . وتحدد الأخبار آخر الشهر الحالي موعدا لهذا الإعلان . وقد تكون محاكمة ترامب وراء التعجيل بإعلان الصفقة لصرف الأضواء عن هذه المحاكمة ، وللتقرب للوبي الإسرائيلي ليساعده في الإفلات من عواقب هذه المحاكمة التي قد تؤدي إلى إجباره على التنحي . فالموقف السابق من إعلانها أنه لن يتم إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية الثالثة في 2 مارس القادم . وما كشف من بنود الصفقة في أخبارها الجديدة لا يختلف في شيء عن التسريبات السابقة ، وخلاصة هذه البنود سيادة إسرائيل على كل القدس ، وعلى المستوطنات في الضفة ، وعلى الحدود ، وسيطرتها أمنيا على غور الأردن . وماذا للفلسطينيين في الصفقة ؟! دولة صورية منزوعة السلاح على 80 % من الضفة ، وغزة ، و" تعويض " أراضٍ صغير في منطقة تسميها إسرائيل حالوتسا يضاف إلى غزة . وهذه الدولة لن تكون فورية القيام ، وإنما بعد مفاوضات ! وشروط هي :
أولا : التنازل عن حق العودة ، وقد تسمح إسرائيل لعدد صغير من اللاجئين بالعودة لأسباب إنسانية .
ثانيا : الاعتراف بيهودية إسرائيل ، وهو ما من أثره تجريد مليوني فلسطيني من حقهم في المواطنة في هذه الدولة اليهودية .
ثالثا : نزع سلاح حماس والمقاومة في غزة .
وإذا رفض الفلسطينيون هذه الشروط فلا دولة لهم ، ولإسرائيل أن تفعل بهم ما تشاء . وما من فلسطيني يمكن أن يقبل هذه التنازلات وهذه الشروط . والبنود تبين أن إسرائيل اقترحتها وصاغتها ، وكلفت أميركا بتبنيها وإعلانها ، وتبين أن الطرفين لم يحسبا للفلسطينيين والعرب أي حساب ، فلا وزن لهم في نظرهما ، وكلهم إلا أقلهم يتمنى رضا أميركا وإسرائيل عنه ، ويحتاج إليهما أشد الحاجة لحماية نظامه ودولته . والسلطة الفلسطينية تهدد على أكثر من لسان من ألسنتها باتخاذ مواقف صارمة عند الإعلان عن الصفقة المتجاهلة كليا للحقوق وللسيادة الفلسطينيين ، وهي لا تعلم ولا أحد يعلم ما هي هذه المواقف الصارمة التي تستطيع اتخاذها ، وقد هددت بمثلها في حالات سابقة ولم تتخذها بعد أن أحرقت كل أوراق القوة الفلسطينية بتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني ، وبالتنسيق الأمني الذي حمى الاحتلال والاستيطان . وشل قدرة الشعب في الضفة على مقاومتهما . الصفقة بهذا المضمون تصفية للقضية الفلسطينية ، وموت للفلسطينيين أولا وللعرب تاليا ، وهذا مصير كل أمة تتهاون في حماية ثوابتها الوطنية والوجودية ، وتجهل أو تتجاهل حقيقة أعدائها . ما أكثر ما تحدث الفلسطينيون عن الثوابت ، وما أسرع ما تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عنها ، وواصلت السلطة الفلسطينية التي ورثت المنظمة هذا التخلي ، وعمقت مقوماته ، والعرب أضعفوا بلدانهم فرادى ، وقطعوا أواصرهم في ما بينهم ، وأعان كثيرون منهم أميركا وإسرائيل على بعضهم بعضا ظانين إعانتهم لهما طريقا مأمونا مضمونا لاستبقاء نظمهم . تصفية القضية الفلسطينية بصفقة القرن ستكون خطوة أولية حاسمة لتصفية كيانات عربية كثيرة تمهيدا للتصفية النهائية لكل العرب ، وحشرهم في أسوأ حال في حدود جزيرتهم ، فهذا ما يكتبونه وما يقولونه ، ولا توصيف لصفقة القرن سوى أنها موت للفلسطينيين أولا وللعرب تاليا ، فهل نقاتل من يريدون موتنا ويرونه شرط حياة لهم ؟! أمم كثيرة واجهت أخطارا مميتة ، وقاومتها وانتصرت ، ونحن ، عربا ومسلمين ، نملك أوفر مصادر المقاومة والانتصار ، وأولها قيم الإسلام العظيم التي تفرض الدفاع عن الوطن فرض عين ، والتي يعد الله فيها المؤمنين بالنصر الحق المبين ، والتي يقرن فيها _ تعالى _ عزة المؤمنين بعزته وعزة رسوله _ صلى الله عليه وسلم _ لو حفظنا هذه القيم إيمانا وعملا صادقين ما حشر مصيرنا في صفقة يسميها أعداؤنا المجرمون المتوحشون صفقة قرن بيانا " لعظمتها " لهم ، وفعلا وصفها الوضيع ترامب أمسِ بأنها "عظيمة " ، ووصف نتياهو موعد الإعلان عنها بأنه حدث وطني إسرائيلي يستوجب منه اصطحاب منافسه جانتس معه في زيارته هذا الأسبوع لواشنطون للتباحث مع الإدارة الأميركية في إعلانها . هي عظيمة لهم ، وموت لنا فلسطينيين وعربا ، وبمشاركة كثيرين منا في هذه المأساة التاريخية المدمرة مشاركة فعالة حاسمة سهلت على أعدائنا اقترافها بأزهد ثمن . وتابعوا المؤامرة التي يقودها الآن النظامان السعودي والإماراتي لتفتيت العراق مواصلة لجرائمهما المخربة والدموية في سوريا واليمن وليبيا ! وطليعة هذا التفتيت إقامة إقليم سني في الأنبار بمباركة أميركا وإسرائيل ، وتأمل منه إسرائيل أن يخلصها من بعض عبء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين باستيعاب أعداد منهم كقوى عاملة في هذا الإقليم الغني بالنفط والغاز والمعادن الكامنة . وتحدث الكاتب البريطاني ديفيد هيرست باستفاضة عن هذه المؤامرة .
وسوم: العدد 861