هل تنجح مساعي تركيا في جعل إدلب منطقة آمنة ؟
حينما ننظر في خارطة تحرّكات الدول المتدخِّلة في الملف السوريّ؛ نجد أمريكا تتحرّك ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق و سورية، المكون من ( 82 دولة، الذي بدأت عملياته في: 23/ 9/ 2014. و روسيا بموجب دعوتها للتدخّل من الرئيس الأسد، في شهر:30/ 9/ 2015. و تركيا بموجب اتفاقية أضنة الموقّعة مع الحكومة السورية في:20/ 11/ 1998، المودعة في وثائق الأمم المتحدة؛ في حين أن إيران استندت في ذلك إلى اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة مع سورية سنة 2006.
و على هذه الاتفاقية استند الرئيس أردوغان، لتبرير تدخل قواته في سورية، مشددًا على ضرورة طرحها للنقاش مجددًا، في لقائه مع الرئيس بوتين، الخميس: 24/ 1/ 2019، و بأنّ أنقرة ليست لديها مطامع احتلالية في سورية، و بأنّ من أهم أهداف العمليات التي تقوم بها بلاده داخل الأراضي السورية، هو تحقيق الأمن للسكان الذين يعيشون هناك، وأشار إلى أنه بحث مع الرئيس بوتين استنادًا إلى ذلك، المنطقة الآمنة في سورية، وسلامة الأراضي السورية.
يرى المراقبون قوةً و مشروعية في التحرّك التركي، أكثرَ من قوة و مشروعية تحرّك كلّ من أمريكا و روسيا، اللتين يتخلّل تحركهما نقاط ضعف في ظلّ الأزمة التي تعيشها سورية منذ ما يقرب من عشر سنوات.
إنّه تحرّك مستندٌ إلى هذه اتفاقية، التي مازالت نصوصها طيّ الكتمان منذ التوقيع عليها، فلم يصدر تعليق من الجانب السوري، حول استمرارها، من عدمه، أو أيّ شيء حول آلية تطبيقها، بعد ما يقرب من ( 22 ) عامًا التوقيع عليها، وهل تخوّل تركيا التدخل عسكريًا في سورية.
لقد تعاملت الحكومة السورية، و منذ توقيعها هذه الاتفاقية، بتعتيم على بنودها؛ فلم تعرضها على مجلس الشعب لإقرارها، ولاسيما بعدما أخذ يشاع أنّ لها أكثر من ملحق وصِف بالسرّي، فلم تعلّق حتى الآن على ما نشرته صحيفة صباح التركية، في: 25/ 1/ 2019، ولاسيّما في الملحق الرابع لها ( يفهم الجانب السوريّ أنّ إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية ، المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم ).
و هناك من أشار إلى أنّ حقيقة العمق المسموح به، يصل إلى ما بين ( 30 ـ 32 كم: بحسب طبيعة الأرض )، أي إلى طريق ( m5: حلب ـ دمشق )، و هو العمق الذي تطالب به أنقرة في سعيها لإقامة المنطقة الآمنة في إدلب.
و إزاء هذه الرغبة التركية يبرز سؤال: هل ما هو معلن من عمق ( 5 كم ) يكون بديلاً عن هذه المنطقة الآمنة، أم أنّ لتركيا تفسيرًا آخر تصل فيه إلى عمق ( 32 كم )، مستندة فيه إلى نصوص هذه الاتفاقية، التي كرّر الوزير لافروف أكثر من مرة على بقائها و صلاحيتها في تنظيم العلاقة بين الحكومتين: السورية و التركية.
و يقال إنّ اتفاق سوتشي الموقع بين تركيا و روسيا بخصوص إدلب في: 18/ 9/ 2018، كان متحورًا حول هذه الاتفاقية أساسًا، و إنّ التحرّك الروسي في الوصول إلى طريق ( m5: حلب ـ دمشق )، هو بموجب ذلك، و إنّ جملة الانسحابات المتتالية لفصائل المعارضة كانت من بين التفاهمات التي نظمت العلاقة الروسية ـ التركية في إدلب، و فهم بناء على ذلك انسحابها الدراماتيكي من مناطق غرب حلب، على أنّها تساوق مع اتفاقية أضنة، و روح اتفاق سوتشي, بالعمق المشار إليه ( 30 ـ 32 كم )، و هو العمق الذي لم تتجاوزه تركيا في أيّ في عملياتها الأخرى، نبع السلام، أو درع الفرات، أو غصن الزيتون، و من المفترض أنّها لن تتجاوزه في إدلب، وفق التسريبات التي أخذت وسائل الإعلام تتناقلها خلال اليومين الماضيين، حول عمق المنطقة الآمنة المفترضة، استنادًا إلى خريطة نشرها مركز جسور للدراسات، على طول الشريط الحدودي شمال وشرق سورية، تحدّثت عنها تركيا يوم: 21 /2/ الجاري، على لسان الرئيس أردوغان، و يصل عمقها إلى (35 كم )، و قد يزيد أو ينقص في بعض المناطق، في حال غياب القدرة أو الرغبة على تغيير خطوط التماس التي تقدّم إليها النظام بمساعدة مباشرة من روسيا، في محافظة إدلب ومحيطها شمال غرب البلاد.
وتذهب التوقّعات في الغالب، إلى أنّ هذه المنطقة الآمنة المفترضة، ستكون ضمن تعديل سيجري على بنود اتفاقية أضنة لعام 1998، في محادثات ثنائية بين روسيا وتركيا، تتمّ هذه الأيام؛ بما يجنِّب المنطقة تداعيات عمل عسكريّ تنوي تركيا الشروع به، في حال لم تلبَّ طموحاتها في تحقيق الاستقرار في المنطقة، و يحفظ لها ماء وجهها، الذي أراقته روسيا في تصعيدها العسكريّ الأخير، في مناطق شرق إدلب و غرب حلب.
وسوم: العدد 865