كتابة التاريخ الأسود لمسلسل الاغتيالات الاسدية خطوة من اجل كتابة التاريخ
اعزائي القراء...
لو أردنا أن نحصي عدد الشخصيات التي تم اغتيالها على يد المجرمين الأب وابنه طوال مدة اغتصابهما لحكم لسورية لعجزنا عن الإحصاء، لأن سلسلة الأعداد طويلة جدًا، فقد كان أغلب المستهدفين من أصحاب الفكر والنفوذ والتأثير على المجتمع، لم يسلم منها حتى من كان مقربًا جدًا من الأسد الأب وابنه.
اسلوب التصفية تتم عادة بدم بارد، وهذا يدل على عقلية إجرامية منقطعة النظير، وإذا أردنا أن نذكر أسماء أول من اغتالهم الأسد الأب من السوريين لعانينا صعوبة في معرفتهم وإحصاء عددهم الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سبب هذا الإهمال العالمي المتعمد لجرائم الاسد الأب والابن داخل سوريا وخارجها، وان كانت أصابع الاتهام توجه الى الدول النافذة والتي تغض النظر عن هذه الجرائم للعلاقة المشبوهة مع هذا النظام الإجرامي .
فلم يسلم من الاغتيال حتى أبناء طائفته، أبرزهم البرلماني السابق محمد سليمان الأحمد الشهير بـ “بدوي الجبل”، وهو ينحدر من قرية ملاصقة لقرية حافظ الأسد والذي أمر بتعذيبه عام 1968، حين كان وزيرًا للدفاع، وقد تمّ اختطافه وتعذيبه، ومن ثم ألقي في الشارع، ولكنه ظل حيًا يعاني الأمراض حتى وفاته 1981،
ومن ثم اغتيال ابنه منير عام 1993،
وكذلك النظام متهم بمحاولة اغتيال الوزير السابق د. أحمد سليمان الأحمد (شقيق بدوي الجبل) 1993 في بلغاريا،
كما تم اغتيال اللواء محمد عمران في بيروت عام 1972، مع أن عمران كان شريكًا له و الذي مكّن حافظ الأسد من أن يصبح رئيسًا بالاكراه في وقت لاحق.
كما اغتال الأسد الأب الأستاذ صلاح الدين البيطار، الذي يُعدّ واحدًا من أشهر الوجوه الدمشقية في السياسة السورية المعاصرة، فهو من مؤسسي حزب البعث، ووصل إلى منصب رئيس الوزراء، إلا أنه اختلف مع السلطة الحاكمة في الستينيات من القرن الماضي ، وصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام عام 1966، ففرّ إلى لبنان، ومن ثم إلى فرنسا حيث اغتيل عام 1980.وصمتت حكومة فرنسا على هذه الجريمة المنفذة على أرضها رغم كل الدلائل والشهود الذين أشاروا لضلوع مخابرات حافظ الاسد في الجريمة.
هناك أيضًا الكثير الكثير ممن قضوا اغتيالًا على يد الأسد الأب، منهم
السيدة بنان الطنطاوي زوجة الأستاذ عصام العطار، والتي قتلت بدم بارد في ألمانيا، عندما لم يجدوا زوجها في المنزل عام 1981، وكذلك صمتت حكومة ألمانيا الغربية على هذه الجريمة المنفذة على ارضها رغم كل الدلائل والشهود الذين أشاروا لضلوع مخابرات حافظ الاسد بالجريمة.
وكذلك اغتيال محمود الزعبي رئيس الوزراء قبل شهر واحد من وفاة حافظ الأسد.
لكن الأسد الابن تابع مسيرة أبيه، بل إنه تفوق بالإجرام عليه بعدد جرائم الاغتيال السياسي ابتداءاً من تصفية محمود الزعبي رئيس الوزراء، قبيل وفاة والده بقليل، مرورًا باغتيال اللواء غازي كنعان عام 2005 الذي كان أحد أعمدة نظام الأسد الأب والابن والمنفذ لعمليات اغتيال عديدة لصالح المجرمين الأب والابن ، ومن ثم اغتيال اللواء محمد سليمان عام 2008 وكان مقربًا جدًا من الأسد الابن وحافظًا لأسراره، وأيضًا اغتيال اللواء جامع جامع عام 2013، واللواء رستم غزاله عام 2015 وكلاهما كانا حافظي أسرار الأسد الأب والابن في فرع الأمن العسكري الخارجي في لبنان ، ويعود اغتيال المقربين لنظام الأسد لمعرفتهم من ان أوامر الاغتيال كانت تصلهم مباشرة من الأب والابن فبعد تنفيذ الجرائم يتم التخلص منهم حتى لا يكونوا شهداء عليهم . ولا ننسى عملية الاغتيال الجماعي عام 2012 لمسؤولين مقربين من الأسد، بما عُرف بـ “خلية الأزمة”، وعلى رأسهم العماد حسن تركماني معاون نائب رئيس الجمهورية، والعماد داوود راجحة وزير الدفاع، وآصف شوكت نائب وزير الدفاع وصهر بشار الأسد، وقد حدثت في “مكتب الأمن القومي” معقل قيادة المخابرات السورية، وفي ظروف تسربت بعض اسرارها ، وكذلك تصفية العميد عصام زهر الدين، قائد حامية مطار دير الزور العسكري بأحد أحياء المدينة .
يكتنف الاغتيالات التي ينفذها نظام الأسد نوعٌ من الغموض وهي نتيجة هواجس تراود بشار الأسد وأباه خوفًا من الانقلاب عليهم، فكان الحل الناجع والسريع هو القتل الذي مارسوه دون كلل أو ملل ومن دون أي رادع، مضحين بأقرب الناس إليهم كي يبقوا في دائرة الحكم الذي دفع الشعب السوري الكثير من التضحيات لإسقاطهم منه.
اعزائي القراء.
لم يكتف المجرمان بالاغتيالات الداخلية، بل طالت أذرعتهم في قتل معارضيهم من غير السوريين، وإذا استعرضنا ما قام به الأسد الأب والأبن من اغتيالات خارج سورية؛ وجدنا أن معظمها كان من نصيب لبنان الذي دفع سياسيوه المناوئون للأسد ثمنًا باهظًا، تمثل في اغتيال كثير منهم على يد الأسد الأب، وأضعاف عددهم على يد الأسد الابن، وعلى رأسهم كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي اغتيل عام 1977، وتبعه اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميّل عام 1982 قبل تسلمه مهام منصبه كرئيس للجمهورية اللبنانية، وفي عام 1989 تم اغتيال مفتي لبنان الشيخ حسن خالد، وفي نفس العام تم اغتيال الرئيس اللبناني رينيه معوّض.
وبعد استلام الأسد الابن مقاليد السلطة أخذت الاغتيالات في لبنان منحاً تصاعدياً، بدءًا من اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وباسل فليحان في عام 2005 بانفجار ضخم في منطقة السان جورج في بيروت، لتبدأ سلسلة من الاغتيالات السياسية، وصل عددها الى إحدى عشرة عملية اغتيال، لأبرز معارضي الأسد، من سياسيين وصحافيين ورجال أمن، مثل (جبران تويني، وسمير القصير، والعميد وسام الحسن، وجورج حاوي…”، حيث تحسب جل هذه الاغتيالات على الطرف المناوئ للنظام الاسدي، وكان تنفيذ هذه الاغتيالات يتم على أيدي دائرة ضيقة حول النظام من ضباط النخبة المدربين، خاصة ممن ينتمون إلى المخابرات الجوية، وبعض حلفائه كـ “حزب الله”، وبعض الميليشيات الطائفية .
هذا هو النظام الذي بُني على إرهاب الدولة المنظّم بكل أنواعه، متمثلًا في إرهاب الشعب، وقتل وتصفية حتى أقرب المقربين منه، لتكون الدماء هي إكسير حياته، ومن دون سفكها لن يستطيع أن يستمر، وهذا ما ثبت من خلال الثورة السورية التي مارس فيها هؤلاء القتلة هوايتهم مستخدمين كل أشكال القتل، لكن هذه المرة بشكل جماعي لم يسبق له مثيل من خلال المجازر والقصف بكافة أنواع الأسلحة حتى المحرمة دوليًا، ومنها الكيمياوي الذي استخدمه أكثر من 112 مرة، في سابقة لم تحدث على مرّ التاريخ.
أن نظامًا يقصف هذا الشعب بغازات سامة تقتل الاطفال وأمهاتهم وآبائهم ناهيك عن التصفيات الجماعية المرعبة في السجون والمعتقلات، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء، وجرائم الاغتيال الفردي، التي طالت كثيرًا من المناضلين -فضلًا عن تغييب الكثيرين في سجونه- أمثال شبلي العيسمي، والشيخ وحيد البلعوس، والدكتور عدنان وهبة، التي تمت وسط صمت مطبق ومحاسبة معطلة من القوى الكبرى في العالم.
ان نظاما بهذه المواصفات لا يمت الى الإنسانية بصلة ، والغريب انه بعد خمسين عاماً من حكمه منها تسع أعوام ثورة حرية فريدة بالتاريخ مازال العالم صامت على جرائمه واغتيالاته.
فهل ستنهي هذه الثورة حياة هذا النظام ؟
الأمل كبير بتحقيق ذلك .
فالتخلص من حكم هذه العصابة ليس خدمة للشعب السوري فحسب ، بل هو خدمة للعالم بأسره .
وسوم: العدد 867