الأسوأ قادم في أبريل؟ الصين تواجه معدل بطالة غير مسبوق؛ والأسواق الناشئة ستحتاج إلى دعم عالمي للنجاة
تتراكم البيانات لتظهر للعالم أن هذه الأزمة لا يمكن مقارنتها بالركود الكبير الذي وقع في العام 2008. إن حجم وسرعة الانكماش في الاقتصاد الذي نشهده لا يتبع المنطق الطبيعي للركود الاقتصادي؛ والعالم لم يسبق له أن شهد مثل هذا الحدث، كل ذلك مفهوم بالنظر إلى كيفية ظهور وسرعة تفشي الوباء. ارتفعت طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس إلى 6.65 مليون، لتصل إلى ضعف الرقم القياسي البالغ 3.31 مليون والمسجل في الأسبوع السابق. لسوء الحظ، هذه ليست سوى بداية مما هو متوقع، فالأمور ستزداد سوءًا في المستقبل القريب. ينطبق هذا على جميع دول العالم، لذلك نحن بحاجةٍ إلى دعمٍ مالي أكثر لمواجهة الوضع العالمي.
تتلخص الخطوة الأولى بالاهتمام بمشكلة السيولة لدى الأسر المعيشية والشركات على حدّ سواء. غير أن مشكلة السيولة في الوقت الراهن ستتطور بسرعة إلى مشكلة تتعلق بالملاءة المالية. سيتوقف مدى سوء هذه المسألة على مدى استمرار الجائحة. مرةً أخرى، ليست لدينا بيانات موثوقة بشأن هذا الجانب. والنقطة هنا تتلخص في تجنب تغذية صدمة العرض الأولية وزيادة تفاقمها بفعل صدمة الطلب. وسيؤدي اقتران الاثنين في آن واحد إلى تفاقم صدمة العرض الأولية، التي ستزيد عندئذ من حدة الصدمة في الطلب، مما سيخلق حلقةً مفرغةً ستزيد من وطأة هذا الركود. وبهذا المعنى، وكما ذكرنا سابقاً، فإن دعم الدولة أمر أساسي. بيد أن زيادة الطلب إلى ما هو أبعد من مفهوم "الإغاثة في حالات الكوارث" قد لا يكون أمرًا حصيفًا في وقتٍ يتسم بانخفاض كبير في الناتج، لأنه قد يؤدي إلى التقنين والتضخم.
ومع ذلك، لا أعتقد أن هذه المسألة يجب أن تشكل مصدر قلق كبير في هذا الوقت بالتحديد. في حالة الأسر المعيشية، فإن الجزء الرئيسي من الإنفاق متوقع أن يتم امتصاصه بفعل سداد أقساط الرهن العقاري والاستهلاك الغذائي، وكلاهما صناعات لا يبدو أنها تتأثر بقيود العرض الشديدة. وبالنظر إلى البديل (أي الأسر الفقيرة التي لا تملك ما يكفي من الطعام أو المسكن)، يبدو أن الأمر يستحق المخاطرة.
فيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية للبطالة، يمكن لوضع البطالة في الصين أن يساعدنا على تكوين فهم أدق لحجم ظاهرة البطالة. لم تبدأ بيانات البطالة الرسمية في الصين إلا في تسعينيات القرن العشرين، عندما قرر الحزب الشيوعي الصيني قبول حقيقة مفادها أن البطالة موجودة بالفعل في البلاد، ولم يكن الأمر مجرد ظاهرة تخص البلدان الرأسمالية فقط. بيد أن بيانات البطالة الرسمية في الصين لا تخلو من أوجه القصور. ضمن أمور أخرى، لا تشمل هذه البيانات في حساباتها 293 مليون عامل مهاجر، الذين يشكلون أكثر من ثلث إجمالي القوى العاملة الصينية البالغ 775 مليون.
بطبيعة الحال، هذه مشكلة عامة تتعلق بموثوقية البيانات الصينية. لكن تخلق هذه المشكلة العامة قضايا أخرى أثناء تفشي فيروس كورونا، حيث أنه يستبعد أيضاً من حساب البطالة العدد الضخم من العمال الذين لم يتمكنوا من العودة إلى وظائفهم بسبب قيود السفر، وليس فقط العمال الذين فقدوا وظائفهم.
بلغ معدل البطالة الرسمي الصيني 6.7٪ أو 27 مليون عامل خلال شهري يناير وفبراير من العام 2020، لكن التقديرات المستقلة تقدر العدد بما يزيد عن 210 مليون شخص. ستنخفض معدلات البطالة هذه ما دام اقتصاد الصين بإمكانه العودة من جديد. إن التأثيرات المترتبة على إغلاق الاقتصادات الكبرى ستؤثر بشكل كبير في القدرة الاقتصادية الصينية على استعادة النشاط الاقتصادي الكامل. مع ذلك، سترتفع مستويات الدين غير المنتجة بالضرورة وبصرف النظر عن التعافي، إذا كانت بكين راغبة في تجنب ارتفاع نسب البطالة. وينطبق هذا على جميع الاقتصادات، والفارق هنا، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإمكانهم إيجاد استثمارات منتجة في البنية الأساسية، مما يؤدي إلى التحسن الفعلي في نسب الروافع المالية (الإنفاق بالاستدانة). في حين لا تمتلك الصين هذه الفرصة فيما يتعلق باستثمارات البنية التحتية.
الوضع الإجمالي يثير قلقًا أكثر بالنسبة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية التي تشهد خروج رؤوس الأموال بنسب مرتفعة وغير مسبوقة، والتي لا تملك حيزًا ماليًا كبيرًا، وكانت تكافح حتى قبل حالة تفشي فيروس كورونا الطارئة. بالنسبة إلى البلدان المصدرة للسلع الأساسية، فإن أزمة تفشي فيروس كورونا تستلزم ارتفاع التكاليف الاقتصادية تزامنًا مع انخفاض أسعار السلع الأساسية.
في بلدان الأسواق الناشئة، تتزايد مخاطر حدوث أزمة ائتمان بشكل كبير، حيث تتراجع قيمة العملات مقابل الدولار. أبلغت زامبيا وإكوادور المستثمرين بأنهما يواجهان صعوبات بالغة في سداد الديون. هذه الصعوبات ليست جديدة - كانت زامبيا بالأصل تعاني في سداد الديون قبل تفشي فيروس كورونا بزمن طويل - ولكن الآن، وبالنسبة إلى البلدان التي لم تكن تواجه صعوبات مماثلة في الأساس، فإن هذه الأزمة الصحية من الممكن أن تؤثر عليهم بشكل كبير.
لا شك أن هذه الدول ستحتاج للمساعدة. بهذا المعنى، يجب أن يصبح دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي داعماً وبقوة لمكافحة الفيروس، وإنشاء برامج موجهة للتكيف مع الصدمات المستمرة (والقادمة) الأخرى. نظرًا لارتفاع معدل العدوى بفيروس كورونا، فإن التلكؤ في حل مشكلة الوباء في الأسواق الناشئة سيفرض مزيدًا من التكاليف الاقتصادية والبشرية على الاقتصادات المتقدمة مع تطور هذا الوباء.
وسوم: العدد 871