هل المؤامرة نظرية أم هي حقيقة واقعية؟
ابتداءً، لنرى التعريف اللغوي للمؤامرة، حتى يسهل علينا معرفة الحقيقة كاملة.
أ-) التعريف اللغوي:
• تآمر فلانٌ:
1 - خطّط مع آخرين بسريّة لارتكاب عمل غير شرعيّ، أو لتحقيق غرض قانونيّ، بشكل غير قانونيّ.
2 - تعاون سرًّا في تنفيذ بعض الأعمال غير القانونيّة.
3 - شارك في أعمال خيانة أو في إيذاء شخص.
• تآمروا عليه: اشتركوا في إيقاع الضَّرر به: تآمروا على قلب نظام الحكم.
مَكَرَ الرَّجُلَ:
خَدَعَهُ. مَكَرَ بِهِ مَكَرَهُ مَكْراً شَدِيداً.
المَكْرَةُ: التدبيرُ والحيلةُ في الحرب.
مَكَرَ اللَّهُ بِالكَافِرِ:
جَازَاهُ عَلَى الْمَكْرِ، أَوْ أَمْهَلَهُ ومَكَّنَهُ مِنَ الذَّنْبِ.
المَكْرُ الخَدِيعَة والاحتيال، مَكَرَ يَمْكُرُ مَكْراً ومَكَرَ به.
وفي حديث الدعاء: اللهم امْكُرْ لي ولا تَمْكُرْ بي؛
قال ابن الأَثير: مَكْرُ الله، إِيقاعُ بلائه بأَعدائه دون أَوليائه.
وقيل: هو استدراج العبد بالطاعات، فَيُتَوَهَّمُ أَنها مقبولة، وهي مردودة.
المعنى: أَلْحِقْ مَكْرَكَ بِأَعْدائي لا بي: وأَصل المَكْر الخِداع.1.
قال أَهل العلم بالتأْويل:
المكر من الله تعالى، جزاء سُمي باسم مكر المُجازَى، كما قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها، فالثانية ليست بسيئة في الحقيقة، ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام.1.
وهكذا يتبين لنا إذن، أن المؤامرة أو التآمر:
هو التخطيط والإعداد لعمل ما، يؤدي إلى إيذاء أو إضرار الآخرين، فرداً أو جماعةً.
وبمعنى آخر..
هو المكر والاحتيال السري، لإلحاق الضرر بالآخرين، من أجل تحصيل منفعة مادية أو معنوية.
وقد وردت كلمة مكر في القرآن الكريم 31 مرة.
﴿وَمَكَرُوا۟ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ﴾.2.
ب-) المؤامرة هي غريزة فطرية:
إذن المؤامرة والمكر والاحتيال، هو خصلة فطرية، في نفس الإنسان، وغريزة حيوية بيولوجية، متأصلة في طبيعة الإنسان، كبقية الغرائز الأخرى.
فهي غريزة أصيلة في آدم، موجودة في كل إنسان، كغريزة الطعام والشراب، والتملك، والتسلط على الآخرين.
وكل إنسان، لديه الرغبة والقدرة على التآمر على الآخرين، بشكل من الأشكال!!!
فقد تكون مؤامرة محدودة، صغيرة، آثارها المؤذية قليلة، وقد تكون مؤامرة كبيرة، مدمرة، ومخربة، وآثارها كارثية!!!
فهي على العموم، سمة، متجذرة في فطرة الإنسان.
غير أنها قد تكون نامية ومنتفخة عند بعض الناس، وقد تكون خامدة أو ساكنة، عند البعض الآخر!!!
ج-) التدين يثبط غريزة المؤامرة:
ووجود التدين، والأخلاق العالية، والخوف من الله تعالى، وصحوة الضمير، عند بعض الناس، هو الذي يكبت هذه الصفة، فلا يسمح لها بالظهور، ولا يفكر في أن يمارسها..
والعكس صحيح، حينما تمتلئ نفس إنسان ما، بالنوايا السيئة والشريرة، والطمع، والجشع، وحب السيطرة والهيمنة على الآخرين، فإنها تتضخم، ويبدأ الشيطان بنفخها، ونفشها، وتحريض الإنسان على ممارستها.
إذن هي ليست صفة عابرة، أو طارئة عند بعض الناس، حتى يُقال عنها: أنها مجرد نظرية!!!
بل هي حقيقة واقعية، متجسدة في كيان الإنسان، منذ خَلْقِ آدم أبي البشر.
وسنستعرض بعض الأحداث الهامة، والمفصلية في حياة البشرية، للدلالة على ما نقول، ولإثبات هذه الحقيقة، التي لا يدركها كثير من الناس، بالدليل والبرهان، على أن المؤامرة:
هي حقيقة واقعية، وفطرة بشرية أصيلة، ومتشربة في دم البشر، أودعها الله تعالى فيهم، ليختبرهم، كما أودع فيهم كل الغرائز الفطرية الأخرى، لا فرق بين غريزة حب المال، والجاه والسلطان، وبين غريزة التآمر، والمكر، والخداع، فهي كلها سواء.
د-) أول مؤامرة في تاريخ البشرية:
1- وقد حصلت أول مؤامرة في تاريخ البشرية، حينما تآمر قابيل بن آدم، على أخيه هابيل، فخطط لقتله، لسبب سخيف وتافه، وهو أن قربانه، لم يتقبله الله تعالى، بينما تُقبل قربان أخيه هابيل، فحسده وامتلأ قلبه، تغيظاً وزفيراً منه، فخطط، وتآمر، وصمم على قتله!!!
وقتله ظلماً وعدواناً وحسداً!!!
﴿وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَیۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانࣰا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ یُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡـَٔاخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ﴾.3.
فكانت أول مؤامرة حقيقية واقعية، وليست نظرية، وأول قتل في تاريخ البشرية.
ومن بعد ذلك استمرت المؤامرة والمكر والخداع، بين بني البشر من ذلك الوقت إلى يومنا هذا.
ه-) مؤامرة قوم صالح:
2- فقوم صالح، تآمروا على عقر الناقة، وعقروها بعد التخطيط، والمكر الخفي.
عناداً، وتكذيباً، وكفراً، واستكباراً، وظناً بأنهم هم الأقوى، ولا تقدر أي قوة أخرى على قهرهم، وعلى هلاكهم!!!
﴿فَعَقَرُوا۟ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوۡا۟ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ وَقَالُوا۟ یَـٰصَـٰلِحُ ٱئۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾.4.
و-) مؤامرة بني إسرائيل:
3- وبنو إسرائيل، تآمروا على قتل المسيح عيسى بن مريم، فقبضوا على شخص شبيه به، وصلبوه. وهذه ليست أول مرة يقتلون فيها نبياً من أنبيائهم، بل سبق وأن قتلوا غيره كثير، فكان أي نبي لا يُعجبهم، ولا يرضون عنه، فوراً يتآمرون عليه، ويقتلونه!!!
وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه، ووصفهم بأنهم يقتلون الأنبياء.
(وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ).5.
ح-) مؤامرة قريش:
4- وقريش هي الأخرى، تآمرت على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث اجتمع زعماء قريش في دار الندوة، وتشاوروا مع بعضهم عن الطريقة المثلى، للتخلص منه، بسبب دعوته إلى التوحيد التي أزعجتهم، وأرقت حياتهم!!!
فدخل عليهم الشيطان، بهيئة شيخ نجدي، واقترح عليهم، اختيار رجل من كل قبيلة، والذهاب إلى بيته، وقتله بضربة سيف واحد من كل الرجال، حتى يتفرق دمه بين القبائل جميعاً، فلا يستطيع بنو هاشم، مقاتلة جميع القبائل.6.
وفعلاً، تم اختيار الشباب الأشداء، وذهبوا إلى بيته ليلة عزمه على الهجرة، ولكن الله نجاه من مكرهم وتآمرهم:
﴿وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ﴾.7.
ط-) مؤامرة اليهود لخلع السلطان عبد الحميد الثاني:
5- وفي العصر الحديث، تآمر اليهود مع الماسونية، وحزب تركيا الفتاة، وحزب الاتحاد والترقي، ومن ورائهم بريطانيا وفرنسا، على خلع السلطان عبد الحميد الثاني، بسبب رفضه إعطاء اليهود حق التملك، وشراء الأراضي في فلسطين.
وفي 27 نيسان 1909 حضر وفد، مؤلف من أربعة أشخاص هم: "عارف حكمت باشا" و"آرام الأرمني" و"أسعد طوطاني" الألباني و"قره صو عمانوئيل اليهودي" بعد تحصيل فتوى بالقوة، والقهر، والغصب من أحد العلماء، بشرعية عزله.8.
ي-) مؤامرة المصرفيين لقتل جون كندي:
6- وفي عام 1963 تآمرت مجموعة وول ستريت، التي تمثل عمالقة البورصة، إضافة إلى مجموعة العائلات الجنوبية، المسيطرة على السلاح والكازينوهات والمخدرات، بالتعاون مع المصرفيين من اليهود، وخاصة روتشيلد المسيطرين على البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، وعلى جميع بنوك أوروبا، على اغتيال الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين جون كندي، لأنه تحداهم، وتجاوز سلطاتهم، التي كانت معطاة لهم منذ استقلال أمريكا في 1776 بأنهم هم المفوضون، بطبع الأوراق النقدية!!!
ك-) طبع الدولار الأحمر:
لكن جون كندي، أصدر قراره رقم 11110 إلى وزارة المالية، بطباعة الدولار، متجاوزاً نظام الاحتياطي الفدرالي، وتم فعلاً طباعته، وكان لونه أحمر، ومكتوب عليه، مضمون باحتياطي من الفضة.
وكان هذا التصرف من كندي، قد شكل ضربة قاصمة، للمصرفيين وخاصة لروتشيلد صاحب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وعملية حل له، بشكل فعلي، وخسارة مالية كبيرة، بفقدانهم عائدات الربا، التي كانوا يحصلون عليها، نتيجة طباعتهم الدولار، فدبروا خطة اغتياله في وضح النهار، في 22-11-1963 وبالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية، وتحالف مع العسكريين، والصناعيين، وذلك حينما كان يتجول بسيارته المكشوفة في شوارع دالاس في ولاية تكساس، من أجل الدعاية لانتخابه مرة ثانية، في السنة التالية.9+10.
ل-) مؤامرة أمريكا لقتل الملك فيصل:
7- وفي 25-3-1975 تم اغتيال الملك فيصل آل سعود، على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد، وذلك بتحريض من أمريكا، التي خططت، وتآمرت على قتله!!!
فأرسلت هذا القاتل المجرم، الذي كان يعيش عندها حياة السفاهة والفجور، وعلى الطريقة الغربية، ليقوم بقتله، بسبب موقفه الشجاع المشرف، في حرب تشرين الأول 1973 التي حدثت بين بعض البلاد العربية، وبين الكيان اليهودي.
فأوقف ضخ البترول، وحرض دول الأوبك على الوقوف إلى جانبه، مما أدى إلى نقص حاد في إمدادات البترول في دول العالم عامة، وأوروبا وأمريكا خاصة، ورفع سعر البترول أربعة أضعاف، حيث كان سعر البرميل حوالي ثلاث دولارات، فأصبح أربعة عشر دولار.11+12.
م-) مؤامرة أمريكا والموساد:
8- وفي 17-8-1988 تم قتل الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق، بتفجير طائرته التي كانت تحمل السفير الأمريكي، وعدداً من المسؤولين في الجيش الباكستاني، وفي الحكومة.
وذلك بتخطيط وتآمر من أمريكا، وبالتعاون مع الموساد الإسرائيلي، بسبب مواقفه المستقلة غير الخاضعة للسياسة الأمريكية، وبسبب مشروعه النووي، ورفضه شراء الدبابات الأمريكية المعروضة عليه، إضافة إلى توجهه الإسلامي، وتأييده للمجاهدين الأفغان، الذين كانوا يقاتلون الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت.13+14.
ن-) التآمر هو ديدن القوي:
وهكذا نجد أن التآمر، هو ديدن القوي المستكبر، الموتور من الضعيف، الذي يرفض الخضوع لشروطه، وإملاءاته.
وهناك مئات الآلاف من النماذج التآمرية، التي حدثت قديماً، ولا تزال تحدث يومياً.
فما إن يظهر إنسان ما، أو مجموعة ما، أو دولة ما، تشكل خطراً سياسياً أو فكرياً أو علمياً أو اقتصادياً، على دولة أخرى، ذات قوة، إلا وتلجأ هذه الدولة الأخيرة، إلى التآمر عليها، والتخلص منها.
وسوم: العدد 876