فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[باختصار، من كتاب الجهاد، للدكتور محمد نعيم ياسين، ص 166-168]
يقول ابن القيم: وهل بليّة الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلِمَتْ لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة لهم بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزّن المتلمّظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بَذَل واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاث بحسب وُسْعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقتِ الله لهم، قد بُلُوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتمّ كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل.
فهذا النوع من الجهاد تقوية لجبهة أهل الإيمان الداخلية، وتنقية لها من كل فاسد، مفسد، وتضييقٌ على أهل النفاق، وقصم لظهورهم؛ يروي أبو بكر الخلال عن سفيان أنه قال: إذا أمرتَ بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.
وعندما يغدو حال المجتمع متذمّراً ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، تتبدل القيم، وتنتكس النظرة الإنسانية إلى الأمور، فيصير الآمر بالمعروف فضولياً، والمنافق المداهن مهذباً ومؤدباً، فيؤول الأمر إلى انتشار المعاصي، فإذا كثرت ولم يجد العصاة من يَحُدّ من فسوقهم عن أمر الله تعالى، كثُر بالتالي المرتدون عن دين الله، والداخلون في ولاية الشيطان والكفار، إلى أن ترجع الحال إلى ما كانت عليه في الجاهلية الأولى، فيعطَّل شرعُ الله، ويُتَّخذُ ظِهرياً، ويُهجر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتتحكم الأهواء في العباد، ويكون ذلك كله ثمرة التقاعس عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في بيان قدر هذه الفريضة، وخطورة هذا النوع من الجهاد ووجوبه على المؤمنين: "واعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيّع أكثره من أزمان متطاولة، وهو باب عظيم به قِوام الأمر ومِلاكه. وإذا كثُر الخبث عمّ العقاب الصالحَ والطالح. وإذا لم يأخذوا على الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، فينبغي لطالب الآخرة، والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب، ويخلص نيّته، ولا يهابنَّ من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: (ولينصرنّ الله من ينصره). {سورة الحج: 40}. واعلم أن الأجر على قدر النصَب. ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهتنه وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديقُ الإنسان ومُحبّه مَن سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه".
وسوم: العدد 888