وقفة مع الأزمة الحالية في لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت
لا زال الرأي العام العالمي يتساءل عن السر الكامن وراء كارثة انفجار مرفأ بيروت دون أن يرجح لديه تكهن من التكهنات المتداولة إعلاميا :
وتلك التكهنات كالآتي :
1 ) التكهن الأول مفاده أن الانفجار مجرد خطأ في تخزين مواد قابلة للانفجار،وهو ما سبق أن حصل في أقطار أخرى من قبل بسبب سوء تقدير خطورة تخزين مثل تلك المواد .
2 ) التكهن الثاني هو الشك في أن الانفجار وراءه مؤامرة أو هو حادث مدبر إما من أطراف لبنانية أو من أطراف خارجية أو باتفاق وتنسيق بين بعض هذه الأطراف . .
أما الجهات المشكوك فيها في الداخل اللبناني ،فهي أولا الحكومة الحالية و قد اضطرت إلى تقديم استقالتها تحت ضغط الشارع اللبناني وحراكه بسبب حادثة الانفجار المدمر ،وهو حراك كان مسبوق باحتقان منذ مدة ليست بالقصيرة ، وقد بلغ مؤخرا أوجه بسبب أزمة سياسية أفضت إلى أزمة اقتصادية خانقة كشفت عن انهيار كامل للاقتصاد اللبناني .
ويذهب الرأي المحتمل لتورط الحكومة في هذا الحادث المفجع الذي جعل البلد منكوبا هو اضطرارها للخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية الخانقة عن طريق استغلال الكارثة والإعلان عن لبنان كبلد منكوب طلبا لمساعدات دولية من شأنها أن تخرجها من عنق الزجاجة كما يقال . ويذهب هذا الاحتمال إلى أنها ربما أرادت أن تحذو حذو الحكومة الفرنسية التي استفادت من مساعدات دولية على إثر الحريق الذي شب في كاتدرائية باريس ، وهي مساعدات قدرت بأنها فاقت كلفة إصلاح الكاتدرائية ووفرت لفرنسا مبالغ مهمة . وربما فكرت الحكومة اللبنانية أيضا في تجربة الولايات المتحدة الأمريكية حين دمرت أبراجها ، وكان ذلك ذريعتها لغزو العراق وأفغانستان ووضع يدها على مقدراتهما إلى أجل غير مسمى .
وأما الطرف الآخر المشكوك في ضلوعه في الانفجار، فهو حزب الله الشيعي اللبناني الذي يوصف بالدولة العميقة ،وهو جبهة عسكرية من الجبهات العسكرية الإيرانية المتقدمة في أقطار عربية ، والذي نتج عن غزو الكيان الصهيوني جنوب لبنان . و هو جبهة على غرار جبهات إيرانية في كل من العراق وسوريا واليمن . ويذهب أصحاب هذا الطرح إلى أن الصراع الأمريكي الإيراني في الساحة العربية والذي تهدف من ورائه الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني ودول أوروبية أخرى إلى الحيلولة دون ما يسمونه الأطماع الإيرانية أو النفوذ الفارسي في منطقة الشرق الأوسط ، وهي منطقة بمثابة بقرة حلوب بما فيها من مقدرات هامة مسيلة للعاب الجميع ، وذلك من خلال توجيه ضربات إلى كل تلك الجبهات خصوصا في سوريا ولبنان لحدودهما مع فلسطين المحتلة .ولقد كان الكيان الصهيوني قبل وقوع كارثة الانفجار يتوعد الحزب الله بضربات كعادته ، وهو ما يكون قد دفع هذا الحزب إلى تدبير الانفجار لمنع العدوان عليه لأن الكارثة جعلت لبنان بلدا منكوبا لا يتحمل عدوانا صهيونيا عليه .
أما الأطراف الخارجية المشكوك في وقوفها وراء الانفجار، فمتعددة وعلى رأسها الكيان الصهيوني الذي من المحتمل أن يكون هدفه هو استغلال الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان من أجل التطويح به في دوامة حرب أهلية أخرى والتي ربما تكون بوادرها هي هذا الحراك الحالي الذي لا يمكن التصديق بعفويته خصوصا وأن الرئيس الفرنسي لم يتردد في الطيران على جناح السرعة إلى لبنان ولمّا تخمد نيران الانفجار بعد ليتصرف بما يشي انه تحريض للشعب اللبناني على الحكومة التي جاءت استقالتها بعد يومين من زيارته .
ومعلوم أن فرنسا والولايات المتحدة وأطراف غربية أخرى وإقليمية أيضا فضلا عن الكيان الصهيوني يجمعها هدف واحد ،وهو التصدي لدولة إيران من خلال استهداف وكلائها الذين يخوضون حروبا في منطقة الشرق الأوسط نيابة عنها . وكل تلك الأطراف من غير المستبعد أن تكون ضالعة في الانفجار الكارثي من أجل إيجاد ذريعة لقطع الطريق عليها في الساحة اللبنانية والسورية ، وذلك في إطار ما سمي قانون قيصر.
ومما يعمق الشكوك في ضلوع كل تلك الأطراف في انفجار مرفأ بيروت الخلاف حول قضية التحقيق في ملابساته حيث اختلف الداخل اللبناني في شأنه، فعبر البعض عن رفضه مشاركة دولية فيه، بينما أصر البعض الآخر على ضرورة وجودها ،علما بأن المشاركة الدولية لن تكون دون الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وهم خصوم وحكام في نفس الوقت بالنسبة لمن يرفضون تحقيقا دوليا في الكارثة، و يفهم من خطاب الرئيس اللبناني الذي توعد فيه بأشد العقاب في حق من يدان بالضلوع فيها أنه اعتبرها جريمة قبل نتائج التحقيق ، وهو ما يثير الشكوك في أنه يقصد جهة ما لم يصرح باسمها .
ومن غير المنتظر أن يسفر التحقيق عن نتيجة مقنعة لأن الأمر يتعلق بصراع إيراني صهيوني أمريكي فضلا عن تورط أطراف أخرى فيه غربية وإقليمية، وكل طرف سيحاول أن يحمل الآخر مسؤولية الانفجار لاستغلاله لصالحه ومن أجل مصالحه ، وسيبقى الشعب اللبناني هو الضحية أولا وآخرا ، وهو من يدفع الثمن أو الضريبة . ولا شك أن لصفقة القرن دورا في القضية ، والمستقبل كفيل بالكشف عن كل ملابساتها . وربما سيكون ما وقع في لبنان بداية وضع جديد له قد تم التحضير له في إطار ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت ملامحه تتضح من خلال ما صار يعرف بالتقارب بين الكيان الصهيوني وبين كيانات عربية على رأسها كيانات خليجية والتي اتضح دورها في الإجهاز على ثورات الربيع العربي التي كان من المنتظر أن تخلق وضعا عربيا غير الذي تم التخطيط له من خلال المشروع المشئوم الذي كرس نفس الوضع الذي قدح شرارة تلك الثورات بل عمقه .
وسوم: العدد 889