رسالة إلى الفريق السيسي!!
حسام مقلد *
... وبعد:
لن أسهب في مقدمات طويلة، لكنكم يا معالي وزير الدفاع (...!!) تعلمون جيدا حقيقة ما جرى في مصر منذ 25يناير 2011م حتى الآن، وتعلمون تماما أنه تم تفكيك المشهد المصري وإعادة تركيبه بإشراف مخابراتي رفيع المستوى من جهات عدة (...!!) ليبدو كما كان قبل ذلك التاريخ، مع وضع الإخوان المسلمين مكان الحزب الوطني المنحل، وتوجيه عداء الشعب إليهم بدلا من فلول مبارك، بحيث تعود منظومته الفاسدة لتحكم مصر وتتحكم في مفاصلها، وتشكل هويتها وثقافتها ووعيها المزيف الخاضع كليةً لهيمنة العولمة والنموذج الرأسمالي المتوحش...!!
معالي الوزير:
اسمحوا لي أن أخبركم بالحقيقة مباشرة دون مواربة وهي أنكم أنتم شخصيا ومن معكم من قادة العسكر ظلمتم أنفسكم، وظلمتم مصر، وظلمتم أجيالها الجديدة بانحيازكم للأقلية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وفلول مبارك) لأنكم وأدتم حلمنا في مستقبل مشرق، وقتلتم آمالنا في مجتمع متحضر ودولة مدنية متقدمة (بمرجعية حضارية إسلامية)... نعم لقد ظلمتم الشعب المصري كله: بمسلميه وأقباطه، وإسلامييه وعلمانييه، ورجاله ونسائه، وشيوخه وأطفاله، ومؤيدي مرسي ومعارضيه، لقد ظلمتم مؤيدي انقلابكم العسكري الدموي كما ظلمتم أنصار الشرعية... لقد ظلمتم الجميع فقد كنا نحلم ببناء نموذج حضاري مشرِّف نقدمه للبشرية... نموذج صالح قائم على الرحمة والعدل والتسامح، والبحث العلمي وزيادة الإنتاج، وتقديم الخير لكل الناس... لكنكم شوهتم الصورة ووأدتم النموذج قبل أن يولد... !! وربما أخطأ الرئيس محمد مرسي والإخوان في بعض الأمور (وإن كنتُ لا أتفق مع هذا الطرح، فمؤامراتكم عليه كانت واضحة منذ البداية...) لكن لم يكن الحل اغتيال ثورة يناير، وافتعال ثورة مضادة تعيد منظومة مبارك الفاسدة لتنتقم بوحشية من الثورة والثوار، وكأنها تريد أن تؤدب الشعب المصري كله لأنه تجرَّأ وثار على الفاسدين... !!
معالي الوزير:
لعلكم تعلمون أن المظلومين الضعفاء يتجاوزون ضعفهم في لحظة ما عندما تصبح حياتهم وموتهم سواء بسبب شدة الظلم الواقع عليهم وعلى أهلهم ومواطنيهم... واسألوا خبراء علم النفس ليفيدوكم بأنه في تلك اللحظة الحرجة ينقلب الضعفُ قوةً والجبنُ شراسة... وعندها تشتعل النفوس قبل أن تشتعل المجتمعات، وفي النهاية يحترق الجميع ويحترق الوطن، ويندم الظالمون الذين تجاوزوا المدى رغم علمهم المسبق أن التمادي في الظلم يفجر طاقة مجهولة في النفس الإنسانية تدفع المظلوم للدفاع عن نفسه ولو كان في ذلك حتفه وهلاكه، فكل المظلومين ساعتها يتنادون كما قال الشاعر:
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحقَّ الجهادُ وحقَّ الفِدا
وعندها يحدث الانفجار المدمر الذي نخشاه... وهذا ما يشعر الكثيرون أنه اقترب في مصر ـ وقاها الله ووقى أهلها من كل مكروه وسوء ـ !!
معالي الوزير:
قلتم عندما شرعتم في انقلابكم العسكري الظالم إنكم تريدون حماية مصر من الانقسام والحرب الأهلية، والحقيقة أنكم أنتم من مزقتم البلد وقسمتم الشعب المصري، ولم يكن المصريون يوما أقرب إلى التحارب الأهلي منهم إليه الآن، وأنتم من أجَّجتم نيران الشقاق والصراع في المجتمع من خلال: بث كراهية الإخوان، والشحن الإعلامي ضدهم، والتحريض المستمر عليهم، وقد تفاقم الوضع بعد انحيازكم السافر بقوتكم العسكرية الباطشة للأقلية الفاسدة التي تريد أن تهيمن وحدها على حكم مصر!!
معالي الوزير:
لقد شيطنتم الإخوان وصدَّرتموهم لنا باعتبارهم سبب الأزمة؛ لتوجهوا إليهم عداوة الشعب ونقمته، ثم تعيدوا الفلول ومنظومة مبارك الفاسدة ليقهرونا مجددا... ولم يكن الإخوان يوما مشكلة المجتمع المصري، بل أنتم من عرقلتم مرسي وأفشلتموه، وشوَّهتم سمعة الإخوان وللأسف صدقكم البعض!! لكن الغالبية العظمى من المصريين أفاقت وأدركت حقيقة ما حدث طوال العام الذي أوهمتمونا أن مرسي كان يحكم فيه، لكنه لم يكن يحكم... لقد تنبهنا الآن ومن حقنا أن نتساءل: أين ثورتنا؟ أين الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية؟! لقد رحل مرسي منذ أشهر طويلة فأين الاستقرار والرخاء؟! إننا لا نرى سوى الدم والظلم والقهر والدموع!! وأدركنا تماما أن مشكلتنا الحقيقية ليست مع الإخوان بل هي مع العسكر الذين يستبدون بالحكم منذ ما يزيد على ستة عقود ويحرموننا حق الحياة الكريمة!!
معالي الوزير:
لقد أوشك بركان الغضب المصري على الانفجار، ولو حدث فسيصبح أقوى من الإعصار... إن الشباب المصري غاضب جدا الآن، أجل إن صناع ثورة يناير غاضبون... ولن يجدي التذرع بالإخوان ووضعهم في فوهة المدفع، بل أنتم تعلمون أن الإخوان مظلومين، والمظلوم ينصره الله في النهاية، ومن أشكال النصر أن يقيض الله للمظلومين من كانوا لا يبالون بهم ويسخرهم لنصرتهم، فيوقظ ضمائرهم في لحظة ما وعندها سينتقمون من الظالم، وبذلك ينصر الله تعالى الحق على الباطل، والكثيرون الآن يتعاطفون مع المظلومين المقهورين، فلا تأمنوا غضبة الشعب المصري، ولا تكونوا كمن قال الله تعالى فيهم: (... فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2] ... (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23]
معالي الوزير:
لقد رسمت لنفسك صورة الإنسان الناضج الواعي، والمسلم المتدين، والمواطن الصالح الذي يخاف على مصالح وطنه أكثر من نفسه... لكنكم قمتم بانقلاب عسكري ظالم أثبتت الأحداث طوال الأشهر الماضية أن الغالبية الساحقة من المصريين ترفضه ولن تقبل به أبدا ولو كلفها ذلك حياتها ـ نسبة رافضي الانقلاب في الكثير من الاستطلاعات الغربية لا تقل عن 80٪ من الشعب المصري ـ ومصر التي تحدثتَ عنها كثيرا هي الآن على شفا الانفجار والدخول في حرب أهلية طاحنة لن يخرج العسكر منها منتصرين كما يتوهمون، فلا تغرنكم القوة العسكرية الغاشمة ولا تسمحوا لأعداء مصر بأن يحرقوها بأيدي بعض أبنائها، ولا تتركوا التاريخ يذكركم في أسوأ أبوابه مع الطغاة الذين دمروا أوطانهم وأوردوا شعوبهم الهلاك ... وأفضل من كل هذا التوتر والصراع أن تثوبوا إلى رشدكم وترجعوا عن الظلم وتعودوا إلى الشرعية وتجنبوا مصر وشعبها الويلات، وساعتها سيضعكم المصريون جميعا في قلوبهم وفوق رؤوسهم!!
معالي الوزير:
لا شك أنكم باعتباركم مسلما واعيا فاهما لدينه تعلمون أن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار ونهايتنا جميعا فيها هي الموت.. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35] فانتبه لنفسك ولا تغرنك الحياة الدنيا وزخرفها... (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5] ... وتذكر وعد الله تعالى للمؤمنين...(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:72] وتذكر وعيده عز وجل للمنافقين والكفار... (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة:68]... ولا تغرنك القوة العسكرية، وتذكر مصير الطغاة على مر التاريخ... وسل نفسك: أين ذهب فرعون وهامان وهولاكو وهتلر وموسوليني...إلخ ؟!... فاتق الله ولا تكن كمن وصفه الله تعالى بقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 206].
* كاتب إسلامي مصري