نيويورك تايمز: الصين زادت من معسكرات الاعتقال وتواصل قمع المسلمين الإيغور وتدمير هويتهم
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعده كل من كريس بكلي وأستين رامزي عن توسع سياسة القمع التي تقوم بها الحكومة الصينية ضد المسلمين في إقليم تشنجيانغ، ويأتي الكشف في ظل ما تقوله بيجين إنها خففت من حدة الاعتقالات ضد مسلمين الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى.
وقالت بيجين إن عدد معسكرات الاعتقال التي تطلق عليها معسكرات إعادة التعليم أو التأهيل المهني قد انخفض بسبب اندماج المعتقلين فيها في المجتمع. إلا أن الباحثين في المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية خالفوا الرؤية الصينية يوم الخميس من خلال تحقيق وجد أن بيجين تقوم بتوسيع سياسة القمع لا تقييدها. وبدلا من الإفراج عن المعتقلين فيها أرسلوا إلى سجون أخرى ومنشآت للاحتجاز منذ العام الماضي.
وقال ناتان روسر الذي قاد مشروع البحث إن النتائج تدحض مزاعم الحكومة التي قالت إن المحتجزين في المعسكرات “تخرجوا” منها. وتقترح الأدلة أن الكثير من الذين احتجزوا في معسكرات الاعتقال وجهت لهم تهم رسمية ونقلوا إلى سجون عالية السرية بما فيها سجون واسعة أنشئت حديثا. وخلقت السلطات الصينية حواجز كبيرة أمام المحققين في الظروف التي يعيش فيها المسلمون في تشنجيانغ، حيث تلاحق الصحافيين والباحثين وتتحرش بهم بشكل يعقد من مهمة البحث وإجراء مقابلات. ولا يسمح بدخول معسكرات الاعتقال إلا لعدد محدود من الزوار يتم أخذهم في جولات معدة بشكل مسبق ويظهر فيها المعتقلون فرحين وهم يغنون ويرقصون.
واستطاع الباحثون للمشروع الجديد التغلب على هذه العقبات من خلال المراقبة عن بعد واستخدام الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية. وقام الباحثون بتحليل الصور الملتقطة بالجو للإقليم في الليل للبحث عن أضواء جديدة خاصة في المناطق التي تتسم بكثافة سكانية قليلة أو مقفرة. وكشف التحليل أحيانا بنايات ضخمة محاطة بأسوار وأبراج مراقبة وأسلاك شائكة- وهو ما يميز مراكز الاعتقال عن المباني العامة مثل المدارس والمستشفيات. وعلق تيموتي غروز، الأستاذ المشارك في الدراسات الصينية بمعهد روز هالمان للتكنولوجيا: “لا أعتقد أن هذا التوقيت مجرد صدفة”، وأضاف غروز: “حسب رأيي نشاهد مرحلة جديدة في الأزمة” و”تم الإفراج عن بعض المعتقلين وتم وضع آخرين في مصانع فيما صدرت أحكام بالسجن على البقية”.
ورفضت الصين أكثر من مرة الكشف عن عدد المواقع التي تستخدمها لاحتجاز المسلمين في تشنجيانغ. لكن باحثي المعهد الأسترالي قاموا بفحص حوالي 380 موقعا يشتبه بأنها مراكز احتجاز في تشنجيانغ. وتم توسيع 61 منها في المنطقة القريبة منها، وفي الفترة ما بين تموز/يوليو 2019 وتموز/يوليو 2020. ومن بين هذه هناك 14 معسكرا لا تزال في مرحلة التوسع. وقسم الباحثون المواقع إلى أربعة مستويات وقالوا إن نصف المعسكرات تتمتع بحراسة أمنية مشددة.
ووجد الباحثون أن بعض معسكرات إعادة التعليم ألغيت مما يؤكد رواية الحكومة أنه جرى إخراج المعتقلين منها بعد “تخرجهم”. وتم نزع الحراسات والأسلاك الشائكة حول 70 مركزا فيما يتم تحويل طبيعة عمل 8 معسكرات. وربما تم إلغاء هذه المراكز لأنها لا تحظى بحراسة أمنية مشددة. وفي ظل الحاكم الديكتاتوري شي جينبنغ قامت السلطات الصينية بحملات قمع واعتقال مليون مسلم في تشنجيانغ. وصدر تقرير المعهد الأسترالي بعد يوم من الذكرى السادسة على بداية حملة القمع، وهي الحكم على الباحث الإيغوري البارز إلهام توهتي بالسجن مدى الحياة.
وفي العام الماضي قال رئيس حكومة تشنجيانغ شهرت زاكر للصحافيين في العاصمة بيجين إن من دخل معسكرات الاعتقال هم فقط الذين دخلوها طوعا فيما تخرج الآخرون بدون ذكر إلى أين ذهبوا.
وبنى تقرير المعهد الأسترالي على نتائج أبحاث أخرى لاحظت زيادة نسبية في عدد السجناء بإقليم تشنجيانغ والذي ترافق مع زيادة عدد السجون.
وكشف موقع “بازفيد” في الشهر الماضي بتحقيق أجراه عن 268 معسكر اعتقال أقيمت منذ 2017 في الإقليم. وكشف تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز” العام الماضي أن المحاكم في تشنجيانغ التي يمثل فيها السكان الإيغور وبقية الأقليات المسلمة نصف السكان أصدرت في 2017 و2018 أحكاما على 230.000 شخص بالسجن أو بالعقاب. وهو عدد كبير جدا مقارنة مع الأرقام المسجلة للسجناء في السنوات السابقة.
ولم تصدر الأرقام الرسمية للسجناء لعام 2019 إلا أن تقريرا صدر عن سلطات تشنجيانغ بداية هذا العام ذكر أن عدد الأحكام الصادرة في محاكمات عام 2019 وصل إلى 96.596 حكما، مما يشير إلى أن عدد المحاكمات أقل من السنوات السابقة ولكنه أعلى مما كان عليه قبل حملة القمع والملاحقة للمسلمين. وعلق البرفسور شين روبرتس من جامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب “الحرب على الإيغور”: “مع أن تركيز عناوين الأخبار ظل على ما يجري في معسكرات الاعتقال إلا أن هناك ومنذ البداية جهودا أوسع للإدانة والسجن”.
ويجد الإيغور الذين تركوا بلادهم صعوبة في معرفة ما حدث لعائلاتهم في المعتقلات. لكن عددا منهم توصل إلى أن أبناء عائلاتهم وأقاربهم صدرت عليهم أحكام بالسجن لما بين 10- 15 عاما بتهم مثل “الدعوة للانفصال”. وقالت إليس أندرسون الباحثة في مشروع حقوق الإنسان للإيغور بواشنطن: “في بعض الأحيان لا يعرف الناس ما حدث وكل ما عليهم عمله هو التكهن”. وقالت سارة أركين، المرأة الإيغورية التي تعيش في الولايات المتحدة، إنها انتظرت سنوات لمعرفة أخبار عن شقيقها حرسان حسن، وهو ممثل معروف من تشنجيانغ والذي اعتقل عام 2018 ونقل إلى معسكر إعادة تعليم. وعلمت عائلته بداية هذا الشهر عن سجنه لمدة 15 عاما بتهمة الدعوة للانفصال. وقالت في مكالمة هاتفية: “شعرت بالصدمة.. فهو ممثل مشغول بعمله، مثقف مقبول من الحكومة ولم أتخيل أن يحدث أمر كهذا”.
وبدأت الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات ضد الصين بسبب معاملتها للمسلمين الإيغور. ففي هذا العام أعلنت إدارة ترامب عن عقوبات ضد المسؤولين عن سياسة القمع بالمنطقة. وكذا على “هيئة الإنتاج والبناء في تشنجيانغ” وهي شركة شبه زراعية ومعهد أمني. وفرضت حظرا على استيراد الملابس وأدوات معالجة الشعر والبضائع التكنولوجية من المنطقة ولكنها لم تشمل القطن والطماطم اللذين يعتبران من أهم صادرات تشنجيانغ. وأصدر مجلس النواب الأمريكي هذا الأسبوع قرارا بمنع استيراد أي منتج من الإقليم إلا بعد التأكد أنه لم ينتج باستخدام العمالة القسرية.
وأنكرت الحكومة الصينية في البداية وجود معسكرات الاعتقال لكنها دافعت عن وجودها لاحقا قائلة إنها ضرورية لمحاربة الإرهاب. وأصدرت الأسبوع الماضي “ورقة بيضاء” قالت فيها إنها ملتزمة بالقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والعمال. وانتقدت الصين المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية قائلة إنه مغرم بتلفيق ونشر المواد المعادية للصين، حسبما قال وانغ ينبن، المتحدث باسم وزارة الخارجية. واتهم المعهد بالحصول على تمويل من الحكومة الأمريكية وأنه “طليعة معادية للصين”. وأكد المركز أن أبحاثه مستقلة عن مصادر التمويل.
ويقول الإيغور في الخارج إن سياسات القمع ضد أهلهم في الصين تصل إلى حد الإبادة. وفي بداية هذا الشهر قالت مجموعات حقوقية وخبراء إن سياسات الصين في تشنجيانغ ينطبق عليها تعريف الإبادة: “جريمة أدخلت في القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية واحتمال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”. وردت الحكومة الصينية بغضب لكنها واصلت بناء معسكرات الاعتقال. ويقول روبرتس من جامعة جورج واشنطن إن السلطات قد تواصل هذه السياسة لفترة من الزمن و”ربما دمرت الهوية الإيغورية كما نعرفها داخل الصين”.