انهزامية المطبعين العرب الحضارية والنفسية والأخلاقية إزاء إسرائيل
يستعين المطبعون العرب مع إسرائيل بعدة ذرائع لتسويغ تطبيعهم وتسويقه بين شعوبهم . من هذه الذرائع الحاجة الملحة للتكنولوجيا الإسرائيلية في المجالات الأمنية والاقتصادية ، الزراعية تخصيصا . ويركزون في آرائهم وأحاديثهم العلنية على الاقتصاد والزراعة أكثر من المجال الأمني لإغواء شعوبهم بمنافع التطبيع . فمن الذي لا يرغب في تنمية اقتصاده وزراعته لإثراء مستوى معيشته ؟! سمعنا هذه الذريعة من محمد حمدان ( حميدتي ) نائب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان المتحمس للتطبيع مع إسرائيل ، وقبل حميدتي سمعناها من الأمير خالد بن سلمان نائب وزير دفاع بلاد الحرمين الذي قال إن بلاده تريد تطوير اقتصادها ،ولهذا هي في حاجة إلى إسرائيل . وتردد هذه الذريعة الفاسدة قلة في الإعلام العربي والجمهور العربي . ونستنتج من هذه القلة أن المسئولين العرب الذين يتوسلون برغبتهم في تطوير بلادهم وتنميتها ليطبعوا مع إسرائيل معزولون في الواقع عن شعوبهم ، ولا يمثلون إرادتها وتوجهاتها الحقيقية التي ترى إسرائيل كيانا عدوانيا مغتصبا سيء النوايا لا خير فيه ، وأن الحديث عن الإفادة من تقدمها التكنولوجي خدعة مضللة وطعم كاذب ، وأن هؤلاء المسئولين محفزون بحوافز أخرى ، أكبرها الاعتقاد بأن تطبيعهم مع إسرائيل سيأتيهم برضا أميركا عنهم لتستمر في حماية نظمهم الفاشلة الممقوتة من شعوبهم ، ومنها ، في حال السودان ، الرغبة في إخلاء قائمة الدول الراعية للإرهاب من اسمه الذي أقحم فيها ظلما وتجنيا في 1993 . ومن ينظر في كلام حميدتي يستنتج أنه مجبر على التطبيع على نقيض البرهان المتحمس له ، وموقفه ، حميدتي ، قريب من موقف حمدوك رئيس الوزراء الذي يظهر ترددا واضحا في التطبيع . المسئولون السودانيون في الإدارة الانتقالية الحالية يعرفون ميل شعبهم ويخافونه ليقينهم أنه يعارض التطبيع مع إسرائيل التي نفذت دورا شيطانيا في فصل جنوب السودان عن شماله ، والتي لن تضمر له ، للشعب ، يوما أي محبة وأي صدق في نفعه . قبل ثلاثة أعوام تقريبا قال مسئول إسرائيلي :" بناء مدرسة في السودان يقلقنا " . إسرائيل في حقيقتها لا تفرق في عداوتها بين بلد عربي أو إسلامي وبلد آخر . وتظهر هذه العداوة أو تكتمها حسب القرب والبعد من هذا البلد أو ذاك البلد . هي في خلاصتها المكثقة معادية للحضارة العربية الإسلامية التي تعهد قادة الحركة الصهيونية الأوائل لقادة الدول الأوروبية في المؤتمر الاستعماري في 1905 _ 1907 بالوقوف في طريق انبعاثها وتحطيمها . وهي ، إسرائيل ، لا تشعر بأي احترام للمطبعين العرب ، وترى تطبيعهم مثلما صرح نتنياهو خضوعا واستسلاما لقوتها وتفوقها لا منة وتفضلا من هؤلاء المطبعين ، وتعبيرا عن احتياجهم إليها مختلف الاحتياجات ، أي أنها مالكة اليد العليا في التطبيع ما ينفي اضطرارها للتنازل لهم في شيء . وما من موجب مقنع لهذه الانهزامية الحضارية والنفسية والأخلاقية ، التي هي استشعار للدونية وازدراء مرير للذات ، الشائعة في ذرائع المطبعين العرب . يملك العرب لو أحسنوا التفاعل والتكامل بين مالهم وخبراتهم ما يكفيهم من التقدم التكنولوجي في كل المجالات الحيوية ،والزراعية تخصيصا . وتكنولوجيا الزراعة وكثير من ألوان التكنولوجيا متاحة مباحة على الشبكة العنكبوتية يسترشد بها كثيرون من المزارعين المحترفين في العالم وهواة الزراعة . وسلف أن استعانت بلاد النفط الخليجية عشرات السنين بخبرات من الشام ومصر وغيرهما من دول العالم في كل مجالات العمران والازدهار ، فلم تنصرف عنهم الآن ؟! ولا ترى لها ملاذا سوى إسرائيل في تنمية عمرانها وبسط ازدهارها ؟! العلة سياسية لا تكنولوجية . استوردت مصر بذورا إسرائيلية زمن وزير زراعتها يوسف والي ، ولعلها ما زالت تستورد ، فجلبت تلك البذور الفيروسات للمزروعات المصرية . وفي زمن والي أيضا استوردت بذورا من هولندا ، فظهرت فيروسات في نباتات تلك البذور ، ولتجلية العلة أرسلت وزارة الزراعة خبيرا إلى هولندا ، وفاجأه مسئول كبير في الشركة الموردة للبذور بقوله إنه صهيوني ، وإنه الذي اختار تلك البذور ، وإنه يعادي العرب ، وسيظل يعاديهم . ولا نستبعد أن بذور شركته إسرائيلية، وأن بيعها لوزارة الزراعة المصرية مخطط له . ذرائع المطبعين العرب تافهة فاسدة ولا تسوغ انهزاميتهم الحضارية والنفسية والأخلاقية إزاء إسرائيل .وهم يتهافتون على التطبيع معها عُميا عاجزين منعزلين عن شعوبهم المالكة لكل مصادر القوة والازدهار التي عطلوها وشلوها بسوء إدارتهم وفسادهم واستبدادهم وضحالة شخصياتهم وسرقتهم للمال العام ، ويتضافرون مع الحركة الصهيونية التي باهت بأنها ستنشىء دولة تصبح منارة حضارية في المنطقة العربية الصحراوية المتخلفة . وهذا ما تعتقده إسرائيل البربرية المتوحشة ، وأحدث ما قرأناه عن هذا الاعتقاد الفج الفاسد ما قاله يوعاز هندل الوزير في الحكومة الإسرائيلية القائمة في مقابلة مع "هآرتس " : " أعتقد أن الثقافة العربية المحيطة بنا غابة " ، وعبارات الإسرائيليين ومعتقداتهم ومواقفهم نحو العرب والمسلمين نمطية ببغاوية تنطق بعنصريتهم المنحطة وقذارتهم الأخلاقية المرضية المستعصية . وهندل البغيض هذا باهى في المقابلة ذاتها بأن جده صَلَم آذان عدد من الفلسطينيين في الحرب ! من هو وحش الغابة ؟! إزاء هذه العنصرية الفظة الفاجرة ينهزم المطبعون العرب حضاريا ونفسيا وأخلاقيا . وما أروع وأفطن الكاتب الجزائري إبراهيمي علي ( صنف كتابا من ألف صفحة عن تاريخ فلسطين القديم ) الذي تساءل تعليقا على كلام حميدتي : " وماذا كان سيعمل السودان لحل مشاكله لو لم تكن إسرائيل موجودة ؟! " ، تساؤل شافٍ كافٍ لإفحام وإلجام كل العضاريط ( المكاسيل الذين يأكلون ويشربون على حساب سواهم ولا يعملون ) من المطبعين العرب الذين يتوهمون أن إسرائيل ستدخلهم الفردوس Elysium على خيول بيض حسان .
وسوم: العدد 897