ما أهمية العرب والإسلام بالنسبة للجامعة العربية؟
يحاول ماكرون الهروب من الأزمات السياسية والاقتصادية التي يواجهها في بلاده، من خلال استثمارها في تحويلها إلى حالة من التوتر والصراع الديني تتجاوز حدود بلاده. إنه يحاول من خلال فهمه السقيم وتعصبه وتحريضه إيقاظ مشاعر معاداة الإسلام في عموم أوروبا. ولقد ذكرنا سابقًا أن ماكرون على الرغم من تحريضه المستمر للعالم الغربي على معاداة الإسلام والمسلمين، فإنه لم يلق تفاعلًا واستجابة من أحد سوى من ثلة قليلة من اليمين المتطرف، لكن ومع ذلك فللأسف لم يكن هناك في أوروبا ردة فعل كافية ضد اللعبة القذرة والخطيرة التي يلعبها ماكرون.
لو أنّ واحدًا بالألف من خطابات الكراهية والحقد ضد المسلمين، تم توجيهها لليهود؛ لرأيتم العالم بأسره يقوم ولا يقعد بحجة معاداة السامية. لا يحتاج العالم إلا لقليل من التعاطف ليتأكد أن ما يتم ممارسته ضد المسلمين هو أخطر بكثير من أي خطاب معادٍ للسامية. بغض النظر عن أن الرسومات المسيئة لنبينا الكريم تعتبر معاداة صريحة علنية للمسلمين، فإنّ الحكم على جميع المسلمين من خلال تصرف فرد أو اثنين من الجهلة المتخلفين، وإهانتهم والتحريض على الحقد والكراهية والعداء ضدهم، وتبنّي الدولة سياسة عداء ضدهم تحت حجة "حرية التعبير" بكل بجاحة ووقاحة؛ فإن ذلك يعتبر حربًا صريحة على أكثر من مليار و700 مليون مسلم.
من المعلوم أن فرنسا في النهاية ليست دولة تُطلق "حرية التعبير" دون قيد أو حدود، ولقد ظهر ذلك جليًّا مع ماكرون ذاته بعد عودته من الزيارة التي أجراها لبيروت عقب الانفجار الذي جرى قبل شهرين، حينما هاجم ماكرون صحفيًّا انتقد الزيارة، وأساء إليه أمام الجميع وعلى الملأ.
وكمثال على استثناء أكثر عمومية، نجد أنه لا توجد أدنى حرية تعبير أو تسامح مع أي خطاب معادٍ للسامية. وبالمناسبة من الملاحظ أن الفلسفات الإنسانية المتطورة إلى حد بعيد حول معاداة السامية، لا تستند إلى أي جانب عالمي، بل حين البحث عنها تجد أنها تستند إلى حساسية عنصرية وشوفينية. لكن وفي المقابل حين مقارنة تلك حساسية العنصرية مع حساسية المسلمين، نجد أن حساسية المسلمين لا تحظى بأي اعتبار، بل تتعرض لحالة من الغطرسة والعدوانية وكأنها موضع اتهام وملاحقة وإدانة.
في مواجهة تلك العداونية والغطرسة، لا يد أن يولد إحساس حول أن يكون المسلمون في ظل ذلك جسدًا واحدًا، أو في موضع أكثر توحدًا وتقاربًا. حيث أن تلك الهجمات تثير مشاعر الوَحدة وتوقظها. وهذه هي القاعدة الأساسية في علم اجتماع الجماعة. وإن الشعور بالوَحدة التي أيقظتها الهجمات أو العداوات تنتج بالمقابل شعورًا جبّارًا يصعب السيطرة عليه. ولذلك يعتبرون أنه من الخطر إيقاظها، لكن بمجرد وقوع هجوم ما فلا يمكن أن يظلّ هذا الشعور غير مبالٍ أو مكترث.
إن أعلى صوت جاء ضد هجمات وإساءات ماكرون على مستوى العالم الإسلامي كان من أردوغان، إضافة إلى دول مثل باكستان وقطر والكويت. ولقد ذكرت إن عدم صدور ردة فعل قوية من العالم العربي ضد الهجوم على مقدسات العالم الإسلامي؛ يشير بدوره إلى أنه واقع تحت احتلال. لكن من الطبيعي للغاية أن لا تصدر ردود فعل من حكومات عربية بالاسم، لكن أرواحها وعقولها فرنسية لا تزال قابعة تحت عباءة الاستعمار.
على سبيل المثال، لا بد أنكم سمعتم او قرأتم ما قاله الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط. بينما كان العرب والمسلمون ينتظرون منه ردة فعل واضحة ضد الهجوم على مقدساتهم، فإنه راح يتحدث بوعيد وحماس ضد تركيا مما ستصطدم به في قابل الأيام. وبالنسبة له فإن الصخرة الكبيرة التي ستصطدم بها تركيا هي فرنسا، وبناء عليه فإن "نهاية تركيا لن تكون طيبة كونها تهدد دولة كبرى مثل فرنسا".
وبينما كان يتحدث ذلك وكأنه يعطي بشارة سارّة بالنسبة له، لم يصدر منه أي كلمة ضد تصريحات ماكرون المسيئة للإسلام والمسلمين، بل انشغل باتهام تركيا بأنها تتدخل في الشؤون العربية الداخلية، في سوريا والعراق وليبيا.
لقد قلنا مرارًا وتكرارًا؛ لا علاقة للجامعة العربية بالعرب أو المسلمين. حيث لا لا تملك هذه الجامعة أي احترام او اكتراث بأزمات وقضايا العرب او المسلمين. إن العرب والمسلمين بالنسبة لهذه الجامعة هم أصحاب السلطة فقط. أما ما سوى ذلك، فيمكن قتلهم والمساس بهم وبأعراضهم، بل ويمكن تسليم بلادهم وشعوبهم معًا للإمبراليين حتى يفعلوا بهم ما يشاؤون.
حينما تطالع ملف هذا الشخص نفسه أي أبو الغيط، قبل وقت ليس بالطويل وتحديدًا في 25 ديسمبر 2008، تلك الصورة التي جمعته كوزير للخارجية المصرية آنذاك مع وزير الخارجية الإسرائيلي حينها تسيبي ليفني، قبل يومين فقط من الهجوم الجوي على غزة؛ لا تزال في أذهان الجميع. لقد اعلن ليفني من قلب القصر المصري الحرب علتى غزة، وقد أمسك بيد أبو الغيط.
أليس من الواضح سر انزعاج الأمين العام للجامعة العربية مما وصفه بتدخل تركيا في الشؤون العربية الداخلية، وهو الذي قد وهب فلسطين ومعها أرواح المسلمين واموالهم وأعراضهم للمحتل الصهيوني وكذلك الفرنسي؟
لأنه يوجد غيرها يمثّل العرب والمسلمين اليوم على حد سواء. أما التمثيل الذي يدعونهم هم فهو الخيانة فحسب. ومن الواضح مدى انزعاجهم من تركيا التي تحثهم على التوقف عن تلك الخيانة. وبالمقابل إن التدخلات -كما يصف- التي تتدخل بها تركيا، تلقى قبولًا ورضًا كبيرًا لدى عموم العرب والمسلمين.
وسوم: العدد 901