التخبيب بين المسلمين أسلوب ماكر لإضعاف وحدتهم وتماسكهم استهدافا للإسلام
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو مصورا من أحد مساجد فرنسا على الأرجح إن لم يكن من قطر آخر فرنكوفوني في أوروبا لأن الحديث أو لنقل الخلاف الذي دار بين جماعة من رواده كان باللغة الفرنسية . ويفهم من مضمون الخلاف أنه اعتراض على تثبيت كاميرات مراقبة في المسجد لرصد ما يدور فيه في الجناحين المخصص للذكور والإناث على حد سواء . ويبدو من خلال هذا الفيديو أن جماعة المسجد كانت منقسمة على نفسها بخصوص موضوع تثبيت الكاميرات حيث كان فيهم الرافض لها ، والمتفق على تثبيتها .
إن هذا الحدث مؤشر على أسلوب ماكر ينهجه البلد الذي يوجد فيه هذا المسجد من أجل التخبيب بين الجالية المسلمة فيه . والتخبيب لغة إفساد الود أو العلاقة بين شخصين أو بين جماعتين عن طريق الخداع أو التغرير أوالتحريض أو التأليب . وقد جاء في الحديث النبوي : " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده ". وقوله صلى الله عليه وسلك : " ليس منا " تشديد في إنكار هذا العمل المستقبح لما يترتب عليه من مفاسد منها نشوز المرأة على زوجها أو نشوز العبد على سيده ، كما أنه في هذا القول وعيد شديد لأن من خرج من دائرة الانتماء إلى الإسلام بإتيان مثل هذا مثل هذا الفعل الشنيع ساء مصيره يوم القيامة عند الله عز وجل .
والتخبيب المذكور في الحديث الشريف ،والمتعلق بتخبيب الزوجة على زوجها يكون أيضا بتخبيب الزوج على زوجته ، والتخبيب بين جماعة المسلمين حكمه حكم ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من براءة المسلمين من فاعله أو من فاعليه .
ولقد ورد ذكر نوع من التخبيب في كتاب الله عز وجل في سياق تحذير المسلمين زمن رسول الله صلى الله عليه من كيد المنافقين ومن كان ورائهم من يهود حيث كانوا يحاولون تثبيطهم عزائمهم لصرفهم عن الخروج إلى الجهاد ، وذلك في قوله تعالى : (( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين )). فهذا الذي تحدث عنه القرآن الكريم ضرب من ضروب التخبيب بين المسلمين من خلال الخبال، وهو يدل على النقصان أوالعناء أوالفساد ،والإيضاع وهو الإسراع أو التسرع ، والإخلال أو الخلل ، والفتن أو الفتنة
كل ذلك لتثبيط العزائم وإفشال السعي والقصد . ومعلوم أن التخبيب يفعل فعله إذا وجد سمّاعون لمن يخبب بينهم كما جاء في قول الله تعالى . ولقد اختلف المفسرون في معنى السمّاعين ،فقيل هم المنخدعون بحيل وكيد المخببين ، وقيل هم عيون المخببين المندسين بين المسلمين ، وقيل هم من يسمعون ما يبلغ عن المسلمين إلى أعدائهم . ولا شك أن المعنى الراجح من المعاني المذكورة يفيده سياق التحذير الغالب على الآية الكريمة .
ولنعد الآن إلى التخبيب الذي تستهدف به الجالية المسلمة في بلاد الغرب خصوصا تلك البلاد التي تعرف حملة منسقة ضد الإسلام كفرنسا مؤخرا على سبيل المثال ، فنقول إن ما اتخذه الرئيس الفرنسي من قرارات كإغلاق العديد من المساجد ، وفرض الرقابة على ما أبقي منها مفتوحا ، وحل الجمعيات الإسلامية ، وتقييد أنشطة ما بقي منها عاملا... إلى غير ذلك من القرارات الجائرة والمتعسفة يدخل ضمن استهداف الإسلام من خلال التخبيب بين الجالية لإفساد العلاقة والأخوة بين أعضائها . وأول ثمار التخبيب بينها بث الخلاف بينها بخصوص تلك القرارات الجائرة ليكون فيها من يؤيدها خوفا ومن يعارضها ،وكفى بهذا الخلاف تخبيبا بينهم خصوصا إذا ما وجد بينهم سمّاعون له.
والمطلوب من الجالية المسلمة المستهدفة بهذا التخبيب أن تطرح جانبا خلافاتها المذهبية والجماعاتية والجمعوية ، وتتوحد في كتلة واحدة بالتمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن تأويل نصوصهما أو استخدامها لأغراض مذهبية أو جماعاتية أو جمعوية أو حزبية ... أو غيرها من الأغراض الأخرى التي تفرق بينهم ولا تجمع . وعليهم بأهل العلم ممن يشهد لهم بالتمكن منه ، ومن رسوخ القدم فيه ، وبالصلاح والصدق أيضا ، يلتمسون منهم النصح وسداد القول والفعل بعيدا عن الغوغائية مع الحذر من الفتانين الذين يزينون لهم الفتنة والتورط فيها ، ويشككونهم في صدق أهل العلم الربانيين من خلال تجريحهم تشكيكا في علمهم وعدالتهم وتفضيل من لا علم لهم عليهم ممن يسخرهم المخببون ويمكنون لهم كعيونهم يمدونهم بأخبارهم أولا بأول دون أن يتفطن إليهم.
ولا بد من محك تعتمده الجالية المسلمة بالخارج لمعرفة الصادق من الكاذب ممن يتقربون منها ، ويخطبون ودها ، وهذا المحك هو قول الله تعالى : (( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) . ومعرفة الصدق من الكذب تكون بعرض المواقف والأفعال والأقوال على كتاب الله عز وجل وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما وافقهما كان صدقا وما خالفها كان كذبا ، وصدق الشاعر إذ يقول :
وأفضل ما يجب أن تضطلع به الجالية المسلمة في الخارج هو إصلاح أحوالها ، وتصحيح تدينها بالصلح مع الله عز وجل على ضوء الكتاب والسنة لتكون أمة داعية إلى الله عز وجل بألسنة الأحوال لا بألسنة الأقوال ،وهذا من شأنه أن يقطع الطريق على كل من يستهدف الإسلام في بلاد الغرب وغيرها من بلاد المعمور التي لا تدين به . أما التهور والانجرار وراء ما يكاد له ليل نهار سرا وعلانية من خلال اعتماد أساليب العنف والإرهاب الأعمى ، فهو أكبر إساءة إلى الإسلام الذي تقوم الدعوة فيه إلى الله عز وجل على الإقناع لا على الإكراه . ولا يجب أن تحذو الجالية المسلمة في أوروبا حذو العلمانية الغربية التي تدعي الدفاع عن الحريات بالقول ولكنها تصادرها بالفعل والإجراء .
أما ما تتعرض له الجالية المسلمة من مضايقات ، ومن اعتداء كما صورت ذلك بعض الفيديوهات على سبيل المثال لمسلمات يتعرض للضرب والإهانة بسبب لباسهن ، فهو ابتلاء من الله عز وجل يتطلب الصبر والثبات والاحتساب كما صبر وثبت واحتسب الرعيل الأول من الصحابة والصحابيات ، ولن يبلغ الأذى الذي تتعرض له الجالية المسلمة اليوم في فرنسا أوغيرها من بلاد الغرب حجم الأذى الذي تعرض له السلف الصالح زمن البعثة النبوية أو خلال أزمنة تالية له مما سجله التاريخ .
ومع الصبر والثبات والاحتساب لا بد من أن تظل المعنويات عالية وشامخة علوا وشموخا يزيدان على الدوام ولا ينقصان مهما كان حجم الاستفزاز وحجم الأذى وحجم المضايقات .
وسوم: العدد 904