عن اللحم المسموم واللحم الحلال!!
مخطئٌ من يصنّف كلامي في الشيخ عبد الله #بن_بيّه ضمن الخلاف الفكري، أو التنافس الشخصي، أو التدابر السياسي. والشيخ يعرف ما كنت أحمل له من إجلال وتوقير قبل أن يتورط في تسويغ الظلم، ويسير في ركاب الظلمة. والحق أن مردَّ كلامي فيه شرعيٌّ مبدئيٌّ، يرجع إلى سيره في ركاب فراعنة الليكود العربي وقارونات الثورة المضادة، الذين أعلنوا الحرب على أمة الإسلام -بطراً ورياء الناس- فسفكوا الدماء المحرمة، وعاثوا فساداً في بلاد الإسلام، وشردوا الشعوب المسلمة، وأذلوها بين العالمين، وأشمتوا بها الأعداء، وحولوها لاجئين على أبواب الدول الأخرى.. ثم في إهداره دماء الملايين من المسلمين، من خلال تصنيفهم إرهابيين ظلما وعدوانا وتملقاً، وكأن دماءهم وأعراضهم حلال زلال، وهو أعلم الناس ببراءتهم من تصنيفاته الإرهابية، وأعلمُ الناس بعِظم كل هذه الموبقات والافتراءات عند الله تعالى..
ومخطئٌ كل الخطأ من يعتبر أن "لحوم العلماء مسمومة" دون غيرهم من بني الإسلام وبني الإنسان، وكأن الله تعالى اختصهم في العالمين بحرمة الدماء والأموال والأعراض!! والحق أن مقولة: "لحوم العلماء مسمومة" -التي أصبحت تتدرَّع بها عمائم السوء اليوم ضد كل مساءلة ونقد- ليست آية قرآنية، ولا حديثا نبويا، ولا أثراً مرويا عن صحابي أو تابعي.. بل هي عبارة عادية ظهرت لأول مرة في القرن السادس الهجري على لسان الحافظ ابن عساكر في دفاعه عن أبي الحسن الأشعري ضد الحنابلة، وذلك في مقدمة كتابه (تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري). وقد جعل الشرع الإسلامي لحوم كل المسلمين مسمومة، فحرَّم البهتان، ومنَع الغيبة، وشبَّهها بأكل المِيتة. وحرم قبل ذلك سفك الدماء بغير حق، والتواطؤ في ذلك ولو بشطر كلمة. والعلماء -أمثال بن بيّه- أوْلى الناس باجتناب هذه الموبقات وتسويغها، والتنزه عن التواطؤ في الدماء المحرمة شرعاً، والرتْع في الأعراض المصونة شرعاً. وهذا أقلُّ ما يُتوقع منه، إذا تخاذل عن واجبه الشرعي في نصرة المظلومين، والإنكار على الظالمين. لكنه -للأسف الشديد- لم ينصر مظلوما، ولا تمعَّر وجهه تجاه ظالم، ولا حتى كفَّ لسانه عن المظلومين على الأقل. وليته التزم الحياد ولَم ينحز للظلمة، فصان ما بقي له من مكانة في قلوب عوام المسلمين. لكنه انخرط في حملة هتْك الأعراض الجماعية ضد خيرة أبناء الأمة، وصفوة أحرارها وأبرارها، وفِي التواطؤ الصريح والضمني في ذبح الشعوب المسلمة، خدمةً لظلمة سفهاء سفاحين. فكل تصدٍّ لابن بيّه ومن على شاكلته اليوم -ممن أهانوا العلم الشرعي ورضوا أن يكونوا خدماً وحشماً في ركاب الظالمين- من أوجب الواجبات الإسلامية، وأجلّ المسؤوليات الشرعية، صيانةً للشرع الطاهر من تدليسهم، في ارتكاب الموبقات باسمه، وانتهاك المحرمات تحت رايته. وهذا التصدي لا يعدو -في أقل أحواله- أن يكون صدًّا شرعيا للعدوان، ودفعاً واجبا عن دماء المسلمين المظلومين وأعراضهم، وهو أمر مشروع بنص القرآن الكريم ومنطوق السنة المطهَّرة. فقد قال تعالى في محكم كتابه: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم" (سورة النساء، الآية ١٤٨) وقال تعالى: "ولَمَن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم." (سورة الشورى، الآيتان ٤١-٤٢). وقال رسول الله ﷺ: "من ردَّ عن عِرْض أخيه ردَّ الله عنه وجهه النار يوم القيامة." (رواه الإمام أحمد بسند حسن) وقال ﷺ: "من ذبَّ عن عِرضِ أخيه ردّ الله عنه عذاب النارِ يوم القيامة" (الترمذي صححه الألباني).
فليَجْهد المقلدون البلداء، وأتباع الوثنية الاجتماعية، في الدفاع عن "اللحوم المقدسة" التي نبتتْ من أعطيات الظلمة. أنا نحن فلا نرى في لحوم المسلمين مقدَّساً ومدنَّساً: فكل لحوم المسلمين عندنا مسمومة، وكل أعراضهم عندنا مصونة، وكل دمائهم حرام.. إلا من بغى وظلم.. وعند الله الموعد.
وسوم: العدد 904