محكمة إسرائيلية تشرّعن عدم تقديم خدمات لسكان عرب بحجة الحفاظ على الهوية اليهودية للمدينة
الناصرة- “القدس العربي”:
رفضت محكمة إسرائيلية دعوى قضائية اتهمت بلدية مدينة كرمئيل الإسرائيلية بانتهاك التزامها بشأن توفير مواصلات للطلاب العرب في المدينة إلى المدارس في القرى العربية المجاورة، بحجة أن انتهاك هذا الالتزام جاء لحماية الطابع اليهودي للمدينة استنادا لقانون “الدولة اليهودية” المعروف بقانون القومية.
يذكر أن مدينة كرمئيل ونتسيرت عليت الإسرائيليتين قد بنيتا في قلب الجليل في مطلع ستينيات القرن الماضي من أجل تهويد المنطقة التي ما زال فلسطينيو الداخل في هذه المنطقة أغلبية سكانية.
وبسبب تقييد عمليات البناء في القرى العربية الفلسطينية داخل أراضي 48 حفاظا على الطابع اليهودي لإسرائيل شهد العقود الأخيرة ظاهرة انتقال الأزواج الشابة لمثل هذه المدن ومنها كرمئيل التي يبلغ تعداد سكانها العرب نحو خمسة آلاف من مجمل تعدادها (40 ألف نسمة) لكن هؤلاء يضطرون لإرسال أبنائهم لمدارس القرى العربية المجاورة في منطقة الشاغور بين عكا وصفد لعدم وجود مدارس عربية في هذه المدن التي أرادت لها إسرائيل أن تكون يهودية وباتت مختلطة.
وكتب قاضي المحكمة الإسرائيلي في حيفا يانيف لوزون في قرار حكمه أن تقديم الخدمات للسكان العرب سيغير تركيبة كرمئيل التي قال إنها مدينة يهودية تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل. وأضاف أن بناء مدرسة عربية أو توفير وسائل نقل للطلاب العرب أينما كان ولمن يريد ذلك، يمكن أن يغيّر الميزان الديموغرافي وهوية المدينة. وهذه المرة الأولى التي تبرر فيها محكمة إسرائيلية التمييز العنصري بين اليهود والعرب بشكل سافر وذلك استنادا لقانون القومية الذي تمّ سنه في 2018.
دولة اليهود
ورفع الدعوى القضائية المحامي نزار بكري نيابة عن شقيقه وابني أخيه من بلدة البعنة سابقا وادعى فيها أن حقهم في التعليم تضرر بصورة كبيرة بسبب صعوبة تنظيم النقل المستمر من وإلى المدارس خارج المدينة، وطالب البلدية بالبدء بتمويل مواصلات الأطفال العرب من وإلى المدارس في المنطقة وإعادة التكاليف التي دفعتها العائلات بالفعل من جيوبها.
وأشير في الدعوى إلى أنه وفقاً لتوجيهات وزارة التربية والتعليم، يقع الالتزام بشأن تنظيم وتنفيذ النقل على عاتق السلطات المحلية التي يعيش فيها الطلاب. وقدم قاضي المحكمة العديد من المبررات لرفض الدعوى القضائية، ومنها أنه كان على المدعين أن يقدموا طلب التماس وليس دعوى قضائية، وعدم وجود أي التزام قانوني من طرف البلدية لتوفير هذا التمويل للمواصلات، وأن طلب الالتماس يجب أن يُقدّم إلى وزارة التربية والتعليم بدلاً من بلدية كرميئيل. لكن القاضي لم يكتف بهذه المبررات بل أكد أن من حق البلدية الحفاظ على الطابع اليهودي للمدينة.
واستشهد بـ”قانون القومية الإسرائيلي” من سنة 2018 الذي يكرس إسرائيل باعتبارها “الدولة القومية للشعب اليهودي” ويؤكد أن الحق في ممارسة تقرير المصير القومي في إسرائيل حصري للشعب اليهودي كما ينص على أن الدولة تعتبر تعزيز الاستيطان اليهودي قيمة قومية ويجب العمل على ترسيخها.
وتابع القاضي: “لذلك فإن تطوير الاستيطان اليهودي هو قيمة وطنية، قيمة راسخة في قانون أساس. ويجب أن يكون اعتباراً مناسباً ومهيمناً في اعتبارات البلدية، بما في ذلك مسألة إنشاء المدارس وتمويل المواصلات”.
وطعن بكري في مبررات القاضي، وقال إن قرار رفع دعوى قضائية بدلاً من طلب التماس نابع من مطلب قانوني لاستنفاد الإجراءات قبل تقديم طلب الالتماس.
ويوضح المحامي بكري لـ”القدس العربي” أنه سيتم تقديم طلب التماس في الأشهر المقبلة للرد على معظم مبررات القاضي وسيشمل كلاً من البلدية ووزارة التربية والتعليم.
واعتبر بكري أن المبرّر الأخير للقاضي المتعلق بـ”قانون القومية” بعيد كل البعد عن القضية المطروحة وتفوح منه رائحة العنصرية.
وقالت عضو الكنيست عايدة توما- سليمان من القائمة المشتركة إن قرار القاضي يؤكد خطورة “قانون القومية” وكونه يؤسس للفصل العنصري وللتمييز القانوني ضد المواطنين العرب.
يشار إلى أن مدينة كرميئيل شهدت في السنوات الأخيرة تدفقاً متزايداً للمواطنين العرب من أجل السكن فيها. واعترض بعض السكان، بمن في ذلك أعضاء يهود في بلدية كرميئيل على التغييرات الديموغرافية حتى أنهم أنشأوا سنة 2010 خطاً ساخناً مجهول الهوية سعى لمنع بيع البيوت للعرب. منوها إلى أنه رغم الحقيقة أن العرب يشكلون الآن نحو 10% من سكان كرميئيل لا توجد حتى الآن مدرسة عربية داخل المدينة ولذا يضطرون إلى إرسال أولادهم إلى مدارس في المنطقة المحيطة.
قانون أساس: أبرتهايد
وحملت صحيفة “هآرتس” بخلاف بقية وسائل الإعلام العبرية على قرار المحكمة وموقف بلدية كرميئيل وقالت في افتتاحيتها الخميس “هذا حصاد للثمار الفاسدة لقانون القومية. بخلاف كل التصريحات الكاذبة التي سُمعت من مؤيدي القانون طوال مسار تشريعه بأنه رمزي في أساسه، وبأنه وفيّ لقيم “وثيقة الاستقلال” وقيم المساواة، تبين أنه تجسيد لكابوس منتقديه: معيار قانوني يُشرّع التفوق اليهودي والدونية العربية في دولة إسرائيل”.
وقالت الصحيفة إن محكمة الصلح في الكرايوت استخدمت قانون القومية لشرعنة رفض شقيقين عربيين في السادسة والعاشرة من العمر بأن تأمر البلدية بأن تعيد لهم المبالغ التي دفعاها للتنقل إلى المؤسسات التعليمية خارج البلدة لأنه لا يوجد فيها مدرسة عربية.
وتابعت “كرميئيل بلدة يهودية، هدفها ترسيخ الاستيطان اليهودي في الجليل” كتب قاضي المحكمة يانيف لوزون في قراره، وأرسل رسالة واضحة إلى كل الأولاد العرب من مواطني إسرائيل، أنهم في نظره ليسوا سوى خطر ديموغرافي يجب القضاء عليه بشتى الوسائل. “إقامة مدرسة باللغة العربية… وتمويل تنقل التلامذة العرب إلى أي مكان، يمكن أن يغير الميزان الديموغرافي ويمس بطابع المدينة”.
ورأت “هآرتس” أنه من دون ذرة من الخجل أوضح لوزون أن المحافظة على الطابع اليهودي لكرميئيل وفقاً لقانون القومية يمنحه المبرر القانوني لإلقاء طلب التلامذة العرب في سلة المهملات.
وأضافت ” لقد سقطت الأقنعة: قانون القومية أدى إلى شرعنة عقيدة التفوق اليهودي ويمكّن الدولة من التصرف بطريقة إقصائية لمنع المواطنين العرب من السكن بصورة متساوية في أي مكان يريدونه، ويؤدي إلى تعميق الفصل العرقي في إسرائيل”.
بشاعة وقذارة صهيونية نتنياهو
وخلصت لاستذكار الجدل الإسرائيلي الداخلي حول قانون القومية: “الهجمات التي جاءت من أوساط اليسار الذي يعتبر نفسه صهيونياً تكشف الحضيض الذي وصل إليه. يتعين على اليسار الإسرائيلي أن يجري مراجعة للنفس، وأن يسأل نفسه لماذا تحول مفهوم أساسي للصهيونية، دولة قومية يهودية لشعب إسرائيل على أراضيها، إلى مفهوم فظ وكلمة فظة”. بهذا الكلام هاجم نتنياهو آنذاك، منتقدي قانون القومية. قرار لوزون يثبت العكس. هو يكشف الحضيض الذي تدهورت إليه إسرائيل بزعامة نتنياهو، ويؤكد أن من يحتاج إلى محاسبة للنفس هو نتنياهو نفسه، لأن الصهيونية تشوهت خلال ولايته، وتحولت إلى مشروع تفوّق يهودي من الأكثر قذارة وبشاعة”.
من المتوقع أن تبحث المحكمة العليا في 22 كانون الأول/ ديسمبر في طلبات الالتماس ضد قانون القومية، الذي بين صفات أُخرى، وُصف بأنه قانون استعماري له ملامح فصل عنصري وعن ذلك قالت “هآرتس”: “نأمل بعد أن كُشف عار هذا القانون في كرميئيل، بأنه لم يعد هناك شك بشأن المخاطر الناجمة عنه على الطابع الديمقراطي لإسرائيل، وبشأن واجبها القانوني في أن تشطبه من الدستور”.
وسوم: العدد 906