شتّان بين من يخدم الإسلام ومن يستخدمه
من المعلوم أن الله عز وجل قد قضى أن يكون الدين كله له مصداقا لقوله تعالى : (( ويكون الدين كله لله )) ،وقد حدد سبحانه هذا الدين في قوله عز من قائل : (( إن الدين عند الله الإسلام )) ،ولم يقبل غيره من أحد فقال : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) ، بهذا جعل الله تعالى دينه مصونا من أي محاولة استخدام له من طرف خلقه، وقد أمرهم بخدمته لا باستخدامه ،وشتّان بين خدمته واستخدامه .
أما خدمة الإسلام، فتحصل بالانضباط إلى ما جاء فيه من تعاليم أوامر ونواه انضباطا تاما بحيث يعرض من يدخل فيه نفسه عليها، فإن وافقها ما يكون عليه من أحواله المختلفة وهو يخوض غمار الحياة بقناعة مفادها أنه يخضع فيها لابتلاء ينتهي به إلى مساءلة ومحاسبة وجزاء من خالقه الذي يبتليه، كان خادما لدين الله عز وجل خدمة لا تعود على هذا الدين بنفع بل تعود عليه هو بالنفع شأنه شأن مريض يصف له الطبيب دواء ،فيلتزم بتناوله كما أمره، فيشفى من علته، ويكون هو المستفيد منه .
وبإمكان كل منتسب إلى هذا الدين انتسابا صحيحا ،وهو صادق مع ذاته في ذلك أن يعرف انضابطه أو عدمه مع تعاليمه أوامره ونواهيه حيث يعرض نفسه على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليقيس المسافة التي تفصله عما فيهما من تعاليم أوامر ونواه .
أما استخدام الإسلام ، فيكون عن طريق تعمد تبرير مخالفة أحوال مخالف تعاليمه وهو يخوض غمار الحياة وذلك من خلال ليّ أعناق نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف مع الافتراء عليها أنها توافق أحواله المخالفة لتعاليمه أوامر ونواه، وهو يستبيح بذلك ما لا يبيحه الإسلام مع سبق الإصرار على ذلك ناسبا إلى دين الله عز وجل ما لا يليق به ، وقد ذكر الله عز وجل حال من يفعل ذلك فقال : (( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون )) ، فهذا النص القرآني وإن كان سبب نزوله هو طواف المشركين بالبيت العتيق عراة ذكورا وإناثا كما جاء في كتب التفسير ، فإن العبرة بعموم لفظها وما يتضمنه من حكم يشمل الجميع لا بسبب نزولها بحيث كل من حاول استخدام القرآن الكريم أو الحديث الشريف لتبرير خروجه عن تعاليم الإسلام، يشمله حكم هذا النص القرآني ويكون إن أقدم على ذلك متقولا على الله عز وجل ، ومفتريا عليه الكذب .
وأمر التمييز بين خدمة الإسلام التي تكون بالتزام تعاليمه ، وبين استخدامه الذي يكون بمخالفتها مع الافتراء عليه بأنه يقر ذلك أو يدعو إليه، يعود إلى أهل العلم بدين الله عز وجل، وليس إلى كل من هب ودب ممن لا يميز كوعا من بوع كما يقال . ولقد كثر أمثال هذا في أيامنا هذه ،وصار الإعلام ينفخ فيهم ، ويصفهم بالخبراء بشؤون الإسلام، وليس لهم في جعبهم ما يؤهلهم لذلك إن هم إلا يظنون ويدعون، وما هم بمستيقنين.
ولا شك أنه إذا لزم أهل العلم بالإسلام الصمت ، فإن الجاهلين به يستغلون ذلك للقول في تعاليمه بجهل ، وبذلك يحصل استخدامه عوض خدمته ، لهذا لا يحسن بأهل العلم السكوت حيث لا يحسن ، ويلزمهم أن يتتبعوا عثرات الجاهلين به لتصويبهم ولوقاية من يقعون ضحايا زللهم من عامة الناس ممن يستخفون وممن تستهويهم تلك العثرات ، فيتابعونهم عليها وهم في غفلة من كونهم يستخدمون الإسلام ولا يخدمونه .
ومعلوم أنه لا عذر لأهل العلم بالإسلام في سكوت لا يحسن بهم على أحوال تمر بالناس وهي تستوجب الأخذ بأيديهم ليكونوا منضبطين مع تعاليم دينهم مطمئنين بأنهم على الصراط المستقيم ،لا يداخلهم في ذلك أدنى شك باعتماد ما يقرره العلماء الذين هم مصدر ثقتهم ولا يراودهم شك أيضا في هذه الثقة .
ولا يضير أهل العلم الصادقين أن يفتري عليهم الجهلة الكذب للتشكيك في مصداقيتهم العلمية ، فإذا صدّق الناس أقوال هؤلاء الجهلة في الحكم على العلماء الربانيين ، فأني لهم بمن يوثق بهم في معرفة دينهم ؟ وإذا لم يصح قول هؤلاء العلماء الذين يخدمون الدين بصدق والمشهود لهم بسعة علمهم فيه ، فهل يصح قول من يستخدمونه من الجاهلين به ؟
وكل عالم أقر من يستخدم الدين لتبرير خروجه عن تعاليمه مهما كان فإنه يفقد مصداقيته العلمية كما يفقد ثقة الناس فيه ،وعند الامتحان يعز العالم أو يهان .
ونختم بالقول إن أحوال الناس مع دين الله عز وجل في هذا الزمان، لا تخرج عن أحد حالين إما باكون أو متباكون عليه ، علما بأن البكاء لا يمكن أن يلتبس بالتباكي كما لا تلتبس خدمته مع استخدامه ،وصدق الشاعر إذ يقول :
وسوم: العدد 908