مواجهةٌ بين حزب الله والجيش... سرُّ "الحمرنة"
يستنتجُ المتابعون للوضع اللبناني ان ثمة "مايسترو" معلوم مجهول، يحرّك الاحداث والملفات وفقاً لما يراه مناسباً، فيما يزداد تحلل مؤسسات الدولة يوماً بعد يوم، مع تخطيها عتبة التحوّل الى دولة مارقة، وسقوط منظومة القيم التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة، واختزال المؤسسات بأشخاص.
فما كان ينقص اللبنانيون في زمن الحجر، سوى زوبعة "مرتضى"، التي بيّنت عمق الازمة التي تعيشها البلاد والعباد، وسط لامبالاة الكثيرين، وانجرار شريحة كبيرة خلف اهوائها وغرائزها، محوّرة الامور خدمة لمصالح ضيقة وتصفية لحسابات شخصية، تعمية عن حقائق ستظهر مهما طال الوقت او قصر.
فبعيداً عن توصيف "الحمرنة" شكلاً ومضموناً، من منطلق قواعد اللغة العربية، حيث صفة "الحمرنة" تجوز "لبني آدم" وليس لمؤسسة، بطبيعة الحال لا تحتاج الى شهادة اي كان، باعتبار تضحية شهدائها ووفاء جرحاها وشرف عسكرييها، اكبر من اي تشكيك او تجريح او تطاول من اي كان، سواء شخص او حزب او منظمة، مهما علا شأنهم، يغيب عن بال الكثيرين حقيقة راسخة، انه منذ ولادته ذات آب، تعاقب على قيادته والخدمة في صفوفه عشرات آلاف العسكريين من كل الرتَب، هم ذهبوا والجيش استمرّ وفياً لشرف التضحية.
في مطلق الأحوال، ما يحصل اليوم ليس بالغريب او غير المنتظر، ذلك انه يوم تحدّث امين عام حزب الله طالباً من المؤسسة العسكرية نشر تحقيقاتها في تفجير المرفأ، جريمة العصر، كان يدرك جيداً ماذا يفعل وماذا سيجني. كان المطلوب ضرب الجيش بالمواطنين، واهالي الضحايا، اولا، وتفجير العلاقة بين الجهازين الامنيين المعنيين بالتحقيق. ولمن يسأل عن الهدف، فإن الجواب واضح ومن دون مواربة، وهو مرتبط بثلاث نقاط اساسية، اثارت ريبة حارة حريك، بعدما كانت اطمأنت الى ما وصلت اليه تحقيقات اليرزة، التي رأى فيها السيد دليل براءة "دويلته"، اما النقاط فهي:
1-قرار الكونغرس الذي تحدّث عن دور لحزب الله، في انفجار المرفأ، والذي بحسب المعنيين جاء مبنياً على معطيات رفعها فريق تحقيق "اف. بي. اي"، إضافة الى تقارير استخباراتية واختبارات اجريت في اكثر من دولة، تمكّنت من رسم خارطة طريق "نيترات الامونيوم" والوجهة النهائية لها. والاهم هنا هو صدور القرار بإجماع النواب الاميركيين من ديمقراطيين وجمهوريين، رغم الانقسام المتحكّم بالمؤسسات الدستورية الاميركية حالياً.
2-التسريبات السياسية والقضائية، عن تطوّر التحقيقات، وافادات شهود ومعطيات، قلبت الامور رأسا على عقب، لجهة اسقاط نظرية "شرقوطة التلحيم"، وصولاً الى كمية النيترات المنفجرة، مروراً بالدعاوى القضائية التي رفعها الحزب، والأزمة التي نتجت عن ادعاءات القاضي صوان ،التي تخرج الموضوع من اطار الاهمال.
ولعل ابرز التصاريح هي تلك التي ادلى بها "غرندايزر" السراي وعاد وتراجع عنها، رغم وجود تسجيلات بالصوت تؤكد ما قيل. وما قاله رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، والذي يصبّ في نفس الاتجاه.
3-توصل الصحافة الاستقصائية والاعلام الى نتائج ملفتة، بمجهودها الخاص، صبّت كلها في اتجاه معين، في حال ثبتت صحته سيضع الحزب والدولة في موقف حرج، لن تتوقف حدود تداعياته داخلياً بل ستكون له نتائج دولية، خصوصاً مع وصول الرئيس بايدن الى البيت الابيض.
4-الدعم والتعاطف الشعبيين الكبيرين اللذين يحظى بهما المحقق العدلي القاضي فادي صوان، فضلاً عن وقوف عدد كبير من القضاة الى جانبه.
ماذا يعني كل ذلك؟
كان من الطبيعي ان يبادر الحزب الى القيام بهجوم استباقي لاحداث ثغرات تسقط التحقيق وتغرقه في عملية تشويش كبيرة، تؤدي الى تمييع الجريمة، تمهيداً لطمسها، لاسباب يعود للمحقق العدلي وحده كمشها.
من هنا، بادر حزب الله بالمباشر وبالواسطة الى التحرك، اولا، بالتصويب على الجيش، عبر قائده، تزامنا مع جوقة المحرضين، فيسقط الجيش في مواجهة، مع الاعلام من جهة، ومع القضاء من جهة اخرى، وثانياً، استمرار الهجوم المركز ضد مجلس القضاء الاعلى والمحقق العدلي، بدعم من طبقة تتلطى خلف حصانات يفترض ان تسقط امام ضخامة الجريمة، اما ثالثا، فحملة معروفة المصدر افتتحتها اعلامية معروفة الانتماء والارتباط الامني، نبشت خلالها ملفات سابقة مرتبطة بعمليات تهريب سلاح، في محاولة لربطها بملف "روسوس" تزامنا مع صحوة قضائية وصدور قرارات في ملفات عالقة منذ سنوات، في هذا المجال.
ولكن ثمّة سؤال مهم يُطرح هنا. كيف علم السيد نصرالله بمضمون تحقيق الجيش اللبناني، ومن المسؤول عن تسريبه لحزب الله، الذي بنى خطته الهجومية على اساسه؟ درجت العادة على التبرير بأن ضرورات التنسيق في بعض الامور التي تخص المقاومة وحزبها تفترض اطلاعها على امور ذات طابع سري. ولكن ما هي الضرورة المتوجبة في ملف المرفأ، طالما ان الحزب غير معني لا من قريب ولا من بعيد؟ أوليس الاجدر اطلاع اهالي الضحايا والمتضررين على حقيقة ما جرى؟
امام هذه الواقعة ولاعادة الامور الى نصابها على القاضي صوان، وقبله النيابة العامة التمييزية، ضم هذا الملف المستجد الى اساس القضية، تمهيدا لاتخاذ المقتضى القانوني.
"اذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب"... قاعدة ذهبية في هكذا وضع، وفقاً "للشاطر حسن" لكن مهلاً، يقول المثل "من حفر حفرة لاخيه وقع فيها"... و"طب الجرة عا تمها بطلع الاجهزة لامها"... فما هي الورقة المستورة لرضوان مرتضى؟ هي قصة ابريق الزيت.
وسوم: العدد 912