(يأجوج ومأجوج) واحتلال العراق!
عرض لكتاب.. لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه
بمناسبة مرور ثمانية عشر عاما على الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 فإننا نورد الحقائق التالية من خلال الكتاب: (لو كرّرت ذلك على مسامعي فلن أصدّقه) تأليف: جان كلود موريس.
لم يصدم كتابٌ الرأي العام في فرنسا مثلما صدمه كتاب (جون كلود موريس) الذي بدا كالصاعقة على القارئ الفرنسي بخاصة والأوربي بعامة، ولا سيما أن ترجمتيه إلى الإنجليزية والإسبانية صدرتا في نفس الوقت، الكتاب يحمل عنوان: "لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه" للإعلامي الفرنسي الشهير "جون كلود موريس"، ليتحول من مجرد كتاب توثيقي إلى أكبر فضيحة سياسية يمكن أن تعري الأسباب الحقيقية وراء احتلال العراق، ووراء كل هذا الدمار الشامل الذي ألحقه جورج دبليو بوش نيابة عن الصهاينة في العراق: كل العراق.
فقد جاء في كتاب (جون كلود موريس) الذي كان يعمل مراسلاً حربياً لصحيفة (لو جورنال دو ديماس) من 1999 إلى 2003. ويتناول في كتابه هذا أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكي (جورج بوش الابن) والرئيس الفرنسي السابق (جاك شيراك)، يقول المؤلف الذي يسلّط فيه الضوء على أسرار الغزو الأمريكي للعراق: (إذا كنت تعتقد أن أمريكا غزت العراق للبحث عن أسلحة التدمير الشامل فأنت واهم جداً، وأن اعتقادك ليس في محلّه)، فالأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الغزو لا يتصوّرها العقل، بل هي خارج حدود الخيال، وخارج حدود كل التوقّعات السياسية والمنطقية، ولا يمكن أن تطرأ على بال الناس العقلاء أبداً. فقد كان الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) من أشدّ المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وهو مهووساً بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس في المعتقدات الروحية المريبة، وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة، وفي مقدّمتها (التوراة)، ويجنح بخياله الكهنوتي المضطّرب في فضاءات التنبّؤات المستقبلية المستمدّة من المعابد اليهودية المتطرّفة.
وقال في مقدمته الكتاب إنه لن يحاول تبرير أي شيء، بل يسعى إلى تقديم الحقائق العارية من الزيف، والقول للعالم الغربي المتحضر: إن احتلال العراق أكبر فضيحة اشترك فيها الجميع تحت مطية "الدفاع عن الديمقراطية" وتحت مطية "البحث عن أسلحة الدمار الشامل" بينما الحقيقة الصادمة هي أنها حرب تحمل الصبغة الدينية المسيحية الصهيونية الأكثر عنفا وتطرفا لا أكثر ولا أقل"! (1)
حرب وفقاً لـ "نبوءات" التوراة والإنجيل!!
يعرض الكاتب الفرنسي "جون كلود موريس" بمنتهى الجرأة ما يسميه واقعة خطيرة تتمثل في المكالمات الهاتفية التي جرت بين البيت الأبيض الأمريكي وقصر الإليزيه الباريسي بين عامي 2002 و2003 الميلاديين، فكان جورج دبليو بوش يتصل بالرئيس الفرنسي جاك شيراك بمعدل مرتين في اليوم، ليحثه على ضرورة المشاركة في الحرب القادمة على العراق! (ص 39) فيقول المؤلف في حديث مسجل له مع الرئيس الفرنسي (جاك شيراك)، أن الأخير قال له: (تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع 2003 فوجئت فيها أنه يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق مبررا ذلك بتدمير آخر أوكار يأجوج ومأجوج مدعيا أنهما مخبتان الآن في الشرق الأوسط قرب مدينة بابل القديمة، وأصر عليه في الاشتراك معه في العمليات الحربية التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس التي أكدت عليه النبوءات التوراة والإنجيل). وأنه ــ وهذا الأخطر ــ لا يؤمن بأهداف غير تلك التي تصب في خدمة المصالح اليهودية الأكثر تطرفا، والتي ببساطة تحاول القضاء على من يخالفها في العقيدة، وفي الرأي، وفي التفكير، وفي الوجود ككل. فقد كان جورج دبليو بوش يهوديًا في تفكيره إلى أبعد حد! (ص 95) ناهيك عن أنه كان يقول للمحيطين به بأنه يتلقى "رسائل مشفرة من الرب.
فما كان يبحث عنه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش نيابة عن حلفائه الأقرب إلى قلبه (اليهود) لا علاقة له بالأسلحة، لقد كان يبحث ــ نيابة عن إسرائيل ــ عن "يأجوج ومأجوج"!! إنها الحقيقة الأغرب التي يمكن العالم أن يتخيلها!" (ص 69)، ويقول شيراك: (هذه ليست مزحة فقد كنت متحيرا جدا بعد أن صعقتني هذه الخزعبلات والخرافات السخيفة التي يؤمن بها رئيس أعظم دولة في العالم ولم أصدق في حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة ويحمل هذه العقلية المتخلفة ويؤمن بهذه الافكار الكهنوتية المتعصبة والسخيفة (ص 125).! التي سيحرق بها الشرق الأوسط ويدمر مهد الحضارات الإنسانية. ويجري هذا كله في الوقت الذي صارت فيه العقلانية سيدة المواقف السياسية ...الخ).
وتعني يأجوج ومأجوج هم بالمفهوم الغربي فردين من زعماء الكفر يظهران آخر الزمان ويقاتلان شعب الله المختار (اليهود) حسب زعمهم!؟ وجاء ذكرهم في القرآن الكريم في قصة ذي القرنين.
(إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الكهف: 94.
بوش ومسؤولية الدمار الشامل في العالم!
يحمل الكاتب مسؤولية هذا الدمار للرئيس الأمريكي كأهم مناد للحرب "الإيمانية المقدسة" التي إن لم تلتحق بها فرنسا جاك شيراك وقتها، فقد لحقت بها بريطانيا بزعامة "توني بلير" الذي يقاسم بوش رغيف تلك الخرافات الدينية الكهنوتية، مثلما لحقت به دول غربية أخرى مثل أستراليا وكندا الخ، متسائلا: هل يمكن للشعوب الأوربية أن تستوعب هذه الفضيحة الكهنوتية باسم تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ بأن يخوض رئيس أكبر دولة في العالم حرب الإبادة ضد شعب في قارة أخرى بحثا عن يأجوج ومأجوج، وأن الدمار الذي لحق الأفراد والمؤسسات في العراق كان لهذا السبب؟ هل يمكن للشعوب في أوربا أن تتسامح مع هذا المد المميت من القتل الجماعي العمد لأسباب دينية مبنية على التطرف والتعصب والخرافة؟ وإذا بقيت الأسئلة بلا إجابة باستمرار احتلال العراق، فإن الحرب التي خاضها جنود الاحتلال ضد المدن العراقية التاريخية مثل "بابل" تعكس ما ذهبت إليه بعض الصحف البلجيكية عام 2006 عندما تكلمت عن أن عشرات الخبراء اليهود ذهبوا إلى العراق لأسباب "كهنوتية" وأن الاعتقاد الذي ساد وقتها هو أنه يتم البحث عن "التابوت" لكن الواقع أنهم كانوا يبحثون عن "يأجوج ومأجوج" الذي قد يكتشفونه في دولة عربية وإسلامية أخرى لاحتلالها وتدميرها تدميرا كاملا يجعل من أفرادها "عبيدا لليهود"! ولكنهم لم يعثروا على يأجوج ومأجوج في بابل، ويزعمون أنهما فرّا هربا نحو الشرق ويتنقلان الآن بين إيران وأفغانستان وباكستان.
ثم يتابع المؤلف.. إن الطائفة المسيحية التي ينتمي إليها بوش هي الطائفة الأكثر تطرفا في تفسير العهد القديم التوراة.. وتتمحور معتقداتها حول ما يسمى بالمنازلة الخرافية الكبرى.. ويطلقون عليها اصطلاح الهرمجدون.. وهي المعركة المنتظرة التي خططت لها المذاهب اليهودية المتعصبة.. واستعدوا لخوضها في الشرق الأوسط... وكان سفهاء البنتاغون الذين امتلأت قلوبهم بالحقد والكراهية ضد الإسلام والمسلمين وشحنت صدورهم بروح الانتقام يجهدون أنفسهم بمراجعة الكتب السماوية المحرفة.
وبصرف النظر عن مدلول الكلمة (الهر مجدون).. فأنها ترمز إلى الحرب العدائية التي تخطط لها أمريكا وزبانيتها.. وهي عقيدة فكرية شاذة ولدت من ترهات الأساطير الغابرة.. وانبعثت من رماد النبوءات الضالة.. فهي عقيدة شريرة خطيرة ومعدية تغلغلت في قلب أكثر من 1200 كنيسة أنغليكانية.. والهرمجدون أكذوبة كبرى رسّخها أعداء الإسلام في وجدان الأمة الأمريكية حتى أصبح من المألوف جدا سماع هذه الكلمة تتردد في تصريحات الرؤساء والقادة في القارتين الأوربية والأمريكية.
وفي نهاية الكتاب يقول المؤلف: أنه من المؤسف له أن نرى كوكب الأرض في الألفية الثالثة تتحكّم به الكاهنان والساحرات وتتلاعب بمصيره التعاليم الوثنية المنبعثة من أوكار المجانين والمتخلّفين عقائدياً وعبيد الشيطان.
أهداف الغزو الامريكي البريطاني للعراق
والذي يهمنا في هذا الصدد أن الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) ورئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) ومن ورائهما الصهيونية العالمية قد خططوا مسبقا لاحتلال العراق للسيطرة على ثرواته وخيراته خاصة النفط الذي يشكل العراق أعلى مخزون استراتيجي له في العالم. وكذلك لتأمين الحماية والأمن لعمليتهم وصنيعتهم (إسرائيل) التي غرسوها في قلب العالم العربي وعلى بقعه مقدسة ومباركة فيه، وذلك بحجج واهية منها أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويتعاون مع الإرهاب وتنظيم القاعدة وله صلة بأحداث 11 سبتمبر/ ايلول 2001 في أمريكا والتي اثبتت الوقائع كذب هذه الادعاءات جملة وتفصيلا وحتى على لسان كبار مسؤوليهم ومنها تصريح وزير الدفاع الأسبق( كولن باول) واعتذاره عن هذه الأكاذيب التي ارتكبها في 5/2/2003 في مجلس الأمن عندما قدم عرضا استمر نحو سبعين دقيقة ما ادعاه زورا وبهتانا عن وجود (حقائق دامغة وأدلة لا تقبل الشك!) لامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وتعاونه مع القاعدة، وذلك في محاولة لإقناع المجتمع الدولي والرأي العام الأمريكي لتبرير شن الحرب على العراق، والتي أثبتت الأحداث بعد احتلاله في 9/4/2003 كذبها وعدم مصداقيتها جملة وتفصيلا. مما جعل كولن باول يعتذر عن ذلك لاحقا مبررا ذلك بالتقارير الكاذبة التي رفعتها له وكالة الاستخبارات المركزية CIA)) (2).
وحتى (جورج بوش) نفسه أقر وبتلعثم شديد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وذلك في 16/10/ 2004 بعد صدور تقرير فريق التفتيش الأمريكي الذي يضم 1200 خبيراً ومفتشاً تابعين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والذي أسماه (Iraqi survey group) فتشوا العراق شبرا شبرا وعلى مدى 18 شهر بعد احتلاله لم يعثروا على ما ادعوه (3).
لقد ادعى جورج بوش وزمرته من المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري أنهم جاءا لإنقاذ الشعب العراقي من الدكتاتورية ولحماية حقوق الانسان ونشر الحرية والديمقراطية وغير ذلك من الشعارات والادعاءات الكاذبة والتي لم يتحقق منها أي شيء بعد مرور ثمان عشر عام على هذا الغزو البربري والاحتلال الغاشم لهذا البلد العريق بلد الحضارات، غير الخراب وتدمير بناه التحتية وتمزيق الشعب العراقي وزرع الفتن وآثارة النعرات الطائفية والعرقية، وسلب ثرواته، وتسليم البلد الى إيران وعملائها لتعيث به فسادا.
لقد قامت منظمات إيرانية باغتيال 182 طيارا ممن شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية ثأرا وانتقاما، واغتيال العلماء والمفكرين والأئمة والأعلام من الشيوخ والدعاة، ولم تحرك سلطة الاحتلال الامريكي ساكنا بالرغم من معرفتها بمجريات هذه الأحداث الخطيرة وهي كسلطة احتلال مطلوب منها المحافظة على الارواح فتكون بذلك مشاركة بهذا العمل الإجرامي وغيره من الكثير فكأنه يجري بموافقتها وتشجيعها! (6) .
لقد ارتكبت أمريكا في احتلالها للعراق أبشع الجرام واستخدمت كل الاسلحة المحرمة دوليا في أبادة بشرية جماعية لم تحدث في التاريخ، وشجعت على انتشار العصابات والمافيات من كافة الاتجاهات ومنها تنظيمات القاعدة (وما يسمى بدولة العراق الإسلامية) والتي كان العراق خاليا منها قبل الاحتلال، لتشويه الإسلام ودعاته المخلصين والمقاومة الوطنية واتخاذها كحجة وشماعة للقيام بأعمالها الوحشية بحجة القضاء على الارهاب، والاعتقالات الكثيرة والتعذيب لعشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء وسوء معاملتهم بتهمة الإرهاب ومقاومة الاحتلال.
إننا بحاجة إلى مراجعة تاريخ أمريكا التوراتي.. ومناقشة مدى تأثرها بالخرافات الصهيونية الشيطانية.. وتعصبها لها أكثر من اليهود أنفسهم.. وبات من الضروري أن يعرف المخلصين حقيقة تلك العلاقة الدينية والتاريخية بين اليهود وأمريكا التوراتية.. ويدركوا أن كل هذه الحروب الاستباقية التي تخوضها أمريكا ضد المسلمين والمؤامرات التي تحاك من أجل تدميرنا ونهب ثرواتنا وتمزيق وحدتنا من خلال زرع الفتن وإثارة النعرات الطائفية المسيسة.. ومحاولة إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.. وتأمين وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.
________
د. ناجي خليفه الدهان / دكتوراه في العلوم السياسية، علاقات دولية، باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية.
المراجع
- جان كلود موريس، لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه، مركز صقر للدراسات الاستراتيجية، http://www.saqrcenter.net/index.php?p=1726
2.إعتذار كولن باول عن أكاذيبه Powell: CIA should answer for faulty WMD intel
http://www.politico.com/news/stories/0211/49718.html#ixzz1sTddjYag
- التقرير النهائي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بخلو العراق من اسلحة الدمار الشامل
CIA’s final report: No WMD found in Iraq
- مجلة المرابط الراصد، دار الراصد للطباعة والنشر، نقلا عن وثائق ويكيليكس.
http://www.alrassedonline.com/2010/12/182.html
- جون كلود موريس / لو كررت ذلك على مسمعي فلن أصدقه كتاب يصدم القراء عن حقيقة غزو العراق
- جان كلود موريس / الكتاب: (لو كرّرت ذلك على مسامعي فلن أصدّقه) http://www.odabasham.net / رابطة ادباء الشام
- الدكتور محمد جميل الحبال / Email: [email protected]
وسوم: العدد 913