اليوم العالمي لحقوق المرأة فرصة المرأة المسلمة لتقصي حقوقها في الكتاب والسنة
اليوم العالمي لحقوق المرأة فرصة المرأة المسلمة لتقصي حقوقها في الكتاب والسنة حذر الانزلاق في نشدان الحقوق الوهمية والمشبوهة في غيرهما
من المعلوم أن من يلج حظيرة الإسلام يلزمه ما يلزمه به ولوجه إليها . ومما يلزمه قول الله تعالى في محكم التنزيل : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا )) وقوله أيضا : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم )). وبموجب هذين النصين يتعين على كل مؤمن أن يعتقد اعتقادا جازما لا يخامره أدنى ارتياب أن ما قضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم له هو عدل، وقسط، وتكريم ،وتشريف . ومن شك أو شكك في ذلك أو اختار قضاء غيرهما أو قدمه عليهما ، فعليه أن يراجع انتماءه إلى حظيرة الإسلام، لأن الله عز وجل حسم بنفى قاطع أن يكون له الخيرة في أمره بين قضائه سبحانه وتعالى وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم وبين قضاء غيرهما لأن ذلك تقديم بين يديهما قد نهى عنه جل جلاله .
وإذا كان لا بد أن تنخرط المرأة المسلمة في وقفة مع نساء العالمين مع حلول اليوم العالمي لحقوق المرأة في مثل هذا اليوم من كل سنة ،فعليها أن تستعرض ما جعل لها خالقها سبحانه وتعالى من حقوق في كتابه الكريم، وفي سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . وإذا ما التمست ذلك فإنها ستجد أنها قد أعطيت من الحقوق ما أعطي شقيقه الرجل بدءا بالتكريم الذي خص به الله تعالى الجنسين معا في قوله : (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) . وآدم عليه السلام خلف ذكورا وإناثا كلهم مكرم ،ومحمول برا وبحرا ،وله حظه من الطيبات ، كما له حظه من التفضيل على كثير مما خلق الله عز وجل . ويكفي هذا للدلالة على حقها المكفول في التكريم .
وتجد المرأة المسلمة أيضا أن المفاضلة بين الجنسين في كتاب الله عز وجل أساسها التقوى لا غير مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ،والمخاطبون بهذا الخطاب هم عموم الناس ذكورا وإناثا . وكل مفاضلة خارج إطار هذه المفاضلة مردودة ومرفوضة في دين الإسلام . وهذا أيضا يكفي كدليل على حق المرأة المسلمة في التفاضل على أساس تقوى الله عز وجل لا على أسس غيرها مما يتفاضل به من ابتدع الناس وفق أهوائهم .
ومن الأدلة على اعتبار تقوى الله عز وجل في التفاضل بين الناس ذكورا وإناثا ذكر الله تعالى نموذجين من النساء اللواتي لا تقوى لهن، وهما امرأتا النبيين الكريمين نوح ولوط عليهما السلام ، وفي المقابل ذكر نموذجين من النساء المتقيات ،وهما مريم بنت عمران عليها السلام ، وامرأة فرعون عليها الرحمات ، وذلك في قوله تعالى : (( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين )) . هذان مثلان ضربهما الله عز وجل واحد للكافرين وآخر للمؤمنين لبيان أن المرأة حرة في اختيار اعتقادها ،وأنها ليست بالضرورة تابعة لزوجها في اعتقاده ، وأن مصيرها في الآخرة يتوقف على تقواها فقط دون اعبارات أخرى ، ذلك أن امرتي نوح ولوط عليهما السلام لم تغن عنهما علاقتها الزوجية بنبيّين كريمين ، كما أن امرأة فرعون عليها الرحمات لم تضرها علاقتها الزوجية بأعتى كافر على الإطلاق والذي ادعى الألوهية من دون الله عز وجل استكبارا وطغيانا ، كما أن مريم ابنت عمران عليها السلام التي قضى الله عز وجل ألا يكون لها زوج ، وقد رفع بذلك من قدرها بين نساء العالمين أدركت مكانتها عنده سبحانه وتعالى بتقواها لا باعتبار آخر .
ولا يمكن أن تخرج نساء العالمين عن نموذج امرأتي نوح لوط عليهما السلام وعن نموذج امرأة فرعون عليها الرحمات ، ومريم العذراء عليها السلام ، وبيان ذلك أن المرأة إما أن تكون متقية أو تكون دون ذلك ، فإن كانت متقية ، فهي إما أن تكون ذات زوج أو تكون دون زوج ، فإن كانت متزوجة، فهي إما أن يكون زوجها متقيا مثلها أو يكون دون ذلك ، وما يجعل لها قدرا عند خالقها سواء كانت بزوج تقي أو بزوج غير تقي أو كانت دون زوج هو تقواه لا غير .
وحقوق المرأة المسلمة إنما تنال بواجب التقوى ، ومن التقوى أن تقر عينها وترضى بما شرع الله عز وجل لها دون ارتياب أو شك في عدالة ما شرع لها . وإذا ما خامره شك أو شككت من طرف غيرها في ذلك، فإنها تكون حينئذ قد قصرت في واجب التقوى ، ومن ثم تكون قد عرضت حقوقها للضياع .
ومعيار حصولها على حقوقها هو أن تعرض حالها على كتاب الله عز وجل وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن وجدت في حياتها وواقعها أنها محرومة من حق من الحقوق المثبتة في الكتاب والسنة، فلتعلم علم اليقين أن حرمانها منه راجع إلى تعطيل ما فيهما من تنصيص عليه وليس راجعا إليهما.
وغالبا ما تعاني المرأة المسلمة من ضياع حقوقها المنصوص عليها في الكتاب والسنة بسبب جور يقع عليها من أب أو زوج أو قريب ... أو من المجتمع الذي لا يصون حقوقها تلك المنصوص عليها في الكتاب والسنة .
والمجتمع المسلم قد يقع في تجاذبات مجتمعات غير مسلمة يكون لها تصورها الخاص لحقوق المرأة وفق معتقداتها وثقافاتها الخاصة بها ،فتفرض عليه تلك الحقوق بقوة غلبتها وتسلطها وقهرها ، فيعدل عن حقوق المرأة كما ضمنها الإسلام لها، ويحل محلها حقوقا مفروضة عليه تحت الضغط والإكراه .
ومما تعتمده تلك المجتمعات لتعميم ما تراه حقوقا للمرأة أسلوب المساومة عن طرق الضغط والإكراه والاتهام والحصار... كما هو الشأن اليوم بالنسبة للمجتمعات العلمانية التي تريد فرض عولمة علمانيتها على المجتمعات المسلمة ، وهي تستخدم لذلك طوابيرها الخامسة التي أعدتها لهذا الغرض والمبثوثة في المجتمعات المسلمة لتضطلع بأسلوب التشكيك والطعن في الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة و انتقادها واتهامها بالجور والقصور مع المطالبة بالعدول عنها إلى بديل الحقوق العلمانية التي تزعم أنها تضمن للمرأة كل حرياتها .
ومن المؤسف أن تلك الحريات المزعومة و التي تسوقها طوابير العلمانية الخامسة المستأجرة في المجتمعات المسلمة تصيب في الصميم حق المرأة في التكريم الذي خصها به الله عز وجل، ونسوق كأمثلة على ذلك ما يسمى بالحق والحرية في العلاقة الجنسية الرضائية ، و الحق والحرية في العلاقة الجنسية المثلية ، و الحق والحرية في الإجهاض، وكفى بهذه آفات خطيرة تنسف كرامة المرأة نسفا .
وإذا ما قال قائل أوليس في العلمانية ما يصون حقوق المرأة ؟ قلنا له كل حق قد يوجد في العلمانية أ و في غيرها عليه دليل من الكتاب والسنة ،هو حق لها والدليل على ذلك أن الإسلام أقر من حقوقها ما كان لها في الجاهلية عملا بمبدأ تتميم مكارم الأخلاق الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومبدأ آخر يعتمده الإسلام هو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبناء على هذا كل حق للمرأة يوجد في غير دين الإسلام ،وهو منسجم مع ما شرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه مباح لها ومن حقها، ولا مزايدة في ذلك على دين الله عز وجل .
ودون الخوض في الجدل البيزنطي العقيم فيما ينسب إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من هضم لحقوق المرأة المسلمة ، ندعوها دعوة نصح صادق بأن تتحرى حقوقها فيهما بوعي وروية ودون تسرع أو ميل مع أصحاب الأهواء المغرضة المستهدفين لدينها الحنيف . ولها أن تطالب بكل حق جعله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لها فيهما ، ولها أن تطالب أيضا بكل حق مباح لها في غير دين الإسلام إن وجد شريطة ألا يتعارض مع شرع ربها .
وكل عام والمرأة المسلمة مكرمة التكريم الذي خصها به خالقها سبحانه وتعالى وهو أغير عليها في ذلك من الخلق ، وموفقة بإذنه إلى ما فيه خيرها في العاجل والآجل .
وسوم: العدد 919