حذار يامصر! إذا تمزّقت الأسرةُ سقط المنزل خرابا !
حذار يامصر!
إذا تمزّقت الأسرةُ سقط المنزل خرابا !
حمّودان عبد الواحد
كاتب عربي يقطن بفرنسا
الصحافة عموما والفضائيات خصوصا في مصر أصبحت اليوم في أغلبها منحازة وبعيدة عن المهنية ولا تنشر إلا ما يوافق الموقف الرسمي في إرادة منها لإقصاء الرأي الآخر والمواقف المعارضة. ويبدو أن باسم يوسف قد ملّ في الأخير من هذه اللعبة التي شارك فيها بطريقته الساخرة ، لكن استُغِلّتْ في وقتها سياسيا حتى تمّ عزل الرئيس محمد مرسي المنتَخب ديموقراطيا، ووصمها ب " القذرة " حين شن " هجوما حادا على الإعلام المصري في ندوة بأمريكا وقال بأن الصحف المصرية والفضائيات لا تنشر سوى القاذورات " ( اليوم السابع ، 26/12/2013 )
للأسف الشديد هذا هو واقع الإعلام المصري عموما في الوضع الراهن. صحيح أننا حين نرى ونسمع على اليوتوب.كم كلاما من نوع ذاك الذي تجرّأ على التصريح به محمد صبحي في " أول ظهور يطلب من السيسي بأن يغلق على مصر ويقتل الناس عشوائيا مثل ما حدث في أمريكا " لا نملك إلا أن نعترف بأننا أمام مثال لِما سمّاه باسم يوسف ب " القاذورات ".
إنّ الأمثلة لكثيرة ويسهل رصدها دون جهد وتعب على شبكة الإنترنت التي تزخر بهذه " القاذورات " المبثوثة على الفضائيات المصرية المروّجة لأفكار يندّ لها الجبين.
يالها من فكرة ، وياله من عبقري ! وفي أيّ خانة من خانات العنف يمكن تصنيف طلبه هذا ؟ هل هو دعوة إلى البناء أم إلى الهدم؟ هل هو صوت العقل والرشد أم صوت الجنون والحقد؟ هل هو تعبير عن رؤية متزنة وفكر عميق أم تعبير عن شطحة هوجاء وسخيفة لنفسٍ ضعيفة مسها الخور والخلل؟
بصراحة، عندما رأيت وسمعتُ بنفسي هذا الرجل وهو يطالب - في راديكالية مطلقة وديماغوجية متهوّرة مفضوحة - أجهزة الشرطة والأمن بتطبيق " رقمه السِّرْكي " على أرض الواقع ، انتفض بدني وأخذتني قشعريرة غريبة . هل يكون مظهر شاهين قد تأثر بوعي أو دون وعي بالإيديولوجية النازيّة القائمة على مبادئ التمييز بين البشر والتفرقة بينهم على أسس عرقية ودينية تقول بحتمية إقصاء الآخر من الوجود انطلاقا من عقيدة التفوّق عليه والسيادة العليا على الجميع ؟ لم أمنع نفسي من التفكير في المحرقة اليهودية التي ذهبت ضحيتّها أعدادٌ هائلة من الأبرياء على أيدي النازيّين المجرمين. والكلّ يعرف أن نظام هتلر كان قد اعتمد طريقة في التعرف على اليهود قائمة على تمييزهم بوشم أرقام على مناكب أيديهم وإلصاق نجمة داوود على ملابسهم ووضع علامات خاصة على أبواب بيوتهم وحيطانها. وكان يعتمد أيضا على وشاية الناس بكل من ينتسب إلى اليهود، وبالطبع قبِل الكثير من البشر في أوروبا آنذاك بجرّ إخوان لهم في الإنسانية من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة وشباب إلى سجون المجرمين ولم يُحرّكوا ساكنا لاستنكار الاعتقالات والتنديد بالممارسات الهمجية والجرائم الفظيعة. لكن كثيرا من ذوي الرؤية الإنسانية الحية والنظرة الأخلاقية الحكيمة فضلوا رفض الظلم ودافعوا في شجاعة نادرة عن المضطهَدين بأفكارهم وأموالهم واستمرّوا على هذا النهج السامي، مخاطرين في أغلب الأحيان بأنفسهم وذويهم، إلى أن تحرّرت بلدانُهم وأوطانهم من قبضة النازيين.
بالتأكيد ، حكام مصر الحاليون ليسوا نازيّين ، لكن من واجبنا أن نحذّرهم من ترك أفكار مظهر شاهين وأمثاله واقتراحاتهم المرفوضة دون اتخاذ موقف جدّي وحازم منها لأن الصمت عليها يمكن أن يُفسّر بالمصادقة عليها أو الاتفاق معها. إنّ مصر تواجه تحدّيات تاريخية كبرى وعلى كلّ القائمين بشأنها السياسي أن يكونوا في مستوى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية الملقاة على عاتقهم. ولا يحقّ لأحد كيفما كان شأنه ومهما كان مقامه أن يدعو أو يسكت على دعوات شبيهة بتلك التي عشّشت وفرّخت وترعرعت حتى أصبحت غولا شرسا في عهد " محاكم التفتيش " الإسبانية الكاثوليكية أو زمن " النازية " الهتليرية.
هل يريد القارىء مثالا آخر مؤسفا جدا على المستوى المنحط الذي وصلت إليه مواقفُ بعض الشخصيات الرمزية في الحياة الدينية (عفوا السياسية) التي تروّج لتكريس الفتنة والانقسام وتفتيت البيت المصري؟ نقلت عدة مواقع إخبارية يوم 29/12/2013 عن موقع التلفزيون المصري أنّ مفتي مصر السابق، الشيخ علي جمعة، في مقابلة مع الإعلامي عماد الدين أديب، وصف الإخوان المسلمين باليهود القائلين ب “أنهم شعب الله المختار”، لأنهم يرون أنفسهم أفضل من الجميع ". كما يرى أن كيان الجماعة '' سيذهب بها إلى دين مواز '' حسب ألفاظه.
أتسائل بجدية وقلق واحتراق – ويشهد الله أني أتمنى كل الخير والسعادة للمصريين على اختلاف أفكارهم وانتماءاتهم السياسية والدينية – ويدي على قلبي خوفا من أن ينزلق حكامُ مصر في رهانهم الوحيد على الخيار الإقصائي والأمني، بالبلاد والعباد إلى الهاوية: هل من شأن هذه المواقف الهجومية والأفكار اللامعقولة والفاسدة والتصريحات الانفعالية التحريضية أن تساعد الوطن المصري على أن يجتاز أزمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخانقة ويتقدم، ولو قيد أنملة، إلى الأمام؟ هل هي فعل إيجابي؟ أم أنها تندرج في إطار عملية هدم كبيرة وحرق شامل سيذهب بالأخضر واليابس، وأصحابُها يظنون أنهم يحسنون صنعا؟
أذَكّر الطرف القوي في مصر، ويقيني أن فيه عقلاء وشخصيات نيّتها حسنة لكنها مترددة أو خائفة من الاتهامات التي قد توَجّه إليها إن قامت بانتقاد النهج السياسي الخاطىء الذي تسير عليه حكومة السيسي ورفاقه اليوم، بهذا الصوت الفرنسي ( شاطو بريان 1768 -1848 ) المذكّر بالطبيعة التي جُبِلت عليها النفسُ الإنسانية لَمّا ترفض قانونَ الغاب وتسعى بكل الوسائل إلى محاربته وإسقاطه لمّا تكثر المطاردات وتستمر وتطول : " يدفعني تهديدُ القوي دائما إلى الانتقال إلى صف الضعيف ". وأناشد أصحابَ الإرادات الصادقة والرؤية المستقبلية البعيدة أن يفعلوا كلّ ما بوسعهم حتى لا تتحول مصر الموقّرة الغالية إلى مختبرٍ لتطبيق إحدى التجارب المأساوية الشنيعة التي كان الديكتاتور البرتغالي أنطونيو دي أولفْيِرَ سالازار ( 1889-1970 ) على علم ملموس وواقعي بها عندما قال : " حين تتمزق الأسرةُ يسقط المنزل خرابا ".