هل يدعم الفقه التغيير؟
م. عبد الله الدمياطى
في اللغة العربية، كلمة (الفقه) تعني الفهم العميق، ومطلق الفهم، وفهم غرض المتكلم من كلامه. والفقه هو فهم الشيء وبهذا المعنى وردت كلمة الفقه في القرآن الكريم منها مثلاً ( وجعلنا على قلوبهم أكنة، أن يفقهوه وفي أذانهم وقرا...) ونصيحة شعيب عليه السلام لقومه الذين يغشون في الموازين وردهم عليه ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) أي لا نفهم ما تقول/ وقوله تعالى: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وقوله تعالى: ( أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) أما الاصطلاح الشرعي لها: معرفة الأحكام الشرعية العمليةـ التي تتعلق بأفعال البشر المستنبطة من الكتاب والسنة.
إنه اجتهاد بشري في إدراك الأحكام المنزلة، ووصل تلك الأحكام بأحوال العباد، إنه فهم بشري وفقه إنساني يحتمل القبول والرفض الصواب والخطأ، التبديل والتغيير، بكلمة واحدة يحتمل "النقد" فالفقه هو كسب المسلمين في فهم الإسلام وتطبيقه وتنزيله في كل واقع معين، ولا حظ له من الخلود، لا سيما أن أطر الحياة وظروفها قد تبدلت بابتلاءات التاريخ، إن الفقه السياسي الإسلامي ما هو إلا تعبير عن (فهم) فقهاء المسلمين في مرحلة تاريخية ما للنص الديني الإسلامي، ومحاولة تنزيل هذا الفهم وتطبيقه على واقع العباد، مستنبطين بذلك لمجموعة من الأحكام الشرعية التي تتناول قضايا سياسية متعلقة بنظم الحكم وإدارة الدولة، وعلى ذلك بوسعنا النظر إلى الفقه السياسي الإسلامي بوصفه منظومة من الأحكام والمبادئ التي على أساسها يقوم البناء النظري لنظام الحكم في الإسلام، قد قدم الفقه الإسلامي خلال مسيرته التاريخية مجموعة من المبادئ والمعايير التي أسهمت في تشكيل الثقافة السياسية للمجتمعات العربية، والتي أنتجت لنا قيما وتصورات وآليات تتعلق بالحياة السياسية العربية، وبالنظام السياسي وطريق الحكم وبالعلاقة التنظيمية التي تجمع بين الحاكم والمحكومين ودور المحكومين تجاه الحاكم.
ويبقى السؤال هل يدعم الفقه التغيير ؟ أم أن التراث الذي خلفه لنا الفقه السياسي الإسلامي لا يدعم إلا إيديولوجيا التراجع والتضييق على الحريات؟
إن المعروف أن التراث الديني خاصة التراث الفقهي المتداول في البيئة الاجتماعية والثقافية للعالم الإسلامي بصورة عامة لم يزل يملك سلطة التوجيه والوصاية ويكتسب مشروعيته في الوصاية والتوجيه من كونه لم يزل في العقل الجمعي والعقلية الثقافية الإسلامية يتميز بالطابع المقدس اليقيني المطلق غير القابل للنقد أو التغيير، لقد ارتبط التراث الفقهي بالموروث الديني النصي فأصبح هناك ما يشبه التناسل الوراثي نتيجة التراكمات الثقافية والمعرفية الدينية التي تستجد على الموروث ذاته ، فبالتالي يعتبرها البعض موروثاً دينياً يتخذ صفة القداسة من خلال علاقته الترابطية بالمدلولات التاريخية والتراثية المقدسة، وعليهِ فقد تجذرت في العقلية الإسلامية ثمة قناعة تامة لا تقبل الشك، وهي أن تراثه الفقهي هو خارج النقد وخارج مناخات التطور الاجتماعي والعلمي.
وبسبب ذلك الاعتقاد تحول التراث الفقهي المتراكم إلى بيئة ثقافية ضخمة تمتلك سلطات مطلقة في الوصاية والتوجيه، بينما في الأساس يجب أن نتناول التراث الفقهي الموروث على أنه مجرد نظريات بشرية اجتهادية قابلة للصواب والخطأ، وقابلة للتغيير وللنقد والتحليل، ويجب أن نتخلى عن التعصب البغيض والتعالي والنرجسية وتقديس الأشخاص، وتقديس جهد أسلافنا بحجة أنهم معصومون من الخطأ.