الديبلوماسية الإماراتية في «القدس»: الخلط بين السياسي والديني لتسويق التطبيع
كشف تقرير إسرائيلي أن المنظمة اليهودية المتطرفة «صندوق تراث جبل الهيكل» وجهت دعوة رسمية للسفير الإماراتي في تل أبيب محمد آل خاجة لمشاركة أفرادها في اقتحام المسجد الأقصى، وذلك في استتباع لحديث رئيس «مجلس حكماء التوراة» في حركة «شاس» الحاخام شالوم كوهين، الذي أبلغ آل خاجة، في لقاء بينهما أن «العرب يسيطرون على المسجد الأقصى»!
معلوم أن منظمة «جبل الهيكل» أسسها حاخام يهودي متطرف يدعى يهود غليك عام 2012 وأن مطلوبها النهائي هو إعادة بناء جبل الهيكل مكان المسجد الأقصى، ومن وسائلها لتحقيق ذلك قيام نشطائها ومؤيديها باقتحامات عنيفة للمسجد الأقصى، وبالعمل على تشريع هذه الأهداف عبر الكنيست.
منظمة «جبل الهيكل»، على ما يبدو، تأثرت بالأحاديث والصور المتداولة لآل خاجة مع حاخام شاس، وكذلك باللقطة الرمزية التي أظهرت مباركة الحاخام له، وبانحناء السفير لتلقي هذه المباركة، والواضح أن دبلوماسية سفير أبو ظبي والخلط الذي يقوم به بين السياسي والديني، يدفعان نحو هذه المبادرات. لقد تم استخدام دعوات «التسامح» الديني، عمليا، في تسويق التطبيع، وكان ذلك واضحا مع استخدام عنوان «الاتفاقات الابراهيمية»، فإسرائيل، حسب هذا الإطار، ليست دولة احتلال واستيطان بل دولة «يهودية»، وهذه الديانة تعتبر الأولى في شجرة الديانات الإبراهيمية، التي تضم أيضا المسيحية والإسلام.
حسب هذه الرؤية «الدينية» المصطنعة للعلاقة مع إسرائيل، يمكن اعتبار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي زاوية هامشيّة من رؤية أوسع للعالم تتجاور فيها الأديان وتتلاقى وتتفق على «تشارك» المقدّسات، على أن تمحى من هذه اللوحة الزاهية تفاصيل غير مهمة، كأن تكون إسرائيل إحدى الترسانات النووية الكبرى في العالم، وأنها لا تريد «التشارك» في شيء، لا في الأرض ولا في السماء.
لا يتعلّق الأمر إذن بتلقي آل خاجة لبركة حكماء التوراة وزيارة الحاخام الأكبر في منزله في القدس والحديث عن الاتفاقات الابراهيمية وتبادل الهدايا الرمزية ودعوة السفير للحاخام لافتتاح معبد الديانات الابراهيمية الثالث في أبو ظبي بل يتعلّق أكثر برؤية بلاده للأحداث السياسية الجارية في فلسطين، ولم يكن غريبا، بالتالي، تعليق السفير على ما أدت إليه محاولات الدولة «الإبراهيمية» الإسرائيلية انتزاع منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح، واقتحامات المستوطنين للأقصى، من هبة فلسطينية عارمة في الضفة ومناطق 48 وغزة، بقوله إن ما يحصل «جنون»، و»إننا بحاجة لحكمة واحد من أمثال الحاخام كوهين».
يقوم آل خاجة، عمليا، بإحلال السردية «التسامحية» مكان الواقع الدموي الفعلي، فتعليقه ينصب على أنه «صدم عندما جاء إلى إسرائيل حينما شاهد مسجدا في تل أبيب على غير ما تقدمه القنوات مثل الجزيرة»!، وهذه السرديّة تخفي في باطنها ما أحسّه زعماء «صندوق تراث جبل الهيكل» لدى السفير العربي، الذي يؤهله كونه مسلما وعربيا، على ما يبدو، تقديم شرعيّة ما لأولئك المتطرفين، فما دام هناك مسجد في تل أبيب، فما المانع، في «أجواء التسامح» والصفقات وتحويل الصراع الفلسطيني إلى صراع عقاريّ، من «تسامح» الفلسطينيين مع رغبات حكماء التوراة في الصلاة في الأقصى وإعادة بناء الهيكل المزعوم؟
وسوم: العدد 932