بيان في نصح فصائل المقاومة الفلسطينية حول علاقاتهم مع الرافضة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فانطلاقًا من قول الله عز وجل: ﴿وَالْمؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71]. وقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» [رواه مسلم].
وقيامًا بما أوجبه الله تعالى على أهل العلم من بيان الحقِّ ونصح الخلق، تأتي هذه النصيحة لإخواننا المجاهدين في فلسطين؛ في حماس وغيرهم من فصائل المقاومة الفلسطينية المباركة؛ فهم أحقُّ الناس بالدعاء والرعاية والعناية والنصح والتسديد؛ وهم أهل الرباط الذين يقومون بفرض الدفاع عن الأقصى الأسير، وحتى يتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [رواه مسلم]، وهم مظنة قبولها والعمل بها والاستجابة لها؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات:55]. وهذه النصيحة تتضمن المعاني التالية:
أولًا: إنَّ الإسلامَ الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو هُويةُ القدسِ، وإنَّ القدسَ جزءٌ أصيلٌ من هُويةِ المسلمين، وإنَّ قضية فلسطين وتحريرها ممن اغتصبها هي قضية المسلمين جميعًا، وإنَّ هذا من صميم عقيدتهم، وهي ليست قضية وطنية أو قومية، ولا يملك أحدٌ كائنًا من كان أن يتنازل عن شبرٍ منها، وكذلك ليس لأحد أنْ يستقلَّ وينفرد بذلك ولا أن يسلك لاستنقاذها وتحريرها غير ما شرعه الله عزَّ وجلَّ.
ثانيًا: إنَّه كما وإنَّ كلَّ مسلم مسئولٌ عن تبني قضية فلسطين؛ فإنَّ مسلمي أهل فلسطين مأمورون بتبني قضايا المسلمين في كلِّ مكان بمقتضى الأخوَّة الإسلامية والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين؛ قال تعالى: ﴿وَالمؤْمِنُونَ وَالمؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:71]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم].
ثالثًا: إنَّ من أعظم أسباب انتصار المؤمنين على أعدائهم هو قيامهم بنصر الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، وقال: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]، وبيَّن سبحانه أن الغلبة هي لأهل ولاية الله ورسوله والذين آمنوا؛ فقال عزَّ من قائل: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة:56].
رابعًا: إنَّ عدم الاعتبار بالتاريخ والاستفادة من دروسه وعِبره هو من أعظم الغفلة، وهو سببٌ عظيمٌ للخذلان، والوقوع في شَرَك الأعداء، وقد دلَّ التاريخ على عظيم خطر الرافضة وخيانتهم وتحالفهم مع أعداء الأمة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية_ وكان من أعرف الناس بهم_: «ثُمَّ مع هذا الرافضة يعاونون أولئك الكفار، وينصرونهم على المسلمين كما قد شاهده الناس لما دخل هولاكو ملك الكفار الترك الشام سنة ثمان وخمسين وستمائة» [منهاج السنة: (6/374)].
ويقول ضمن حديثه عن النصيرية: «ومن المعلوم عندنا أنَّ السواحل الشامية، إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائمًا مع كل عدوٍّ للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل، وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين» [مجموع الفتاوى (35/150، 151)].
سادسًا: إنَّ اعتبار ما جرى ويجري في سوريا والعراق واليمن شأنًا سياسيًّا لا طائفيًّا، وعدم الالتفات إلى ما أريق ويراق من دماء أهل السنَّة، وأنَّه لا حرج في التحالف الاستراتيجي -اختيارًا- مع هذا المحور الرافضي النصيري باعتباره جزءًا من مكونات الأمَّة- هو من أعظم الانحراف الديني والسطحية والغفلة السياسية!
وإذا كان ثَمَّ خلاف بين أهل العلم في حكم الاستعانة والتحالف مع أهل الأهواء والبدع إن كانوا ناصحين للمسلمين ولا يعرف عنهم غشُّ المسلمين لا تدينًا ولا خلقًا- فإنه لا خلاف بينهم في عدم جواز الاستعانة بهم أو التحالف معهم إذا كانوا معروفين بغشهم للمسلمين وعدم نصحهم لهم، كما هو حال الرافضة والنصيرية؛ فإنه لا يجوز الاستعانة بهم أو التحالف معهم مطلقًا؛ فإن هذه الطوائف تتدين بأذية المسلمين وغشهم والإضرار بهم بل يستبيحون دماءهم وأموالهم.
ويربأ العلماء الناصحون بأهل الجهاد والرباط في فلسطين أن يكونوا سببًا لإضلال الناس والترويج للتشيع الديني ونشر المذهب الرافضي، نتيجة إغفال قواعد المصلحة والمفسدة وفقه الضرورة والاقتهار، وما قرره العلماء الربانيون والأئمة المرضيون.
سابعًا: ليعلم المجاهدون المرابطون من أهل فلسطين أن حاضنتهم وفئتهم التي يفيئون إليها، ويعولون بعد الله عليها، كما أكد ذلك التاريخ والواقع- هم أهل السنة، وأنَّ خسارة هذه الحاضنة هو من أعظم الخذلان والخسران.
وليعلموا أن القضية الفلسطينية-وهي قضية أمة وليست قضية فصيل أو فئة- لا تمنح صكوك الغفران للمجرمين والقتلة في سوريا واليمن والعراق وغيرها، ولايليق بهم أن يكونوا وسيلة لتجميل دنسهم وقبحهم، بل وتكريمهم والثناء عليهم؛ مع تجاهل مآسي إخوانهم وما لقوه على أيديهم من قتل وتشريد واستباحة أعراض وأموال!
ثامنًا: يدعو العلماء الموقعون على هذه الوثيقة قادة الفصائل إلى إعادة النظر في بعض مواقفهم واجتهاداتهم وتحالفاتهم الاستراتيجية، ومراجعة التصريحات المنسوبة لبعض قادتهم والمتحدِّثين باسمهم، قبل نفاد رصيدهم لدى الشعوب الإسلامية، والذي لن تعوضه المكاسب والتكتيكات الآنية.
وختامًا نسأل الله أن يجعلنا أهلًا لنصره وتحقيق وعده؛ كما قال سبحانه: ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بيان رقم (149)
صادر عن الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين
الجمعة 1 / ذي القعدة / 1442هـ - الموافق 11 / يونيو / 2021م
وسوم: العدد 933