اللهم أكفنا شر الفضائيات العراقية
كاظم فنجان الحمامي
لا نرى فضائيات في الكون أكثر قدرة وبراعة في التشويش والتلفيق والتحريض بالمستوى الحرفي الذي وصلت إليه الفضائيات العراقية المئوية, حتى بات من المتعذر علينا تمييز الفضائيات الصادقة من الكاذبة, خصوصاً بعدما صار التضليل شعارها وحوارها ومسارها الذي سلكته في بثها لأخبارها اليومية المتناقضة مع الواقع.
ليس في الكون كله فضائيات أكثر خبثاً وتآمراً على مواطنيها بالمستوى الذي بلغته الفضائيات العراقية, بمشاهدها الملفقة, ولقاءاتها المفبركة, واتصالاتها الهاتفية الكاذبة, وبرامجها المجيرة طائفياً لفئة بعينها, وتوجهاتها المنحازة.
فما الذي نتوقعه من فضائيات لا تنقل الحقيقة, وما الذي نتوقعه من قنوات تخصصت بتغذية الفتن, وبرعت بإثارة النعرات, وذهبت بعيداً في تأجيج الخلافات, وما الذي نتوقعه من قنوات تتلقى تمويلها من الأقطار التي تمول الإرهاب, وما الذي نتأمله من محطات حاقدة علينا وتسعى لتفريقنا, وما الذي نرتجيه من استوديوهات تنفث سمومها من الأوكار الظلامية الضالعة في الإجرام.
لقد فقدنا ثقتنا بهذه الفضائيات التي كانت أول المتفرجين علينا خلف كواليس مسارح النسف والتفجير الدامية, وكانت أول المتلاعبين بعواطفنا في الأزمات وفي الانتخابات, فلم تحرك ساكناً ولم تتفاعل مع قضايانا العادلة عندما أقدمت إيران على تجفيف أكثر من عشرة روافد أروائية, ولم تنبس ببنت شفة عندما أقدمت تركيا على تشييد (22) سداً عملاقاً فوق منابع دجلة والفرات في هضبة الأناضول, ولم تفزع لنا عندما فزعنا كلنا للمطالبة بحماية مياهنا الإقليمية المنكمشة إلى الداخل.
لقد نقلت لنا من الأنباء المزعجة والأخبار المرعبة ما يكفي لإصابة قارة بكاملها بالسكتة القلبية. راقبوا تصرفاتها هذه الأيام, وارصدوا مواقفها المتذبذبة. ستشاهدون فضائيات تقف مع داعش والغبراء, وأخرى مع القاعدة وفلولها, وأخرى مع المليشيات الطائفية, وأخرى مع تركيا, وأخرى مع إيران, وأخرى مع قطر, وأخرى مع الغجر, وأخرى أمريكية الهوى, وأخرى بريطانية الطابع.
ستشاهدون فضائيات شيعية حتى النخاع, وأخرى سنية حتى النخاع, وأخرى مسيحية حتى النخاع, وأخرى أيزيدية حتى النخاع.
ستشاهدون فضائيات تتظاهر بالوطنية, وأخرى تتظاهر بالتدين, وأخرى تتظاهر بالحيادية, وأخرى متهتكة, ومتفرجة, وشامتة, وعابثة.
ستشاهدون فضائيات قطرية 100%, وأخرى إيرانية 100%, وأخرى تركية 100%, وأخرى سعودية 100%, وأخرى لبنانية 100%, لكنها مقنعة بملامح عراقية مُنتحلة.
يقولون إذا أردت أن تعرف ماذا في البرازيل فيجب عليك أن تعرف ماذا في ايطاليا, وإذا أردت أن تعرف ماذا في ايطاليا فينبغي أن تعرف ماذا في البرازيل. أما إذا أردت أن تعرف ماذا في العراق فلا تشاهد الفضائيات العراقية ولا العربية. واصبر قليلاً فستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ. ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتاً ولم تضرب له قط موعدِ.