الغرب العلماني من إجهاض التجارب الديمقراطية في الوطن العربي بعد ربيعه إلى محاولة النيل من هوية شعوبه الإسلامية
من المعلوم أن الغرب العلماني بشطريه الأوروبي والأمريكي الشمالي لا تعوزه الذرائع للتدخل في شؤون الوطن العربي تكريسا لاحتلال أقطاره الذي كان خلال القرنين التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين، ذلك أنه حين ترحل جيوشه منها فإنه يبقى على سياسته الاستعمارية تجاهها ، وهي سياسة الوصاية عليها والتدخل في شؤونها الداخلية من أجل الاستحواذ على مقدراتها وخيراتها الهائلة ، والتي بها يصنع هذا الغرب العلماني رفاهية شعوبه على حساب بؤس شعوبها. .
ولقد كان حراك الربيع العربي مصدر قلق كبير بالنسبة للغرب العلماني لمجرد تعبير شعوب الوطن العربي من خلاله عن رغبتها في الحياة الكريمة في ظل ديمقراطية حقيقية تحل محل الديمقراطيات الصورية أو الزائفة ، ومحل الديكتاتوريات المتسلطة .
وما كادت التجارب الديمقراطية الفتية تظهر لأول مرة خلال حراك الربيع العربي حتى جن جنون العلمانية الغربية خصوصا حين عبرت الشعوب العربية عن رهانها على الدين الإسلامي كحل لمشاكلها وهو ما جعل بعضها يصوت لفائدة بعض الأحزاب المعلنة عن توجهها الإسلامي بعدما جربت غيرها من الأحزاب الليبرالية واليسارية ويئست من إيجاد حل لمشاكلها .
وفي سابقة مثيرة للدهشة سكت الغرب العلماني سكوت شيطان أخرس على الإجهاز على أول تجربة ديمقراطية في مصر التي يقال أنها قاطرة الوطن العربي عن طريق انقلاب عسكري دموي أطاع برئيس شرعي منتخب عبر صناديق الاقتراع وقد اختاره الشعب المصري بكل حرية ليكون أول رئيس مدني في بلد يحكمه العسكر منذ سقوط الملكية فيه . ويبدو أن الغرب العلماني أمام عاصفة الربيع العربي انحنى ، وسمح بانتخابات ديمقراطية في الوطن العربي للتأكد من طبيعة رهان الشعوب العربية ، وهو ما يعني نهاية مصالحه التي يضمنها له غياب الديمقراطية الحقيقية .
ولم يكن حظ البلاد العربية الأخرى التي راهنت على الديمقراطية أفضل من حظ مصر حيث سدت مسد الانقلاب العسكري الدموي فيها هذه مؤامرات مكشوفة بشكل أو بآخر لإجهاض كل تجربة تنشد نموذج الديمقراطية الحقيقية .
وكعادته يتظاهر الغرب العلماني بتأييده للتجارب الديمقراطية الحقة في الوطن العربي مع أنه كما يقال سمن على عسل مع من لا يسمحون بها .
ولقد مر الانقلاب العسكري الدموي على الديمقراطية الفتية وعلى الشرعية في مصر بسلام ، وطبخت مسرحية انتخابية هزلية بعد ذلك مكنت كل التمكين لمتزعم الانقلاب وصاحب القبضة الحديدية من السلطة محاولة تحويل ديكتاتوريته السافرة إلى ديمقراطية صورية سكت عنها الغرب العلماني حرصا على مصالحه وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بوش الابن بمقولته نيابة عن شركائه الغربيين : " ليست لدينا عداوات دائمة ، ولا صداقات دائمة ولكن لدينا مصالح دائمة " وهذه المصالح الدائمة هي التي جعلت هؤلاء يسكتون على انقلاب عسكري دموي فاضح على الشرعية والديمقراطية مع أنهم دأبوا على التظاهر بالتنديد وشجبه الانقلابات العسكرية على الأنظمة المدنية المنتخبة ديمقراطيا .ولقد كان إجهاض أول تجربة ديمقراطية في الوطن العربي انتكاسة كبرى لربيعه والتي أعادته إلى وضعية ما بعد جلاء الاحتلال الغربي عنه.
وبعد ما نجح الغرب العلماني في إفراغ هذا الربيع من محتواه عمد إلى أسلوب آخر لا يقل خبثا ومكرا والمتمثل في استهداف الهوية الإسلامية لشعوب الوطن العربي لأنها تمثل تهديدا لمصالحه كما يزعم ، وهو ما جعله يخترع عبارة " محاربة ما سماه إسلاما سياسيا "كذريعة يموه بها عن ذلك الاستهداف المكشوف الذي صارت له عدة تجليات صارخة لم تعد خافية على الشعوب العربية المغلوب على أمرها أمام هيمنة العلمانية الغربية .
وتتبادل العلمانية الغربية أدوار التآمر على شعوب الوطن العربي حيث تختلق مشاكل في كل قطر من أقطارها فيتظاهر بعضها بالوقوف إلى جانبه أو إلى صفه، وهو وقوف مصلحي مكشوف بينما يقف البعض الآخر ضده بشكل علني ومكشوف كما هو الحال على سبيل المثال في بلدنا المغرب حيث يقف البعض معه في قضية استرجاع صحرائه وهي قضية عادلة بشهادة التاريخ الذي لا ترد شهادته ولا يمكن الطعن فيها وقد كانت إسبانيا تحتلها ،وهي اليوم إلى جانب دول غربية أخرى واضحة التحيز إلى جانب أعداء وحدته الترابية وذلك من أجل تكرار سيناريو السودان الذي فصل عنه جنوبه .
ومعلوم أن الغرض من استهداف الغرب العلماني هوية شعوب الوطن العربي الإسلامية هو إبعادها عن دينها حتى لا تفكر مرة أخرى في الرهان عليه من أجل الخروج من أزماتها المتفاقمة التي تحول دون نهضتها .
ولعل المحاولة الفرنسية الهادفة إلى الهيمنة على الجاليات المسلمة فيها من خلال فرض الوصاية على طريقة تدينها كي تحتويها علمانيتها تعتبر نموذجا واضحا لاستهداف الهوية الإسلامية لتلك الجاليات من جهة ، ومن جهة أخرى استهداف الهوية الإسلامية للشعوب العربية في أوطانها ، وذلك عن طريق بث عملاء علمانيين لها يقومون بدورها بالوكالة عنها .
ولقد ساهم ظرف الجائحة بشكل كبير في هذا الاستهداف حيث تعطل الدور الديني والتربوي للمساجد التي صارت تؤدي الحد الأدنى من دورها احترازا من انتشار الوباء ، وهو أمر تستغله العلمانية الغربية لإضعاف جذوة التدين لدى شعوب الوطن العربي ، وربما راهنت على فعل الزمن في حصول هذا الإضعاف الذي يخدم سيادة النهج العلماني الذي يعتبر صمام أمان مصالحها الدائمة على حد تعبير الرئيس الأمريكي بوش الابن .
وفي هذا الظرف بالذات تركن إلى الصمت الرهيب الجهات العلمية المسؤولة دينيا وأخلاقيا عن صيانة الهوية الإسلامية والمفروض فيها أن تنافح عنها ،دون أن تتراخى في ذلك ، الشيء الذي ينذر بآثار غير محمودة العواقب بالنسبة لهذه الهوية المهددة في بلدان الوطن العربي .
وفي انتظار رحيل الجائحة إن شاء الله تعالى ، وعودة المساجد إلى أداء واجبها الديني كاملا لا بد من التحسيس بمخاطر استهداف الهوية الإسلامية مع الكشف عن أشكالها وأساليبها الصريحة والخفية .
وسوم: العدد 938