إلى الحبر الأعظم في يوم السلام العالمي
زهير سالم*
في مطلع العام الجديد وفي اليوم العالمي للسلام ..
رسالتنا إلى الحبر الأعظم وجميع رجال الكنائس في العالم
نريد عدلا وكفى
لم يعد الشعب السوري بحاجة إلى أن يطيل الشرح حول معاناته التاريخية بأبعادها ، وحول سلوك جلاديه الذين لا يتجاهل جرائمهم صاحب عقل أو قلب .
ولقد أصبح من الضروري في سياق الممارسات اليومية لنظام الأسد الذي يرتكب كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية وبكل عنفها وقسوتها وهمجيتها أن ننبه وأن نقر بقدرات قيادة هذا النظام على طمس الحقائق وتزوير الوقائع وخلط الأوراق ، والاختباء وراء الشعارات المرفوعة التي تخاطب كل فصيل من البشر بما يعنيهم ويرضيهم ..
ويكفي أن يتأمل العاقل المنصف الباحث عن الحقيقة كيف تتوافق الأضداد جميعا من قوى دولية وإقليمية ومحلية رسمية وشعبية على ترك الميدان فسيحا أمام تصرفات هذا النظام .
ولم يكن خافيا على أحد لا على المستوى الدولي ، ولا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى الداخلي في سورية والعراق ولبنان الحلف المتين الذي عقدته أسرة الأسد مع قوى التطرف والإرهاب والتي كانت تفوّج انتحارييها أفواجا من سورية إلى العراق لتقتل في العراق السني والشيعي والمسلم والمسيحي ولتحرق هناك المسجد والمرقد والكنيسة .
وهاهي اليوم تجدد حلفها هذا اليوم لتفسد على الشعب السوري ثورته ، ولتثير الغبار حول مطالبه الإنسانية العادلة ..
إننا أبناء هذه الثورة السورية المباركة
وفي اليوم العالمي للسلام ...
وتفنيدا لجملة المزاعم والادعاءات التي تضمنتها رسالة بشار الأسد إلى حبر الكنيسة الكاثولكية الأعظم ....
وتوضيحا لبعض ما يردده بعض رجال الكنائس السورية واللبنانية المغلوبين على أمرهم المكرهين منذ نصف قرن على بعض ما يقولون ..
نحب أن نوضح الحقائق التالي :
إن الزج بقوى التطرف والإرهاب في سياق الثورة السورية هي إحدى ألاعيب هذا النظام للتشويش على الثورة السورية ولتدنيس وجهها الحقيقي ولقطع الطريق على مطالبها العادلة .
ولقد تميزت العلاقة الإسلامية – المسيحية على مدى قرون طويلة بالبر والقسط والود والعدل . وإن الأحداث التاريخية التي خرجت على هذا السياق كانت دائما أحداثا شاذة استطاع العقلاء من النسيج المجتمعي الواحد أن يطوقوها وأن يضعوا حدا لتداعياتها ..
لقد كان لجماعة الإخوان المسلمين – بوصفها كبرى الحركات الإسلامية المعتدلة - منذ خمسينات القرن الماضي وبمشاركة الدكتور مصطفى السباعي السبق إلى المشاركة في رعاية مؤتمرات الإخاء الإسلامي المسيحي . كما بادرت هذه الجماعة ومن موقعها الإسلامي والوطني منذ عقد من الزمن إلى إصدار وثائقها التاريخية الثلاث / ميثاق الشرف الوطني / 2001 / المشروع السياسي / 2004 / والعهد والميثاق الوطني 2012 / و التي تضمنت جميعها تمسكها في بناء سورية دولة مدنية حديثة لجميع أبنائها . تقوم على دستور عصري يعتبر المواطنة مناطا للحقوق والواجبات . وعلى هذا توافقت جميع القوى السياسية والثورية في سورية ..
وأمام هذه الوقائع والوثائق التاريخية الناطقة والصادقة فإنه لا يجوز لأحد أن يغفل أو أن ينسى ....
أنه في ظل حكم حافظ وبشار الأسد انخفض عدد المسيحيين في سورية وفي لبنان إلى أقل من النصف . وأن الكثير من وجوه المجتمع المسيحي في لبنان اضطروا إلى مغادرة وطنهم للعيش في مواطن اللجوء السياسي وكان ميشيل عون أحد أبرز هذه الوجوه .
وأنه في ظل حكم أسرة الأسد عانى المسيحيون كما عانى المسلمون في لبنان ما لا يخفى على حصيف متابع لوقائع السياسة ويومياتها على مدى عقود . إن أبسط ما يجمع عليه السوريون واللبنانيون أن الحرب الأهلية في لبنان كان مدخلا من مدخلات حافظ ومن بعده بشار الأسد للسيطرة على لبنان بمسلميه ومسيحييه وسنته وشيعته ودروزه ..
ولا يستطيع متابع لشأن لبنان والمنطقة أن يغفل أو أن يتغافل عن أن عمليات الاغتيال في لبنان في موجاتها المتعددة كانت تتم برعاية الأسد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . وقد شملت الموجة الأولى لهذه الاغتيالات رئيسين للجمهورية اللبنانية رينية معوض و بشير الجميل . كما شملت الزعيم اللبناني الدرزي كمال جنبلاط والمفتي اللبناني السني حسن خالد وغيرهما من القيادات اللبنانية كثير .
كما لا يمكن لمتابع للشأن اللبناني مهتم بالحقيقة أن ينكر دور بشار الأسد في قتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومن تلاه من رموز المجتمع اللبناني ووجوهه من مسلمين ومسيحيين ...
ولتبقى قبل كل ذلك وبعد كل ذلك المؤامرة ، التي أسند رجل بشار الأسد علي مملوك – بحسب القضاء اللبناني - تنفيذها إلى الوزير اللبناني السابق ميشيل سماحة والتي كانت تقضي باغتيال رموز من الصف الأول من رجال الدين المسيحي في لبنان لإشعار المسيحيين بالخطر واتهام المسلمين بالبغي والعدوان ؛ القولَ الفصل في كل ما نقول ...
وبعد كل ما تقدم لن يبقى مسوغا لعاقل ليرى في بشار الأسد حاميا للمسيحية أو مدافعا عن المسيحيين .
أما في سياق الحديث عن ثورتنا السورية الوطنية المتطلعة للعدل والحرية والإخاء والسلام فيكفينا من أمرها أن نتمنى على كل الذين يشكون في عدالة مطلبية الشعب السوري أن يراجعوا تقارير المنظمات الحقوقية والإنمائية الدولية ليدركوا حجم الظلم وحجم الفساد وحجم التمييز الطائفي المقيت الذي عاشه ولا يزال يعيشه الشعب السوري ...
وبعيدا عن ضوضاء القيل والقال ، وصخب السياسة بخداعها ونفاق القائمين عليها نقول في يوم السلام العالمي مخاطبين كل المعنيين بصناعة وحماية هذا السلام ونخص بالخطاب حبر المسيحية الأعظم ورجال الكنائس أجمعين : لقد خرج الشعب السوري في ثورته يريد عدلا . فقط عدلا والسلام الذي لا يقوم على العدل لا يدوم ...
والظالم لا يصنع العدل ولا يمكن أن يكون شريكا فيه ..
وما قدمناه كان بعض ثمار شجرة الشر لبشار الأسد ولأبيه من قبل .
في يوم السلام العالمي ومن سورية بلد المسيح نذكر بقول المسيح روح الله وكلمته : من ثمارهم تعرفونهم ...
فهل نعرفهم حقا ؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية