القصة الكاملة 2022”: فيلم دعائي يتنبأ بزوال إسرائيل… ونقاد: كهانة وعقل ارتدادي!
رام الله – “القدس العربي” : تشير بيانات موقع “يوتيوب” إلى ما يقارب 160 ألف مشاهدة للفيلم الوثائقي الذي يحمل اسم “القصة الكاملة 2022” (64 دقيقة)، وذلك بعد خمسة أيام على إطلاقة على صفحة “إسلام نون” التابعة لمركز نون للأبحاث والدراسات القرآنية الذي يديره الشيخ والمفكر الإسلامي بسام جرار، صاحب نبوءة زوال إسرائيل في عام 2022.
وجاء الفيلم، الذي علمت “القدس العربي” أن جهة من مناطق فلسطين 48 هي التي قامت عليه، ليزيد من النقاش المحتدم فلسطينيا وإسلاميا إلى جانب حالة قديمة من الجدل بين جهات مؤيد لهذه النبوءة وأخرى معارضة لها، في ظل أن موعد تحقيقها أصبح قريبا جدا.
وحسب الشيخ الفلسطيني بسام جرار مدير المركز، فإن نهاية دولة الاحتلال مؤكدة، وذلك “بنسبة 95%” في ظل أن كل المؤشرات تدعم ذلك، وهو الأمر الذي استقاه مما يسميه الإعجاز العددي للقرآن الكريم.
وخلال الأيام الخمسة الماضية تم تبادل روابط الفيلم على شبكات التواصل الاجتماعي، وتم التعليق عليه في حوارات ونقاشات المؤيدين والمعارضين.
وأبرز الانتقادات الموجهة للفيلم رأت فيه أنه “دعائي” لنبوءة الشيخ، كما أنه افتقد الموضوعية حيث شرح واستفاض في مقولات الشيخ ومبرراته، وعلق براحة على مجمل النقد الموجه له، كما أنه استقدم ضيوفا إما هم مؤيدون لمقولة الشيخ أو يرفضونها لكن “بنعومة”، وذلك رغم وجود مجموعة كبيرة من الشيوخ وعلماء الدين الذين ينظرون إلى هذه النبوءة على أنها هرطقة وتجديف.
الباحث الإسلامي ساري عرابي، الذي ظهر في الفيلم بصفته يحمل موقفا رافضا لنبوءة الشيخ جرار، كتب توضيحا على صفحته الخاصة على الفيسوك، محاولا توضيح موقفه من الفيلم ومقولة الشيخ حيث قال: “وصلني العديد من الأسئلة بعد بث الفيلم الوثائقي… وموافقتي أو مخالفتي لهذه الأطروحة لا تغير من الأمر شيئًا، وصاحبها هو الأقدر على مناقشة الأمر مع مؤيديه ومخالفيه”.
واعتبر عرابي هذا النوع من الأفلام “ليس درسا علميا، ولا يصلح أن يكون شرحا لأطروحة، وإنما هو حكاية للقصة كيف بدأت وكيف سارت. فالفيلم بالتأكيد قاصر عن شرحها علميا ومنهجيا”.
وأضاف: “حاولت عرض رأيي، الذي لا يلاحظ مؤيدات مادية كافية لهذه الأطروحة، أرى وجاهة في الآراء التي لا ترى مؤيدات مادية قريبة للفكرة، وكذلك بعض الجهود التي قام بها بعض الأخوة في محاولة نقدها من الداخل، وقد حاولت ذكر عدة أوجه لنقدها ظهر بعضها في الفيلم ولم يظهر بعض آخر”.
ولا يوافق عرابي على “من يذهب إلى أن نبوءة الشيخ ضرب من الكهانة، فهذه مبالغة في التحامل، وتخرجها عن سياقها من حيث كونها محاولة لاستنطاق القرآن”.
ويرى عرابي أن رفض الفكرة، سواء بناء على تتبعها ونقدها من الداخل، أو بالتقدير السياسي، أو بمجرد الوقوف عند العناوين والانطباعات، شيء طبيعي طالما أنها مطروحة للمجال العام، والناس تتفاوت في زوايا نظرها، واتجاهات فكرها”.
واعتبر عرابي أن الخشية من “أثار النبوءة السلبية في حال لم يصدقها الواقع مشروعة ومقدرة، بيد أن التحامل والمبالغة في المخاوف هو أخو المبالغة في التعلق العاطفي بهذه النبوءة”.
ويتبنى عرابي دعوة للتقليل من التحامل والحدة والانفعال والمخاوف، وهو أمر عززه الفيلم.
ردود بعيدة عن الحوار
الباحث السوري أحمد دعدوش الذي ظهر في الفيلم قال لـ “القدس العربي” أنه وجد ميل جمهور عند علماء المسلمين المتقدمين إلى سد أبواب التنبؤ، وكذلك ميل جمهور المعاصرين إلى الطعن في الإعجاز العددي.
وتابع: “لكن الشيخ جرار ظل قادرا في رأيي على طرح اكتشافه بمقدمات تستحق النظر”. وأضاف: الشيخ جرار طرح نظريته كما يفعل أي مجتهد وهو يتحرى الصواب، فهو لا يزعم بلوغ الحق، ولا يزعم ذلك أي عالِم كما هو معروف، لذا ترك الشيخ وصنّاع الفيلم الباب مواربا، وليس في ذلك مطعن للنظرية نفسها.
وحول تعامل الفيلم بموضوعية مع صوته الخاص والمعارض لهذه النبوءة من حيث أنها بعيدة عن التحقق، أكد دعدودش أن اختيار ضيوف الفيلم كان موفقا، “فالأصل في النقاش العلمي أن يلتزم الجميع بأدب الاختلاف، وهو ما بدا ظاهرا في كل المداخلات، مع أن شبكة الإنترنت تحفل منذ سنوات بالكثير من الردود على نظرية الشيخ ممن يفتقر لأبسط شروط النقاش”.
عقل ارتدادي
إياد أبو زنيط، الباحث في مؤسسة يبوس للدراسات الاستراتيجية، تحدث عن جدل 2022 بين الإنكار والتصديق. معتبرا أن إنكار زوال إسرائيل في 2022 ليس خروجاً عن الملة، وليس كفراً، وصاحب الفكرة نفسه يعتقد أنّها صدفة، ومعارضة الفكرة أو تصديقها ليست ركناً من الإيمان. وهنا، لا يُمكن ربط أي حدثٍ عالمي أو محلي بزوال إسرائيل في 2022 مع أهميته”.
ووجه أبو زنيط كلامه للمعتقدين بأن إسرائيل لن تُعمرَّ أكثر من 80 عاماً، معتبرا أن هذا ليس دقيقاً البتة فبضعفنا وعملهم قد تستمر، والتصديق بحتمية الزوال في تاريخٍ مُحدد أمر خطير قد يرفع سقف الأمل ويهوي بالناس إلى أسفل. وأمّا القول إنَّ الله سبحانه، يُغير ما بين لحظةٍ ولحظة، فهذا صحيح، ولكنه تواكل وانسحاب، فقد تقوم الساعة في لحظة!”.
وأضاف: “مع الإيمان الحتمي بزوال إسرائيل واحتلالها، لكننا ما زلنا قومٌ نُكثر الجدل، ونُقِّل في العمل، ولا زوالَ إلاَّ بأدوات، ومثلما نشأ الاحتلال بخططٍ وتطبيق، لن يزول إلاّ بذلك”.
وشدد أبو زنيط أنه وبعيداً عن أي نبوءة، سواءً تحققت أم لا، فلقد قال هرتزل للمجتمعين معه في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية عام 1897:”إذا صدق عزمكم فهي ليست أسطورة، حينما أخبروه أن إقامة دولة إسرائيل يُعتبر ضرباً من الخيال”.
وتابع: “ولقد قال لنا المتنبي قبل هرتزل بقرون: “على قدرِ أهل العزم تأتي العزائم”، والعزم في العربية عقد النية، والإصرار على العمل، فمتى وُجد تتحقق النبوءات، وتصدق الرؤى”.
وبرأي أبو زنيط فإن العقل العربي يوصف بكونه عقلا ارتداديا، أي أنه يحيل مواجهة مشاكله لموضوع غيبي يريحه من عبء تحمل المسؤولية. والحقيقة أننا لا نبحث عن أسباب مواجهة إسرائيل لكونها مكلفة ماليا وتفكيرا وتضحية”. وختم: “المؤشرات اليوم كلها تقول أن الصراع سيستمر حتى عام 2050”.
الإعلامي فارس صرفندي انتقد بشده الشيخ جرار، معتبرا أنه يعاني من الغرور الذي لا يدفعه على التراجع عن مقولاته ونبوءته، فالمعادلة السياسية والمعطيات اليوم تقول إن إسرائيل ليست في مجال انهيارها في السنين الثلاثين المقبلة.
وأكد صرفندي أنه طلب مناظرة مع الشيخ بسام جرار، لكنه رفض، معتبرا أنه استند في نبوءته إلى قواعد جلها خاطئة ومنها حساب الُجمل حيث هناك من حرّم التعامل مع هذا الحساب، وحديث المرأة اليهودية الذي سرده الشيخ أحمد الراشد قبل سنوات.
واتهم صرفندي جرار “بالهرطقة” والفيلم “بغير المتوازن” حيث غابت أراء معارضة ووازنة كان يفترض ان يقدمها الفيلم وهي موجودة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.
وتابع صرفندي: “الفيلم هو محاولة لدعاية فجة للفكرة، ورد على المنتقدين، كما أنه فتح طريقا لخط الرجعة”.
وأكد صرفندي أن خطورة الفكرة والفيلم هو أن هناك الكثير ممن يؤمنون بالمقولة ونراهم يستخدمون الفيلم ذاته لتأكيد ذلك، رغم أن الفيلم يتضمن نقدا للفكرة وتصريحا من الشيخ باحتمالية عدم حدوثها.
وشدد على أن سلوك المواطنين يعبر عن حالة كبيرة من الأماني، “فالناس تتعلق بقشة وعندها كره لإسرائيل والاحتلال وهو ما جعل الناس تتعلق بقشة 2022 التي يرافقها تغييب للعقول”.
واعتبر الفيلم خط رجعة في ظل أننا نقترب من المواعد المحدد لنهاية إسرائيل، مع التأكيد أن الفيلم يحاول أن يطرح سيناريو عدم تحقق النبوءة عبر ربط تحققها بالجهد والعمل الذي قام به الفلسطينيون لمواجهة دولة الاحتلال.
وسوم: العدد 963