حديث الرجل قتل تسعة وتسعين نفسا، هل له من توبة !؟!؟
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، عن نبي الله ﷺ قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلقْ إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم -أي حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.
متفق عليه. ومتفق عليه يعني أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وأريد أن أفتح من خلال هذا الحديث أفقا إسلاميا عاما، بعيدا عما يدور على صفحات بعض الناس بما فيها من صواب أو خطأ ..
وأريد أكثر أن أعيد التوازن إلى الرؤية الإسلامية في المغفرة الربانية، فيما يتعلق بحق الله تبارك وتعالى وفيما يقال له " حقوق العباد" . فقد تشدد أهل الغلو حتى أذهبوا عن الشريعة في هذا الأمر جمالها وكمالها.
وأكثر ما يؤذيك أن تجد إنسانا طيبا خيرا يماريك في أحكام الشريعة، لكثرة ما رضع من حليب أهل الغلو على اختلاف مشاربهم ومدارجهم، وهو يظنهم أهل صلاح وفلاح، وأصحاب هدى وهديٍ ..
ومرة أخرى أقول دعونا نتعلم في الهواء الطلق، والأفق المفتوح، بعيدا عن أحاديث اللجاجة التي يتمارى فيها الناس اليوم. وأعيدوا قراءة الحديث مرة بعد مرة ، والحديث بيّن الدلالة، واضح العبارة، بالغ الإشارة؛ ولعل أهم ما يعنيكم فيه الفرق بين " الراهب" " العابد" وبين العالم، الأول الذي أغلق ما فتح الله، فكمل به القاتل المائة، والثاني الذي سأل سؤال المتعجب المستنكر: ومن يحول بينك وبين التوبة؟؟؟؟؟؟؟؟
لا شيء يحول بين الكافر والمجرم والمنكر والقاتل والمبير وسفاك الدماء وبين التوبة غير شيطانه وهواه وكبره وغروره أو أحمق جاهل قليل الفقه، واطئ الأفق، يريد أن يحكم شريعة الله بهواه.
وأرسل إليّ بعضهم يستفزني، وما رأيك لو تاب فلان؟؟؟؟؟ وأقول ووالله إني ليعجبني أن يتوب كل من عليها، وكل الطغاة والعصاة والقتلة والمجرمين على وجه الأرض. وكنت في شبابي أتعشق لغة الفقهاء وأساليبهم للغتهم الأدبية العالية، فكان يعجبني أن أستمتع بأساليبهم كما أستمتع بجميل الشعر، بدأ ذلك عندي من كتاب الرسالة للإمام الشافعي ثم المبسوط للسرخسي ثم المجموع للنووي ثم بدائع الصنائع - ما أبدعها- للكاساني، ثم حجة أهل الشام شرح الحاشية لابن عابدين شيخ مشايخ مشايخنا..
وكان مما علقت منه في الحديث عن الكبائر المكفرات: أن تدعو على رجل أن يميته الله على الكفر - والعياذ بالله- قال وكأنك تريد أن يكفر بالله، وأن يعصى الله تبارك وتعالى...
ويغضب بعضهم فيقول: اللهم لا تُمت فلانا على ملة الإسلام..!! وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم!!
نعم أدعو وأرجو أن يهتدي كل ضال، وأن يفيء كل آبق ، وأن يتوب كل عاص، وأن يعود إلى ربه كل بعيد... وهذه هي شريعتنا و هذا هو ديننا.
وأعود إليكم نتساءل ونحن متحررون من رهق اللحظة التي نعيش وظلمها وظلمتها : وأين حقوق العباد من النفوس المائة التي أزهقها ذلك القاتل، ثم قال تبت، فزوى الله له الأرض - في رواية- حتى يغفر له، فتحمله ملائكة النعيم إلى الجنة ؟؟!! أين هي تلك الحقوق!!
هل ظلمهم الله؟؟ وحاشاه!! هل ضيع الله حقوقهم؟؟ كلا ألف كلا ، وإنما الكليل القاصر العاجز من يقيس فعل الله على فعل البشر. وهو نسي عندما درسوه العقيدة أنهم علموه أن الله واحد في ذاته . واحد في أسمائه وصفاته. واحد في أفعاله. ووحدانية الله في فعله لا يتحكم فيها شرط بشر . علمونا أن الله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) وأنه لا يظلم ربنا أحدا، وهو عندما يغفر لعبد يؤدي عنه كل ما عليه من حقوق. "أدى الله عنه" والذين تشددوا في التأكيد على حقوق العباد في الدنيا حتى وقعوا وأوقعوا في الغلو نسوا أو تناسوا أن (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) الله يغفر لمن يشاء. وأخبرنا حقيقة واحدة فقط أنه (لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ). ووأخبرنا أنه (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) وأخبرنا نبيه أنه يغفر للعبد ما لم يغرغر . وأنت تسألني كيف؟؟ وأنا وأنت لسنا في مكانة نسأل الله فيها : كيف، الله وليّ الحقوق، يحكم فيغفر ويعاقب ولا يظلم، ويؤتي كل ذي أجر أجره. وكل ذي حق حقه. (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)..
قال يا رسول الله: ضربني فقطع يدي، ثم لاذ بشجرة فقال أشهد أن لا إله إلا الله ..أأقتله؟؟؟؟؟ قال إن قتلته فأنت بمنزلته قبل أن يقولها!!! قال يا رسول الله: إنما قالها تعوذا !!!! قال لئن قتلته لأنت في منزلته قبل أن يقولها..!!
وكان الصحابي أعقل من أن يسأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأين حقي الشخصي في يدي المقطوعة ؟؟؟؟ وقالها أي "لا إله إلا الله" وحشي قاتل حمزة، فنجا بها وحصنته وعصمته. وكان رسول الله قد قال في حزنه من أجل حمزة لأمثلن بسبعين..
وأجمل ما في الباب حديث يضحك الله " جل الله وتعالى وتنزه عن الضحك ... " وإنما هو تمثيل وتقريب لعقولنا وقلوبنا معا ففي الصحيحين يعني عند البخاري ومسلم " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة. يقاتل هذا في سبيل فيُقتل. ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيُستشهد " ...
هذا علمنا وشرعنا وديننا. وكل سياق خرج على هذه الأصول، يرد إليها.
علّموا الناس ...!!
وسوم: العدد 964