لم يعد موظفو ماسبيرو أبناء «البطة السوداء»!
«قد علم كل أناس مشربهم»!، فلن يستطيع أهل الحكم الآن، المضي قدماً في سياسة التهجير والتصفية لمبنى ماسبيرو، حيث المقر الرسمي للإذاعة والتلفزيون، لأن الاقتراب منهم لم يعد مأمون العواقب، وقد تكون نتيجته كنتيجة ما حدث بخصوص إزالة المباني؛ من تراجع تحت عنوان تأجيل التنفيذ!
لقد بدا المواطنون الضحايا في وضع مأساوي، وهم ينقلون عمليات الإزالة، وكأنها مشاهد من الأرض المحتلة، وهم يصرخون ولا حول لهم ولا قوة، وهي الحالة التي أغرت الجنرال إلى الإعلان عن استعداده لنزول الجيش للقيام بالمهمة، وفي جانب من هذا التهديد حتى يثبت عنفوانه في مواجهة المواطنين العزّل، وفي جانب منه حتى تتحمس الشرطة لتنفيذ الإزالة مخافة أن ينافسها الجيش في ذلك، لكن مشهد جرى في محافظة الإسكندرية جعله يتراجع، عندما خرج شباب إحدى المناطق الشعبية يطاردون الشرطة التي جاءت لتنفيذ قرارات الإزالة، فخشي من انتقال العدوى إلى أحياء ومحافظات أخرى، فكان التراجع على النحو الذي أوردنا!
ومنذ أن وقع الانقلاب العسكري والجنرال يتعامل مع موظفي الإذاعة والتلفزيون على أنهم «أبناء الجارية» أو أبناء «البطة السوداء» وإذ قام بالاستحواذ على القنوات الخاصة بوضع اليد، فقد رأى أن التلفزيون الرسمي صار عبئاً عليه، فكان التفكير في تصفيته، وفضلاً عن عمالته الكبيرة، على النحو الذي جعلنا نصفه في السابق بدولة ماسبيرو، فإنه يقع في منطقة مثلث ماسبيرو، التي بدأ في ازالتها قبل سنوات، لصالح صاحب القسمة والنصيب، وهذا المبنى الواقع على كورنيش النيل، فيه الطمع، وهو أكثر أهمية من «مجمع التحرير» الذي تم اخلاؤه وتأجيره، وفق فلسفة تاجر الأراضي، التي لا تصلح صيغة للحكم!
لقد تم التوقف تماماً عن صرف أي زيادات للعاملين في هذا المبنى العريق، بما في ذلك العلاوات السنوية، منذ سنة 2017، ولم يزد أجور العاملين جنيها واحداً منذ 2014، فقد اتخذ بطانة من الإعلاميين لتدشين دولته، التي هي «دولة على الضيق» فيتقاضى الواحد منهم 750 ألف جنيه شهرياً، عن جملة أعماله، ما بين مذيع، ونائب، ورئيس تحرير!
ولم يحصل من خرجوا على التقاعد في ماسبيرو على مكافأة نهاية الخدمة منذ عام 2018، وكان هذا استخفافاً بهم، فماذا يمكنهم أن يفعلوا في مبنى هو قلعة أمنية بالأساس، والذين تابعوا هذه الزاوية في مرحلة ما قبل الثورة، يذكرون ما كتبناه فيها عن توحش قطاع الأمن في ماسبيرو، وما قلناه تعليقاً على ذلك من إنه يبدو كما لو كان معسكر أمن تبث منه قنوات تلفزيونية وليس العكس، لكن حدث بعد الثورة، وبعد الانقلاب العسكري، أن وضعت الأجهزة الأمنية يدها على المبنى، وصار عدد ضباط الجيش بداخله أكثر من عدد الموظفين، وصار هؤلاء الضباط هم أهل الحل والعقد، وأصحاب الأمر والنهي، في سلطتهم الفصل من الوظيفة، وعدم تجديد الإجازات السنوية، ومنع هذا أو ذاك من دخول المبنى!
القيادة الفاشلة
وفضلا عن هذا التغول الأمني في المبنى، فإن موظفي ماسبيرو هم في النهاية أبعد ما يكونوا عن «روح الثورة» ولعل هذا ما أغرى الذي في قلبه مرض بالجور عليهم والاستهانة بهم، وعندما حصلوا على أحكام قضائية تقر جانباً من حقوقهم كان الرد عليهم، بإعلان أن الإذاعة والتلفزيون منشأة خاصة، للتحايل على هذه الأحكام، ولا نعرف بأي صفة تقوم السلطة بتعيين قياداته، ويراعى فيهم أن يستمروا بعملية إفشاله، فما هي القيمة الدفترية لحسين الزين لكي يكون رئيساً للهيئة الوطنية للإعلام، التي حلت محل اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ومع عدم وجود منصب وزير الاعلام، أصبح هذا الفاشل يقوم بوظيفتين؛ الوزير ورئيس الاتحاد، معاً!
ولا نعرف بأي صفة يتم إدخال «إعلام المصريين» وهي شركة «الإعلام الأمني» لتضع يدها على المبنى تحت عنوان تطويره، فيبدو ذلك كما لو كان لضمان استمرار الفشل، إذا كان المبنى منشأة خاصة، ومن يحاسب على «المشاريب»؟ ولماذا لا تتحمل السلطة ثمن هذا الفشل الذي ليس قدراً!
إن روح الثورة بعيدة عن أهل ماسبيرو، لكن في المقابل فإن الأوضاع الاقتصادية البائسة، كانت سبباً في قيامهم بالاحتجاج داخل المبنى، وبدا الأمر في البداية من جانب أصحاب المعاشات، ثم انضم إليهم في مظاهرات تالية عاملون في المبنى من الشباب، هم الذين انتقلوا بالهتاف من «إرحل يا زين» إلى «إرحل يا سيسي»!
إن دراسة لأحوال العاملين في ماسبيرو، ومن كانوا يعملون فيه، ستكشف وقوع حالات كثيرة للطلاق بسبب الضائقة المالية، بما يلزم الحكم الرشيد أن يشعر بالقلق لذلك، وهو وضع يعاني منه المصريون في جميع القطاعات، وليس مفاجأة أن تعلن الإحصاءات الرسمية عن تزايد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة، التي حكم فيها السيسي البلاد!
ليس الجديد فقط أن يتظاهر «أهل ماسبيرو» لكن الجديد أيضاً هو حالة التعاطف الأمني معهم، على نحو كاشف بأنه إذا تطور الأمر، فقد يفلت زمام الأمور تماماً، وهو ما دفع بالسلطة إلى عدم التضييق عليهم داخل المبنى حتى لا يخرجوا للشارع، فيحضر كل المظاليم، لينتقل الهتاف من إرحل يا فلان، المسؤول المباشر، إلى إرحل يا سيسي، والتقارير الأمنية تجمع على أن البلد تقف على شرارة، إذا انطلقت فسوف تكون ثورة كاملة!
العرافون
ويتخوف أهل الحكم من 25 يناير/ كانون الثاني، فضلاً عن تخوفهم من هذا العام بشكل عام، وإذا كنا قد سخرنا في هذه الزاوية من «بسنت» ضيفة «عمرو أديب» فإن أهل الحكم يعتقدون في صحة ما تتنبأ به، وقد تنبأت أن يكون هذا العام شبيهاً بعام 2011، من حيث وقوع فوضى في مصر، ناهيك عما قاله عرافون آخرون، وقد ذهبوا بعيداً، على نحو لا تسمح به المساحة، وأهل الحكم يعتقدون في كلام أهل التنجيم!
لقد أعلنت الهيئة الوطنية للإعلام قبل ساعات من كتابة هذه السطور عن صرف علاوات عامي 2017 و2018 وشهر من عام 2019 يوم 24 يناير الجاري.. انظر إلى الموعد المقرر، كما تم الإعلان عن إجراءات تجهيزات وإجراءات لإضافة عدد من العلاوات على الراتب الأساسي خلال الشهر المقبل، والانتهاء من إجراءات صرف مستحقات نهاية الخدمة لاستلام الشيكات الخاصة للمحالين على المعاش للمتبقي من نوفمبر/ تشرين الثاني وجزء من ديسمبر/ كانون الأول 2018، مع الوعد بتوفير الموارد اللازمة لصرف المتبقي من شهر ديسمبر 2018 بشكل عاجل، وتم الإعلان عن أنه يتم التنسيق مع الجهات المعنية لصرف كافة المستحقات والتسويات!
ليس مؤكداً أن القوم سيصدقون في ذلك، لكن هذا يعد تطوراً له أهميته، فقد حضرت جماهير ماسبيرو، فعمل لهم النظام المرتعش حساباً، وكان لا يهتم بهم.
المجد لثورة يناير في الأعالي!
«أرض – جو»
وكان لابد من أن يثبت البرهان أن ما وقع في السودان انقلاب، فأغلق مكتب قناة «الجزيرة مباشر» وسحب ترخيص مراسلها، بعد اتهام القناة بالتناول غير المهني، وضرب النسيج الاجتماعي، وبث محتوى اعلامي يخالف سلوكيات وأعراق وأخلاقيات المهنة.
وهكذا تحول الجنرال إلى رئيس لهيئة الإعلام السمعي والبصري بما يمكنه من الحديث عن المهنة وأخلاقياتها، في حين أن الجزيرة مباشر لم تفعل شيئاً سوى أنها نقلت جرائم الانقلاب ضد المتظاهرين العُزل الرافضين لحكم العسكر!
إن مثل هذه الإجراءات لم تمنع الجزيرة في السابق من نقل رسالتها، وكما قلنا إزاء وقائع سابقة، إن مكاتب الفضائيات في عواصم الاستبداد هي نقطة ضعف لا قوة، لأن خوف مديري المكاتب على التراخيص يدفعهم للقيام بتفاهمات مع الأجهزة الأمنية!
لن يعجزوا الجزيرة مباشر، عن نقل الحدث، فالكاميرات في يد الجميع، والصورة لا يحتكرها المراسل الذي تم سحب ترخيصه!
وسوم: العدد 965