تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا
الهجوم الروسي على أوكرانيا لن يكن محض صدفة، بل هو مظهر جديد من مظاهر تغير النظام العالمي الدولي الذي ولد بعد الحرب الباردة، فأتت اللحظة المناسبة لتعلن عن بدء تغيّر من الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب. يفرض تصاعد وتيرة التوترات بين روسيا من جانب، وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا من جانب آخر- على خلفية الحشد العسكري الروسي الكبير على الحدود الأوكرانية، والذي استمر لمدة ليست بالطويلة، قبل أن تغزو روسيا الأراضي الأوكرانية بشكل واسع، في صباح الخميس 24 فبراير 2022-الكثير من التساؤلات حول مآلات هذه المواجهة وعلاقتها في النظام الدولي.
فما هي أسباب الحرب الروسية على أوكرانيا؟ وما أهميتها؟
ما طيسعة الدور الأمريكي والأوروبي في الأزمة الروسية الأوكرانية؟
ما تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على النظام العالمي؟
ما أثر التغيرات بعد الحرب على دول المنطقة العربية؟
مستقبل النظام الدولي
بعد انتهاء الحرب الباردة ولد النظام العالمي الجديد، وكانت الولايات المتحدة هي القطب الأهم بل الأوحد، وقد تسوّدت على العالم كله لكنها ارتكبت اخطاء كبيرة ومتنوعة، ومنذ عام 2001 شنّت حربًا طويلة الأمد ضد أفغانستان، وتلتها حرب أخرى لاحتلال العراق عام 2003، وأحدثت الفوضى في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وأطلقت يد إيران في المنطقة، وأخذت تعبث في سوريا، واليمن، ولبنان من خلال أذرعها، وأشغلت العالم كلّه في تلك الأحداث، واستثمرّت كل هذه الأحداث لصالحها على حساب تلك الدول والشعوب!!
وخلال هذه الفترة كانت الصين قد استغلت الوقت في إعادة بناء ذاتها وقدراتها، وكذلك استغلت روسيا انشغال أمريكا هنا وهناك في إعادة بناء ذاتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية...
ولكن الكثير من الدول ترى بأن أوزانها الجديدة لا تتفق مع أدوارها المناطة بها، وأن المنظومة الدولية لا تسمح لها بأخذ مكامها الطبيعي فتشعر بالغبن وتبدأ بالتحرك لأثبات مكانتها، وفي مقدمة هذه الدول روسيا التي تحركت باتجاه أوكرانيا بشكل مدروس وليس تحركا مفاجئا أوغريبا، وهذا تحرك لإعادة الأمجاد. فالنزاع بين روسيا وأوكرانيا سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات الدولية، وسوف يعمّق الأعمال العدائية بين موسكو والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والدول الغربية الأخرى الموجودة بتحالف «الناتو».
أسباب الحرب الروسية على أوكرانيا
اتخذت روسيا قرارات جيوسياسية بوقت مبكر من عام 2004، وحفزّها الناتو على التوسع وكانت الخطوة الأولى لبوتن، أن قام في عام 2008 باتجاه شمال جورجيا ولم يستطع النظام الدولي والأوروبي والولايات المتحدة أن يفعل شيئا جديرا بالاهتمام، فأدرك بوتن أنه قادر على القيام بخطوة ثانية، قام في عام 2014 – 2015 باتجاه شرق أوكرانيا ثم وقعت اتفاقية منسك التي أعطى شرق اوكرانيا شيئا من الحكم الذاتي وأعقبتها الخطوة الثالثة في ربيع 2021، عندما حشد بعض القوات العسكري على الحدود، ثم سحبت روسيا قواتها بعد أيام لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، واتفاقية منسك كانت البذرة التي زرعها بوتن من أجل أن يصل إلى هذه اللحظة وهي الاعتراف بهذا الجزء من أوكرانيا ككيان منفصل والذي أعطى روسيا المبرر التدخل في أوكرانيا.
تعاني أمريكا شيخوخة على مستوى القيادة السياسية، وعلى مستويات أخرى منها البنية التحتية وغيرها. هذا التدهور والتراجع في ميزان القوى لصالح الصين، وروسيا، وألمانيا، واليابان، على الرغم من أن مظاهر التراجع الأمريكي لا يمكن حصرها في شيخوخة الامبراطورية، إلا أنها مؤشر واضح الدلالة والأثر، وأما الموقف الأوروبي هو مجرد تسجيل موقف بعد خذلان أوكرانيا خلال السنوات الماضية من طلبها للانضمام للاتحاد. منذ سنوات طويلة وأوكرانيا تطالبكم برغبتها بالانضمام إلى حلف الناتو ويتم رفضها خشية غضب بوتين وحين قرعت أجراس الحرب وأيقنتم أن الغزو الروسي لأوكرانيا آت لا محالة، لم توافقوا رغم المعلومات المؤكدة أن رفضكم سيقودإالى احتلال أوكرانيا.
تتحرك كل الدول لمراقبة هذا التراجع الأمريكي من أجل استعادة مكانتها ونفوذها، كُل حسب حجمه ومقدار نموه ووزنهِ النسبي وطبيعة استراتيجيتهِ الكبرى، وهذا ما تقوم به روسيا على الأراضي الأوكرانية، فالصراع الحقيقي ليس مع أوكرانيا بل هو بين أمريكا وأوروبا من جهة ومع روسيا من جهة أخرى، بسبب تعارض مصالح هذه الدول الكبرى، وإن دفع أوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي هو بالحقيقة لعبة أمريكية أوروبية لأثارة روسيا، خاصة بعد إكمال مشروع نورد ستريم /2، خوفا من التبعية السياسة لموسكو.
فروسيا تحتاج إلى أوكرانيا ليس كدولة يمهين عليها بشكل مباشر، وإنما تحتاج لها مثل بيلاروسيا ضمن مجال روسا الحيوي بعيدا عن المجال الأوربي، لحماية أمنها القومي من التدخل الغربي وهذا ما تفعله روسيا اليوم لأنه متعلق بضرورات الامن القومي الروسي، الذي يبعد التدخل الأوروبي والأمريكي باتجاه روسيا، ولذلك فإن مطالب روسيا الأساسية تصب في هذا الجانب وكما يلي:
- حياد أوكرانية ونزع سلاحها.
- عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تقديم أي تسهيلات لها.
- سحب قوات الناتو من بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة.
تداعيات احتلال أوكرانيا على المنطقة العربية
إن الخارطة العالمية بدأت في التغيّر بشكل سريع مع الاجتياح الروسي لإوكرانيا، وهذا الاجتياح إن مرّ بسلام سوف يتوسع ليشمل كلّ أوروبا الشرقية، رغم أن روسيا سبقت قبل هذا التوسع في سوريا ثم الانطلاق إلى الاتجاه الآخر، وهذا التوسع لم يأتي من فراغ وليس وليد الصدفة بل وفق مخطّط مدروس ضمن طموحات تلك الدولة في العودة إلى الامبراطورية، ليس فقط روسيا بل هناك دول أخرى مرتبطة في المشروع الروسي وتتناغم معه!!! وتؤشر معالم حلف جديد يشمل كلا من روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وهي تتناغم فيما بينها لتشكل قطبا جديدا منافسا للقطب التقليدي الغربي الذي بدأ في التراجع ووفّر فرصة سانحة لظهور المحور الجديد، وقد أظهر المحور الغربي عجزه في الوقوف في وجه روسيا، وهذا سوف يشجع الدول أصحاب الطموحات في التوسع على ضوء الاحلام أو المورث التاريخي، وسوف يغير خارطة الدول والنظام الدولي وسيخلق الفوضى حسب النظام الأقوى بعيدا عن القوانين والأعراف الدولية. وبذلك سيصبح كل من يعتقد بأن لديه حق عند دولة أخرى يجب استرجاعه، فالصين تستعد لاجتياح تايوان لأنها ترى بأنها جزا منها ، وإيران تتحدث عن إعادة أحلامها الامبراطورية، وتريد استعادة الأجزاء التي فقدتها، وتطالب في العراق، والبحرين وأجزاء أخرى من الوطن العربي، أي بمعنى أن كل الدول تسعى إلى الاستفادة من التجربة الروسية وخاصة الدول التي تتناغم مع الحلف الروسي والتي أيدت هذا التوجه في اجتياح أوكرانيا مثل الصين، وإيران.
وهذا التحول الجديد ينذر بمخاطر جديدة وخاصة على البلاد العربية، لقربها من إيران التي تحمل مشروعا صفويا بالنسخة الخمينية التوسعية، وأبرز أهدافه ونوياه عبر التاريخ التوسع باتجاه الدول العربية، وطالما سعت إيران في الاستفادة من كل الفرص لتحقيقه من خلال التناغم مع المحور الغربي والشرقي من أجل فرض سيطرتها، والاستفادة من المحور الغربي لتحقيق الكثير من المصالح المشتركة وتبادل الأدوار في العراق، وسوريا، والتوافق مع ـمريكا، والغرب في العراق، والتوافق مع روسيا في سوريا، وأصبح العراق، وسورية يدورون في فلك إيران من خلال هذا التوافق، كما قامت بإنشاء المليشيات فيها وتنشيط دورها في لبنان لإحكام سيطرتها على الدولة اللبنانية، وتطبيق نفس النموذج اللبناني في اليمن من خلال المليشيات التي تم زرعها.
التحول الكبير في النظام العالمي بضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، ستلوّح كل دولة لضم دولة أخرى بالقوّة، وسوف يتعرّض العالم للفوضى وعدم الاستقرار، وإلى التكتلات الدولية والتخندق الدولي، وسباق التسلح، والسعي إلى التمدد على حساب الدول الأخرى وهذا الذي حصل بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا. فلن تكون الحملة الروسية ضدّ أوكرانيا سهلة أو خاطفة، فهي الخطوة الأولى في سلسلة من الأحداث، التي ستتوج في نهايتها بحدث يُعيد صياغة النظام العالمي. فهذه هي المرحلة الانتقالية كما وصفها الفيلسوف Antonio Gramsci بقوله: "العالم القديم يموت، والعالم الجديد يصارع من أجل أن يُولد"
سيدرك الأوكرانيين أنه تم توريطهم في لعبة كانت أكبر من أن يكونوا وقودها، وكذلك كانوا حقل تجربة للقوة الروسية الساحقة، ولكنهم مع الوقت سيدركون بأن فضائهم وعمقهم الحقيقي هو روسيا، وأن امريكا والغرب كانوا يكذبون عليهم وساروا بها نحو المحرقة.
وستدرك دول الخليج العربي خطورة الأوضاع الدولية التي يمر بها العالم، وأن الخطر القادم من الجارة إيران لا مفر منه، وسيهديهم الرئيس بايدن الاتفاق النووي على طبق من ذهب لقاء خدمتهم للمشروع الأمريكي الإيراني في المنطقة.
فعلى دول الخليج التوحد والاعتماد على قدرات شعوبهم، فالاحتماء بالأجنبي لن يخدمهم، والمتغطي بأمريكا سيبقى عاريا، وسيغدرون بكم كما غدروا بأفغانستان وأوكرانيا.
للمعلومات أسماء الدول التي انضمت إلى حلف الناتو
وسوم: العدد 971