سيبقى النظام السعودي والنظام الإماراتي في فلك أميركا

فسر بعض الساسة وأهل الرأي قول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع مجلة " ذا اتلانتك " الأميركية إنه لا يأبه بإساءة فهم الرئيس الأميركي بايدن له ، وإن بلاد الحرمين قد تسحب بعض استثماراتها البالغة 800 مليار دولار من أميركا ؛ فسروه بأنه قد يكون تلميحا جادا إلى الابتعاد عن فلك أميركا والغرب جملة ، والتوجه نحو روسيا والصين . وذات التفسير حدث مع امتناع النظام الإماراتي عن التصويت في مجلس الأمن ، من خلال عضوية الإمارات المؤقتة فيه ، بإدانة روسيا التي أدانها بعد ذلك في الأمم المتحدة . وفي رأينا أن هذا التفسير لا نصيب له أبدا من الصواب . وما أكثر الأسباب والمسوغات التي تحرمه هذا النصيب . ما قاله ولي العهد السعودي عن لا مبالاته بإساءة فهم بايدن له عادي جدا في السياسة ، وهو في موازين السياسة الغربية وتقاليدها أشد عادية في البلد الواحد وبين بلد وآخر . والغرب تقلقه الأفعال لا الأقوال ، ويفهم ساسته وإعلامه أن ما قاله ابن سلمان مفيد لهم من حيث إنه يظهر صديقا لهم قائدا قويا في نظر شعبه لا قائدا خانعا خاضعا للقوى الأجنبية الأمر الذي يعينه على موالاة ارتباطه بهم ودورانه في فلكهم الذي هو لمنفعة دولهم أكثر مما هو  لمنفعة هذا الشعب ، والمنفعة الأساسية لهؤلاء القادة الذين جلهم من العرب هي بقاء أنظمة حكمهم . وذات الحال نراها في العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل .

السلطة تهاجم إسرائيل بلسانها مهاجمة لا تقل أحيانا حدة وعدائية عن مهاجمة حماس والجهاد لها ، ولا تنزعج إسرائيل من هذا الهجوم ، وفي إثر اغتيالها لثلاثة من عناصر فتح في نابلس هدد أبو مازن بأنه سيرد الصاع صاعين ! ولم يفزع تهديده إسرائيل ، ولحق تهديده  بقافلة تهديداته السابقة التي لم ينفذها . وقول ابن سلمان إنه قد يسحب بعض ، لا كل ، استثمارات بلاده من أميركا ، أمر عادي في بابه . المستثمرون دولا أو أفرادا يبدلون مواقع استثماراتهم تبعا لتبدل الأحوال الاقتصادية والتجارية وأحيانا السياسية . ارتباط النظام السعودي بأميركا منذ اتفاقية كوينسي في 14 فبراير 1945 بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت ارتباط حماية لهذا النظام مقابل هيمنة أميركا على شئون النفط في بلاد الحرمين استخراجا وتسعيرا وتوظيفا سياسيا في الأحداث الدولية ، ولا بأس من هامش حرية نسبية للنظام السعودي في هذه الأحوال الثلاثة . ومحظور الابتعاد عن هذا الهامش ابتعادا يضر المصلحة الأميركية ، والعبرة في ما حدث للملك فيصل حين دبرت مخابرات أميركا اغتياله بيد ابن أخيه مساعد في 1975 لاحتجاجه على دفعها ثمن مبيعات نفط بلاده إليها بدولار تطبعه دون قاعدة ذهبية ، ويوصف حقا بأكبر سرقة في التاريخ ، وهو أهم مصادر قوة أميركا وهيمنتها في العالم ، ولولاه لتراجعت  هذه القوة وهذه الهيمنة كثيرا ، ولحلت محلها قوى أخرى منفردة أو مجتمعة  . ومن الذي مكن ابن سلمان من القفز إلى ولاية العهد منتزعا لها عنوة من ابن عمه محمد بن نايف ، وخارجا فيها وفي ما قد تؤدي إليه من الوصول إلى عرش المملكة عن التسلسل المتبع   بين أعمامه ؟!  بل من الذي يحميه من انتقام الحانقين عليه من آل سعود لانتزاعه ولاية العهد تعسفا وظلما ، ولما فعله بكبار أمرائهم حين اعتقلهم في فندق الريتز وسلبهم أموالهم بتهم الفساد؟! إنها  أميركا مضافة إليها إسرائيل التي ظهر كثير من جوانب علاقتها السرية مع النظام السعودي في عهده ، وتنتظر منه تطبيعا رسميا  قريبا معها ، وقدم لها هدية علنية نفيسة في لقائه مع المجلة الأميركية حين صنفها حليفا محتملا لا عدوا ، وهي هكذا كانت دائما ، حليفا للنظام السعودي لا عدوا له . وأميركا باقية في الشرق الأوسط ولو خففت مظاهر بقائها ، وما تفعله هو تغيير في وسائل بقائها لا في صميمه وأهدافه ، وعهدت لإسرائيل بالعمل وفق بعض تلك الأساليب القديمة مثل التواجد البحري والبري العسكري في نطاق جزيرة العرب . ونأتي إلى النظام الإماراتي . النظام الإماراتي لا يقل احتياجا  للحماية الأميركية عن نظيره السعودي ، وتهالكه في العلاقة مع إسرائيل أقوى تعبير عن هذا الاحتياج تنفيذا لقناعة المطبعين العرب بأن أقصر الطرق لرضا أميركا وحمايتها لنظمهم هو الطريق إلى إسرائيل . اقترب من إسرائيل تقترب من أميركا ! وكل تحركات النظام الإمارتي  بداية من تقربه من سوريا وتركيا وإيران مأذون بها أميركيا ، وإظهارها حرية سياسية خاصة به يشبه إظهار حرية ابن سلمان في لا مبالاته بموقف بايدن وأميركا منه وإظهار أبي مازن لتحديه لإسرائيل . سياسة الأنظمة العربية الدائرة في فلك أميركا والغرب سياسة  منبثقة من أصل وغاية إيجاد هذه الأنظمة ، والأصل والغاية غربيان وثيقا الصلة بالحركة الصهيونية وإسرائيل ، والأصل باقٍ والغاية باقية ، واستخلاصا  : سيبقى النظام السعودي والنظام الإماراتي وكثير من الأنظمة العربية ذات الأصل والغاية في فلك أميركا والغرب وإسرائيل .