حق مساهمة غير المسمين في العمل العسكري أو المشاركة في جيش الدولة الإسلامية

قال فريق من المسلمين بجواز مساهمة غير المسلمين في العمل العسكري، أو بتعبير آخر بجواز مشاركتهم في جيش الدولة الإسلامية بل بوجوب المشاركة في حال الدفاع عن وطن الدولة الإسلامية في حال العدوان عليها.

وهذا القول هو رد على من قال بعدم جواز ذلك، وممن قال بجواز المشاركة الحنفية والهادوية وفريق من الفقهاء والعلماء والمفكرية، وقد استدلوا على رأيهم بالكتاب الكريم والسنة النبوية وأفعال الصحابة والواقع التاريخي.

1 – الكتاب :

قال الله تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة – 8)

فالآية فرقت بين طائفتين من غير المسلمين، بين المقاتلين للمسلمين والمعتدين عليهم، وبين غير المقتلين للمسلمين ولا المعتدين عليهم، وقررت المعاملة بالبر والقسط لغير المعتدين على المسلمين ولا المقاتلين لهم، والوثوق بهم والاطمئنان إليهم، لأن اختلاف الدين لا يمنع من تطبيق الحق والعدل على غير المسلمين والإقساط إليهم، أما النهي الموجه للمسلمين في عدم البر والاقساط للذين يقاتلون المسلمين ويعتدون عليهم وعدم الوثوق بهم والاطمئنان إليهم وتوليهم.

2- السنة :

أ – وثيقة المدينة المنورة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من جهة واليهود والمشركين من جهة أخرى.

وهذه بعض بنود الوثيقة (الصحيفة) التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تبين وتحدد العلاقات بين ساكني المدينة من المسلمين – مهاجرين وأنصاراً – واليهود والمشركين ومن يتبعهم، وقد سماها البعض ب (دستور المدينة) وقد احتوت على (47) بنداً كما أوردها الدكتور حميد الله في كتابة القيم "مجموعة الوثائق السياسية".

1 – هذا كتاب من محمد النبي، رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.

2 – أنهم أمة واحدة من دون الناس.

16 – وأنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.

23- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد.

24 – وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

25 – وأن يهود بني عوف أمة واحدة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته.

  • ثم يتبع ذلك بقية قبائل يهود وبطاناتهم بيهود بني عوف، ويقول : إن ليهود بني فلان ما ليهود بني عوف

37 – وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.

39 – وأن يثرب (المدينة) حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

42 – وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى مافي هذه الصحيفة وأبره.

44 – وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.

ففي هذه البنود من الوثيقة نرى أنه لم تحصر المواطنة في الدولة الإسلامية الأولى في المسلمين وحدهم بل نصت الوثيقة على اعتبار اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة وحددت مالهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات.

من خلال النظر أيضاً في نصوص هذه الوثيقة يلاحظ المرء أن المدينة المنورة أصبحت وطناً موحداً للمسلمين واليهود والمشركين، وأن هذه الشرائح التي تختلف في دياناتها وعقائدها أصبحت شعباً واحداً يتعاونون على البر والعدل ومحاربة الظلم وتحكيم شرع الله فيما اختلفوا فيه، ويتناصرون ويدافعون عن المدينة وأهلها يداً واحدة اذا ما داهمها خطر أو اعتداء.

ب – مشاركة صفوان بن أمية بن خلف في جيش المسلمين في معركة حنين وهو ما يزال على شركه وقد أنكر صفوان على أخيه "كلدة" ابتهاجاً أو شماته بهزيمة المسلمين في الجولة الأولى من المعركة. يقول الخبر : "وصرخ كلدة بن الحنبل- وهو مع أخيه صفوان بني أمية بن خلف ، وكان أخاه لأمه وصفوان يومئذ مشرك- في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم – فقال ألا بطل السحر اليوم. فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن). (تاريخ الطبري – جـ 3 ص 74).

جـ - حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة – على المناصرة فيما بينهم – وهم على الشرك (سيرة ابن هشام – جـ 1 ص 511 – جـ 2 ص 318) وفي هذا دلالة على جواز الاستعانة بغير المسلمين.

_ واستعان أيضاً بيهود بني قينقاع ورضخ لهم (رواه أبو داود في المراسيل وأخرجه الترمذي عن الزهري مرسلاً، وصحح البيهقي من حديث أبي حميد الساعدي أنه ردهم).

3 – من أفعال الصحابة :

1 – روى الطبري عن ملك (الباب) في نواحي أرمينية واسمه (شهر براز ) أنه طلب من سراقة بن عمرو، أمير تلك المنطقة أن يضع عنه وعمن معه الجزية على أن يقوموا بما يريده منهم ضد عدوهم.

وقبل سراقة هذا العرض وأخبر به أمير المؤمنين عمر ب الخطاب فأجازه وحسنة. ( تاريخ الطبري – جـ 5 ص 256).

ومما جاء في كتاب سراقة لأهل أرمينية : " وعلى أهل أرمينية و... أن ينفروا لكل غارة وينفروا لكا أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحاً على أن توضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك" (المصدر السابق – جـ 257).

2 – وجاء في كتاب سويد بن مقرن قائد جيش المسلمين في بلاد فارس في زمن عمر بن الخطاب إلى ملك جورجان "....... ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضاً عن جزائه". ( المصدر السابق جـ 5 ص 254).

3 – إن الجراجمة في جبل اللكام في نواحي أنطاكية، نقضوا العهد فوجه أبو عبيدة بن الجراح إلى أنطاكية من فتحها ثانية، وولى عليها بعد فتحها حبيب بن مسلم الفهري فغزا الجرجومة – مكان الجراجمة – فلم يقاتله أهلها، ولكنهم طلبوا الأمان والصلح، فصالحوه على أن يكونوا أعواناً للمسلمين وعيوناً ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية.. ودخل من مكان في مدينتهم في هذا الصلح" (تاريخ البلاذري – ص 217. الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام الذميين والمستأمنين – ص 156).

4 – عن الشيباني – وهو أبو اسحق – أن سعد بن مالك – وهو ابن أبي وقاص – غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم"

(مصنف ابن أبي شيبة – رقم 15013 – جـ - 12 ص 396. سنن البيهقي – جـ - 9 ص 37، عن الدكتور محمد خير هيكل – الجهاد والقتال – جـ 2 ص 1038 ) وقال ابن حزم معلقاً على هذا الخبر : ولا نعلم لسعد مخالفاً من الصحابة.

5 – عن جابر قال : سألت الشعبي عن المسلمين يغزون بأهل الكتاب؟ فقال الشعبي : أدركت الأئمة، الفقيه منهم وغير الفقيه، يغزون بأهل الذمة، فيقسمون لهم ويضعون عنهم من جزيتهم، فذلك لهم نفل الحسن" ( فتح الباري شرح صحيح البخاري – جـ 6 ص 179 – 180 وجـ 7 ص 474).

4 من أقوال الفقهاء والعلماء والمفكريم المسلمين :

_ وجه الجمهور أدلة من قال بعدم جواز الاستعانة بغير المسلمين في الحرب – وخاصة منهم المالكية – بأنها متقدمة زماناً على استعمال الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي منسوخة أو إن رد الرسول لهم لأنه لم يثق بهم.

_ جاء في السير الكبير وشرحه ما يلي : "ولا بأس بأن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك... لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استعان بيهود قينقاع على بني قريظة، ولأن من لم يسلم من أهل مكة كانوا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركباناً ومشاة إلى خيبر ينظرون لمن لا يكون الدبرة ( الهزيمة في القتال ) فيصيبون من الغنائم ... وخرج صفوان وهو مشرك.. حتى شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف وهو مشرك فعرفنا أنه لا بأس بالاستعانة بهم..".(السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني وشرحه للسرخسي – جـ 4 ص 1422 – 1423).

وورد في كتاب أحكام القرآن للجصاص: " ومستفيض في أخبار أهل السير ونقلة المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يغزو ومعه قوم من اليهود في بعض الأوقات، وفي بعضها.

5 الواقع التاريخي :

يقول الإمام الشيخ محمد عبده :

" عرف خلفاء المسلمين وملوكهم في كل زمن ما لبعض أهل الكتاب بل وغيرهم من المهارة في كثير من الأعمال فاستخدموهم وصعدوا بهم إلى أعلى المناصب حتى كان منهم من تولى قيادة الجيش في الأندلس" (رسالة التوحيد طـ 1 – 1406 هـ - 1986م – دار الكتب العلمية – بيروت – ص 97).

كما شارك المسيحيون في القتال مع المسلمين، وكانوا يحاربون جنباً إلى جنب، وقاموا ببطولات كثيرة، وكان لهم أحياناً مواقف حاسمة مثل واقعة البويب بين المثنى والفرس. (الموجز في معاملة غير المسلمين في الإسلام – المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – مؤسسة آل البيت – ص 53 – عمان – 1994م ).

ويمكن تقسيم إمكانية مشاركة الأقليات الدينية في جيش المسلمين إلى حالتين :

- الحالة الأولى : إذا كان جيش المسلمين في قتاله، هو في حالة إزالة العوائق من طريق الدعوة الإسلامبة ومحاربة الظلمة والمتجبرين الذين يحولون بين الإسلام وبين الشعوب، وهذا ما يمكن تسميته بمهمة نشر الدعوة الإسلامية فغير المسلمين في هذه الحالة لا يلزمون بالانخراط في الجيش أو المساهمة في العمل العسكري، إلا أنهم لا يمنعون من التطوع والمساهمة فيه، عن رغبة منهم ودون أي ضغوط تمارس عليهم.

- الحالة الثانية : أن يكون جيش المسلمين في حالة الدفاع عن الوطن ورد عدوان المعتدين عليه، فغير المسلمين في هذه الحالة يصبح واجباً وطنياً عليهم المشاركة مع مواطنيهم من المسلمين في رد هذا العدوان الذي يستهدف الوطن والمواطنين جميعاً، وذلك لأنهم جزء من أبناء هذا الوطن ومجتمعه الذين يقع على عاتقهم الدفاع عنه وحمايته من المعتدين، واذا لم يتطوعوا للدفاع عنه برغبة منهم، فلولي الأمر حينئذ – حسب تقديره للمصلحة – أن يلزمهم بالمشاركة مع بقية المواطنين في هذا المجتمع المستهدف.

إذا ساهم غير المسلمين في جيش المسلمين سواء كما ورد في الحالة الاولى (حالة التطوع) أو في الحالة الثانية (حيث يمكن إلزامهم بالمشاركة في الدفاع عن الوطن) فلا بد من مراعاة الأصول الشرعية فيما يوكل إليهم من مهام في الجيش الإسلامي، ومن ذلك :

أ – عدم تكليفهم بمهام ذات صبغة دينية.

ب – ما يراه صاحب السلطة – من مصلحة المسلمين – في تكليف غير المسلمين بأي مهمة ذات بال في جيش المسلمين.