باكلوريا الفنون: هل هذا هو إصلاح التعليم؟

الجزائر القديمة ألغت البكالوريا التقنية رغم فوائدها في التنمية والتطوير، وألغت بكالوريا الشريعة رغم تحصينها للمجتمع وحفاظها على هويته، انتظرنا من الجزائر الجديدة أن تصحح المسار فاستحدثت بكالوريا الفنون، فكيف يثق الناس في هؤلاء وإصلاحاتهم وكيف يحسنون الظن بهم وهم يرون نفس العقل المدبر في زمنيْن مختلفيْن؟ أليس هذا استبدالا للنحاس بالذهب والعلم بالجهل والعقل بالسفاهة؟ هل هذا الاختيار سيرفع مستوى المدرسة؟ أين سلم الأولويات؟ أم أن هذا نتيجة طبيعية للدستور العلماني الذي لبى إملاءات المنظمات الدولية على حساب هوية الشعب ومطالبه؟ ما معنى شعبة الفنون؟ لا يختلف عاقلان أن الأمر لا يتعدى الرقص والموسيقى والغناء والنحت والرسم المحرم شرعا، وهذه استجابة واضحة للأقلية العلمانية التغريبية وتجاهل بيّن لتطلعات الأغلبية الساحقة من الشعب التي تنشد الرقي والتميّز الحضاري فتجد نفسها أمام مزيد من الرداءة و الانحدار، كيف لا وهذا الاستحداث لا يبشر إلا بمزيد من انحلال الأجيال وسقوطها الأخلاقي؟ إنها فتنة كبرى وإغراء كبير للشباب على خلفية أن بكالوريا العلوم الإسلامية – في نظر الأقلية المتحكمة - خطر على الأمن العام ومستقبل الأجيال وتخلّف عن مسايرة التطورات الحاصلة في المجتمعات الغربية، أمّا بكالوريا الفنون فهي تساير مستجدات الأحداث وتعكس ما عليه المجتمع من انحلال ولهو ورقص وغناء و عري وسفالة وضياع في دنيا المحرمات...إنها "الواقعية" التي يهواها اليساريون.

ألا يعلم القائمون على "إصلاح" المنظومة التربوية أن جل المؤسسات الثانوية تدرس حاليا مادتي العلوم الطبيعية  والفيزياء بلا مخابر ولا تجارب، أي تعتمد على ورقة وقلم وسبورة فقط؟ أليس هذا ضربا للعلم في الصميم؟ أليس هذا يدل على تقويض ممنهج وتسميم وتحطيم للمنظومة التربوية كما هو واضح من مخطط وعمل الثلاثي بن بوزيد – بن زاغو – بن غبريط؟ ويمكن لأي أحد أن يتأكد من ذلك بمعاينة نتائج هذه الإصلاحات لأنها تُرى بالعين المجردة وتُلمس باليد: متعلم بلا هوية ولا وطنية ولا لغات ولا مدارك عقلية أوكفاءة معرفية ولا قيم أخلاقية، باستثناء أقلية من المتميزين الذين حالفهم الحظ عبر الدروس الخصوصية والمحيط الأسري المناسب، لك الله يا بلاد الشهداء، انتظرنا تجسيد وعود الإصلاح فتمخض الجبل وولدا كائنا مشوها سموه بكالوريا الفنون... وأريد أن أصرخ بهذه الحقيقة المؤلمة: سيختار معظم التلاميذ هذه الشعبة الجديدة على حساب الآداب والعلوم والرياضيات، لماذا؟ لأن لديها مستقبلا زاهرا مقابل جهود قليلة جدا كما حدث مع شعبة الرياضة وأكثر، وبعدها سيظهر جيل ممسوخ الذاكرة، مغرب الثقافة، كسير اللسان، خاوي الوفاض، مغشوش التدين، حلمه الهجرة إلى فرنسا بسبب تيسير المنظومة التربوية للغزو الفكري الثقافي التربوي التعليمي على حساب الانتماء العربي الإسلامي الأصيل...إننا أمام الرضوخ لإملاءات اليونسكو واليونيسيف ولجان البرلمان الأوروبي بدل الإصغاء للعمق الجزائري، هكذا تستمر الحرب على الإسلام والعربية والوطنية والتاريخ كامتداد لمحاربة بن غبريط للقرآن والصلاة واللباس المحلي وكل ما له علاقة بالأصالة، وها هو القرار الجديد يسيء للجزائر في هويتها واقتصادها وتكنولوجيتها وتطلعاتها المستقبلية بحيث يجرف الشباب المثقف إلى  اللعب والتمثيل والغناء على حساب مقومات التقدم والإقلاع والرقي، هل فعلا العلوم الإسلامية والتعليم التقني لا يستجيبان لسوق العمل رغم ظهور الحاجة الكبيرة إليهما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في العاجل والآجل، بينما الرقص والتمثيل يستجيبان لسوق العمل في نظر أصحب القرار؟ حتى لا نذهب بعيدا في الأمثلة نسأل:هل حققت تركيا الجديدة تقدمها المذهل بالإنتاج الفني؟ وهل أولوية الجزائر هي مزيد من السكتشات؟ أليس يشبه هذا معالجة الأعمى بتكحيل عينيه ومعالجة حال العاري بوضع خاتم في يده؟ من الواضح أن القرار ما هو – إذا أحسنا الظن - إلا تقليد للغرب المتغلب، وكالعادة بدل اتباع الإيجابيات نكبّ على القشور...وهذا هو نموذج مصر بارز للعيان:كانت هي الدولة العربية السباقة إلى الفن السينمائي والغنائي الغث الفاسد، والنتيجة نعرفها جميعا، ها هي منذ عقود لا تتجاوز إفساد الشباب والأخلاق والأذواق ومحاربة الفضيلة والقيم الرفيعة، مع دوام التردي الإقتصادي والإجتماعي.

بقي أن أشير إلى أني طول حياتي أدعو الشباب الملتزم إلى خوض غمار التمثيل والإخراج السينمائي والمسرحي حتى لا يبقى الميدان حكرا على غلاة العلمانيين،  على أساس أنه يجب علينا تجاوز مستوى التحريم والإنكار إلى مستوى إعطاء البديل وخدمة قضايانا بالأفلام والمسرحيات والمسلسلات لكن بشرط أن يكون ذلك في إطار برنامج إصلاحي واضح المعالم نتحركم فيه نحن، أما أن يصبح الشباب مجرد أدوات في يد المخطط العلماني فهذا مرفوض أشد الرفض لأننا نريد مشروعا فنيا آخر لا علاقة له بأهداف ووسائل المشروع التغريبي.