الإخوان وطي ملف البرهان
إنّ المتتبع لمسار التنظيمات العسكرية التي تعاقبت على الحكم في السودان، يستطيع أن يضفي على قحت وما جاء بعدها الكثير من النعوت والألقاب، فالارتجال والارتباك والفوضوية هي السمة الطاغية التي اصطبغت بها هذه المرحلة، نضيف إليها أيضا هشاشة من بيدهم مقاليد الأمور وضعفهم، لم يفلح البرهان ونائبه حميدتي المشرئب للقيادة إلا في التشديد على تضييق الخناق على الحريات ومصادرتها، ولا يحمد لهم إلا أنهم أجهزوا على قحت، التي نستطيع أن نرميها بكل النعوت السيئة والألقاب الشائنة، لأن قحت أبدعت صيغا من الضغط على الدين ومنظومة القيم، ولأنها سعت لإجهاض الشيم المجتمعية الكبرى، ولأنها أمست أداة طيعة في يد ثلة من مبتدئ الساسة، وشريحة من شذاذ الآفاق لم تعي أو تدرك لهفة هذا الشعب نحو التحرر والانعتاق من معالم الاستبداد والاستغلال التي ظل يرزح تحت نيرها فترات طوال.
إن التساؤل الذي يجب أن نطرحه كيف لنا أن نسعى لانتزاع الحقوق من سلطة واهية خانعة تحركها المحاور وأصحاب السمو؟ متى تزحف قوائم الاتجاه الإسلامي لانتزاع السيادة ووقف هذا الهوان؟ متى تحرك آليات نقاباتها وخريطتها الحزبية القوية التجانس، وقطاعاتها العريضة لتفرض واقعا يقصي التخبط والاستبداد والشطط؟ هل ما زالت تنوي المكوث طويلا حتى تكون مجرد تجمع انتخابي ينافس مجموعات أخرى في انتخابات لا يعمل البرهان أو غيره على صياغتها ولا يجد المبرر الكافي لإقامتها؟
إن ثوابت المشروع الإسلامي وفلسفته تستدعي تحركاً عاجلاً من ثنايا المد الإسلامي، فهم الرهان الذي يزيح المستبد، ويخمد الباطل، ويوطد العدل، ويحمي بيضة الدين. كما أن تأصيل وتجذير الديمقراطية لا يأتي إلا عبر قنواتهم، فمتى تصادف هذه الأشواق هوى في نفوسهم؟ متى تعود السلطة للحركة الإسلامية لتتحكم في كل حيثياتها؟ وترسم في دقة وبراعة جل مساراتها؟ وتوهي بعزمها أعتى متعرجاتها؟ لابد من تدبير خفي ومعلن يقصي هذا البرهان ونائبه عن سدة الحكم، لابد من إزاحتهما عن الواجهة مهما كلف هذا الأمر من ثمن، فلن تظل الساحة خالية من صدام، لا ندري ما هي الفلسفة التي تجعل الحركة الإسلامية لا تمقت صمتها هذا وتزدريه؟ فهي لم تمتد وتستطيل إلا بفضل هباتها ونزوعها للتحرر من أغلال الطغاة، لا يمكن للحركة الإسلامية السودانية البتة تجاهل الضيم الذي لحق بشعبها من هذا التردد والانزواء، لابد من تكتل قوي وعريض لجموعها في الشارع، ينتهج طريق الحوار والائتلاف حتى تكون لها الأحقية في كل شيء، في قمع الباطل، ووأد الفتن، والانخراط في البناء. وحتى يكون الاتجاه الإسلامي شديد السطوة، قوي التأثير، وحتى يزيح البرهان الواهي الضعيف ويتربع مكانه، لابد أن يوحد صفه، ويجمع شتاته، ويستنفذ كل الفرص المتاحة، وأولها تعاظم مكانته عند شعبهم وتحسر هذا الشعب على ماضيه رغم ما يكتنف هذا الماضي من سواد.
فحوى الكلام استحضار الفترة الحالكة التي سبقت التخطيط للانقلاب على حكومة الصادق المهدي، والقناعة التامة بأن انتهاج الصمت المطبق والاكتفاء فقط بلم شتات الأطر لن يجدي فتيلا، وأن الوقت قد حان للشروع في نشاط سياسي هادر يقصي الجميع عن الواجهة، بعد أن تختار الحركة الإسلامية من كنانتها أسدا هصوراً من كماة القوات المسلحة، تطنب الأفواه بقوة شكيمته، وحسن سيرته، ينقذ الدولة السودانية، وينقذ سيادتها من وطأة هذه الظروف.