القضية السورية (قضية الصراع بين الزمرة البهرزية المحتلّة، والشعب السوريّ) 3 - 6
(3 من 6)
*هذا هو التاريخ السوريّ الحديث يا بشار الوحش المجرم بن حافظ الوحش المجرم بن سليمان الوحش البهرزيّ، ولا يمكنك تزويره أو التلاعب به*
[لقد كانت سورية إحدى ضحايا التآمر والانقلابات العسكرية خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وحُرِّم عليها الاستقرار، إلا الاستقرار الوهميّ على أيدي صُنّاع الموت وحمّامات الدم والاستبداد، من القافزين إلى السلطة على ظهور الدبابات، الذين أغرقوا البلاد والعباد بالفوضى والتخبّط والتخلّف، وأخذوا يزاودون ويحاولون عبثاً، إلصاق نتائج ما اقترفته أيديهم، بغيرهم من المقاومين لإجرامهم وخياناتهم، من أبناء الحركة الإسلامية المجاهدة!..
إنّ الحركة الإسلامية في سورية ليست حزباَ سياسياً عابراً يضمّ أطراً تنظيميةً ضيقة، فهي تمثل تياراً واسعاً في الشعب السوريّ، يضرب جذوره في الأعماق، كما تمثل الصحوةَ الإسلاميةَ المستنيرةَ التي شَعَّ نورها في أرجاء الأرض، وتاريخها يشهد لها أنّ أبناءها كانوا دائماً دعاة خيرٍ وتسامحٍ وحوارٍ وإصلاح.. وقد شاركوا في الحياة السياسية في كل العهود الديمقراطية، كما شاركوا في مقارعة الاستعمار، وفي حرب فلسطين، وفي الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم نواب ووزراء في العهود الديمقراطية، وكذلك كانت لهم صحف، ونوادٍ، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.. لذلك لا يمكن إلغاؤهم بقانون، أو إلغاء دورهم بِجَرّة قلم، أو بمزاج مجرمٍ جاهلٍ أفّاكٍ دجّال، بات العالَم كله يشهد على إجرامه وفساده وخياناته وضلاله ووضاعة مَنبته ونشأته.. من حق أبناء الجيل الحالي والأجيال القادمة، في سورية وخارجها.. أن يعرفوا الحقائق التاريخية والسياسية، ويطّلعوا على حقيقة موقف الحركة الإسلامية في سورية، من مختلف القضايا الوطنية التي مرّت على الوطن، وما تزال تتفاعل منذ أكثر من سبعة عقودٍ من الصراع المرير بين السلطات الحاكمة المتعاقبة.. والإسلام!.. وذلك للاستفادة من دروس الماضي وعِبَرِه، وللتأسيس لمستقبلٍ وطنيٍ جديد، يقوم على الانفتاح واحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي كفلتها كل شرائع السماء، وكل المبادئ الحضارية لإنسان هذه الأرض!..]
* * *
*الفصل الثاني (..تابع)..*
*رابعاً: تبلور الصراع واشتداده في عهد تسلّط حافظ أسد (1970-2000م)*
لقد بيّنا آنفاً، أنّ حزب البعث قفز إلى السلطة عن طريق تغلغله في الجيش، وأنّ الأقليات الطائفية تغلغلت في الحزب والجيش، ثم قفز النصيريون الذين لا تتجاوز نسبتهم (9%) من عدد سكان سورية .. قفزوا إلى الحزب والجيش والسلطة، ثم قفز وزير الدفاع (حافظ أسد) للسيطرة على الحكم، بعد أن قام بمجموعة تصفياتٍ ضد منافسيه وشركائه، منها:
1- قام بتاريخ (16/11/1970م) بانقلابٍ عسكريٍ داخل السلطة الحاكمة، اعتقل بموجبها (بالتعاون مع مؤيديه) العناصر المناوئة له من كبار رجال السلطة، على رأسهم: رئيس الجمهورية (نور الدين الأتاسي)، واللواء (صلاح جديد)، ورئيس الوزراء (يوسف زعيّن)، ثم دعا الشعب (أي حافظ أسد)، لانتخابه مُرَشَّحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية!..
2- احتلّ الانقلابيون بقيادة (حافظ) مكاتبَ الحزب والمنظمات الشعبية.
3- أمر حافظ باعتقال قادة الحزب، وبخاصةٍ أعضاء المؤتمر القومي الاستثنائي، الذين كانوا قد أعفوه مع زميله رئيس الأركان (مصطفى طلاس) من منصبيهما، وقد هرب أعضاء المؤتمر المذكور إلى لبنان .
4- تخلّص من رئيس مخابرات الأمن القومي (عبد الكريم الجندي)، وادعى انتحاره.
5- دبّر بتاريخ (4/3/1972م)، اغتيال شريكه في اللجنة العسكرية الثلاثية (محمد عمران)، في (طرابلس - لبنان).
منذ سيطرته على رأس هرم السلطة، بدأ (حافظ) وزمرته بصياغة المجتمع السوريّ صياغةً مخالفةً لدين الشعب وعقيدته وتوجّهاته الفطرية الإسلامية، باتجاه التغريب والضلال والفساد والانحراف عن الإسلام، فكرياً وثقافياً وعقدياً وتعليمياً وإعلامياً وتربوياً واجتماعياً وأخلاقياً، وسخّر أجهزة الدولة وأجهزة الحزب كلها لسلخ الأمة عن قِيَمِها وإسلامها!.. ولفهم حقائق الصراع مع الزمرة الحاكمة في هذا العهد (منذ عام 1970م)، وتسهيلاً للتقصّي والبحث.. فإننا سنجزّئ هذه المرحلة من الصراع ما بين الإسلام والزمرة الحاكمة، إلى ثلاث مراحل:
*1- المرحلة الأولى (1970-1979م): تكامل عوامل الصراع.*
*2- المرحلة الثانية (1979-1982م): الانفجار الشامل.*
*3- المرحلة الثالثة (1983-2000م): الصراع السياسي والإعلامي والأمني.*
* * *
*1- المرحلة الأولى (1970-1979م): تكامل عوامل الصراع:*
على الرغم من أن الحركة الإسلامية في هذه المرحلة لم تقم بأية معارضةٍ عنيفة، فإنّ سجون النظام لم تخلُ من المعتقلين الإسلاميين، الذين كانوا يتعرضون لأسوأ الظروف والتعذيب الجسديّ والنفسيّ والإذلال والقهر، وأحياناً للتصفية الجسدية كما حصل في عام 1976م مع الشهداء: (حسن عصفور، ومروان حديد)، والفتاة المسلمة الشهيدة (غفران أنيس)، وغيرهم.
كانت هذه المرحلة فترةً خصبةً بالنسبة للحركة وللعمل الإسلاميّ والدعويّ بشكلٍ عام، فقد توافرت للدعوة الإسلامية (في المجتمع السوريّ) بيئة مستجيبة وحماس واضح للإسلام وللالتزام بِقِيَمِه، ومن أبرز ما ميّز هذه المرحلة، على مستوى العمل الإسلاميّ الدعويّ، ما يأتي:
1- اتساع نشاط الإسلاميين اتساعاً كبيراً، إذ انتشرت المساجد والدروس الدينية وخطب الجمعة التي يقوم بها العلماء والدعاة، واستُقطِبَت شرائح عدة من المجتمع، وأعداد كبيرة من مرحلة الشباب (ذكوراً وإناثاً)، وبخاصةٍ من المرحلتين الثانوية والجامعية.
2- اتخاذ المناسبات الدينية -لاسيما ذكرى المولد النبويّ الشريف- أشكالاً تظاهريةً شديدة الزخم، وكانت تبدو كأنها مهرجانات ضخمة تعمّ سائر أرجاء البلاد والمجتمع.
3- اتساع ظاهرة احتفالات الأعراس الإسلامية في المساجد، إذ تحوّلت إلى مناسباتٍ دعويةٍ علنية، زادت من استقطاب شباب الأمة وشاباتها باتجاه الإسلام.
4- اتساع ظاهرة انتشار الكتب الإسلامية بشكلٍ كبير، على الرغم من الرقابة وسياسة منع تداولها التي كانت تُفرَض عليها من قبل السلطات الحزبية والزمرة الحاكمة، وكذلك انتشار ظاهرة (الأناشيد الإسلامية) عبر أشرطة الكاسيت، انتشاراً واسعاً (أشرطة أبي الجود وأبي مازن وأبي عبد الله البربور)، إذ أصبحت سمةً بارزةً للنشاط الدعويّ الإسلاميّ، وقد لعبت هذه الأشرطة والأناشيد دوراً كبيراً، في تعويض الشباب المسلم عن الأغاني الماجنة، وفي تزكية نفوسهم وتحفيزها ضد الظلم والظالمين.
5- ازدياد نشاط الحركة الإسلامية في عقد الندوات والمحاضرات الأدبية والعلمية، وبخاصةٍ في المراكز الثقافية التي تديرها الدولة، وذلك بالتعاون مع أصدقاء الإسلاميين في هذه المراكز.
6- المشاركة في جزءٍ كبيرٍ من الأنشطة الخيرية للمجتمع السوري، ودعمها بالمال والمتطوعين من الإسلاميين.
7- اتساع حركة تداول المجلات الإسلامية، السورية (مثل مجلة حضارة الإسلام) أو غير السورية التي كانت تدخل سراً إلى البلاد، من مثل: (مجلة الدعوة المصرية، ومجلة المجتمع الكويتية).
8- الاتساع الكبير لشريحة المدرّسين الإسلاميين في المدارس والجامعات، الذين كان لهم دور كبير في الدعوة الإسلامية والتنظيمية والتوسع الأفقي.
9- بروز ظاهرة ازدياد أعداد الإسلاميين من الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين، وكان لبعضهم دور بارز في النقابات المهنية، التي كان لها -في المراحل اللاحقة- دور مهم في التصدي لظلم السلطة ونهجها القمعيّ الاستئصاليّ.
10- كان الانتشار الواسع للإسلام ودعاته ومؤيديه والمتعاطفين معه، كان مترافقاً -بدرجاتٍ متفاوتة- بسعيٍ جادٍ للضبط، ولترشيد العمل الدعويّ والحركة الاجتماعية.
11- شاركت الحركة الإسلامية -بشكلٍ غير مباشرٍ- في بعض الانتخابات النيابية، ونجح بعض مرشّحيها في هذه الانتخابات، ودخلوا (مجلس الشعب)، ومن هؤلاء: الدكتور (زين العابدين خير الله) نقيب أطباء سورية، والشيخ الدكتور (إبراهيم سلقيني) عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق.
كانت الحركة الإسلامية في هذه المرحلة، تسعى لبناء قاعدةٍ نخبويةٍ حيوية، لقيادة عملية تنوير المجتمع المسلم أصلاً.. على أسسٍ إسلامية، وبناء المجتمع المدنيّ القادر على صيانة حقوق المواطن السوريّ، مهما كان دينه أو جنسه أو عِرْقه أو مذهبه أو اتجاهه السياسيّ، فالوطن لكل أبنائه، يشتركون كلهم في بنائه ونهضته وتطويره!.. وكان الإسلاميون وأصحاب الرأي والفكر منهم، يعملون دائبين على دحض مفتريات ما كان يُعرَف بالاشتراكية العلمية، ومرتكزاتها المادّية الإلحادية، الغريبة عن مجتمعنا السوريّ المسلم، وإفرازاتها الاستبدادية والشمولية، ويُبَشّرون بالمنهج الإسلاميّ منهجاً وسطياً بديلاً، يحمل عوامل كفاءته، وكذلك يحمل رُوحَ أمّتنا وحضارتها على كل صعيد!.. واستمرت الحركة الإسلامية في تأدية رسالتها العقدية والحضارية والوطنية، دعوةً إلى الخير والبرّ والإحسان، وتنديداً بالفساد والاستبداد والانحراف، بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد نجحت فعلاً في استقطاب النُخَبِ المتقدّمة في المجتمع، العلمية والثقافية، التي تركت بصماتها وآثارها العميقة على النقابات والمؤسّسات العلمية والثقافية، على الرغم من الرقابة الصارمة للزمرة المتسلّطة، وقمعها واستبدادها!..
* * *
أمام هذا التقدم الذي أحرزته الحركة الإسلامية، واتساع رقعة جماهيرها العريضة، ازداد حنق النظام عليها وعلى أبنائها، وبدأ بالتضييق على الإسلاميين من أبناء الشعب، وفق خطةٍ منهجيةٍ استفزازية، كان هدفها الأساس: تفجير الوضع الداخليّ للمجتمع، لإجهاض أي نشاطٍ أو نجاحٍ يمكن أن تحققه الحركة الإسلامية في سورية، وكان قرار الحركة السياسي واضحاً، هو: ألا تنجرّ وراء هذه الاستفزازات مهما بلغت شدة المحنة، وأن تبذل كل الجهد لاحتوائها.. لكن الزمرة المتسلّطة كان لها رأي آخر، بل هدف آخر، هو: تفجير المجتمع السوريّ من داخله، لتسهيل السيطرة عليه، وكبح جماح سَيْره المطّرد باتجاه الحرية الحقيقية وإزاحة كابوس البطش والقمع والتسلّط وأحادية الحكم والسلطة.. عن كاهله!.. فكيف كان نهج الزمرة المتسلّطة وتخطيطها وتنفيذها.. تجاه كل ذلك كله، في هذه المرحلة (1970-1979م)؟!..
1- تنفيذ منهجٍ استئصاليٍ ثابتٍ في الجيش السوريّ، الذي حوّلته الزمرة المتسلّطة إلى ساحةٍ مُتخمةٍ بالصراع الحزبيّ والطائفيّ، فأُبعِدَ كل الخصوم السياسيين عن الجيش، كالضباط الذين عارضوا سياسة فك الاشتباك في الجولان، ومناوئي التدخل العسكريّ في لبنان ضد الفلسطينيين والمسلمين، (تمت إحالة مئتي ضابطٍ على التقاعد المسبق عام 1978م، ونُقِلَ أكثر من أربع مئةٍ وخمسين ضابطاً إلى أماكن جديدةٍ في الجيش في عام 1979م).. وكذلك نُفِّذَت عمليات الاختطاف والاغتيال بحق الضباط الشرفاء والعسكريين الإسلاميين، من مثل: (دريد المفتي، وخليل مصطفى بريز، وعلي الزير، وأحمد الحميّر، وغيرهم..)!.. يضاف إلى ذلك تنفيذ سياسةٍ ثابتةٍ داخل الجيش، في محاربة الشعائر الإسلامية، والحضّ على الكفر، والمجاهرة بالمعاصي والكبائر، انطلاقاً من مقرراتٍ بتنفيذ نهج (تبعيث) الجيش والتعليم والإعلام.
2- تنفيذ سياسة سَلخ الأمة عن دينها وعقيدتها، وكان أبرز ما فعلته الزمرة المتسلّطة على هذا الصعيد، إصدار دستورٍ علمانيٍ للبلاد (في عام 1973م)، يحتوي على عيوبٍ كثيرةٍ لم يسبق لها مثيل في أي دستورٍ سابقٍ لسورية، وكان من أهم تلك العيوب: تجاهل دين الدولة، ودين رئيس الدولة (الإسلام)!.. ما أدى إلى نشاطٍ إسلاميٍّ واسعٍ في طول البلاد وعرضها، لمعارضة الدستور الجديد الذي سمي بالدستور (الدائم)، ووقعت الاضطرابات لاسيما في الجامعات، وقاد العلماء والمشايخ والمثقفون ورجال الفكر والقانون حركةَ معارضةٍ نشطةٍ واسعةٍ في المحافظات السورية الكبرى (دمشق وحمص وحماة و..)، فقابلتها الزمرة بحملة قمعٍ وحشيٍ عنيف، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، وإلى اعتقال أعدادٍ كبيرةٍ من الإسلاميين والعلماء والمشايخ، وقد استمر اعتقالهم من بضعة أسابيع لبعضهم، إلى بضع سنواتٍ لبعضهم الآخر (الشيخ سعيد حوا، والشيخ محمد علي مشعل، والشيخ فاروق بطل).
3- دخول الزمرة المتسلّطة في حرب تشرين (1973م) مع الكيان الصهيوني، بوضعٍ داخليٍ متفجّر، وضاع نتيجتها عدد كبير من قرى الجولان (36 قرية) التي لم يحتلها الصهاينة في حرب حزيران (1967م)، ثم دخلت الزمرة في مفاوضاتٍ مع العدوّ الصهيوني، أعاد الأخير بموجبها مدينةَ (القنيطرة) مهدّمةً ومنـزوعة السلاح، وأفرجت الزمرة المتسلّطة عن الجواسيس الصهاينة في السجون السورية، بموجب المرسوم المؤرخ في (25/2/1974م) المنشور في الجريدة الرسمية، فيما بقي بعض أبناء شعبنا الوطنيين المخلصين رهن الاعتقال والتنكيل والسجن!.. ثم قامت بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك مع العدو الصهيوني بتاريخ (30/5/1974م)، واستمرت في الموافقة على تمديد بقاء القوات الدولية في الجولان كل ستة أشهر حتى اليوم.
4- تمزيق الروابط الأسرية عبر منظمة (الاتحاد النسائي)، وباسم (حرية المرأة)، وإطلاق العنان لزبانية حافظ ورفعت، لنهش أعراض النساء سراً وعلانيةً، ولممارسة كل أنواع الفجور والفساد الخلقي، لدرجة اختطاف بعض الحرائر من الشوارع.
5- تنفيذ خططٍ لبثّ مبادئ الكفر والإلحاد في المناهج الدراسية، وتشويه مناهج التربية الإسلامية، وتمجيد الحركات الهدّامة كحركة (القرامطة) وغيرها، ونقل المدرسين الأكفياء إلى دوائر لا تمتّ إلى اختصاصاتهم بِصِلة، كدوائر التموين والبلدية والإسكان.. وتحريض الطلاب على أساتذتهم للتجسس عليهم، ووضع خططٍ لإغلاق المعاهد الشرعية، والحؤول دون تعيين المدرّسين المسلمين والمدرّسات المسلمات في سلك التعليم، وفرض نظام (طلائع البعث) لأطفال المرحلة الابتدائية، ونظام (الشبيبة البعثية) للمرحلتين الإعدادية والثانوية.. لإفساد عقيدة الأجيال وتدمير أخلاق أبناء المسلمين وبناتهم، وإجبار التلاميذ على الانتساب إلى هذه المنظمات الفاسدة والالتحاق بمعسكراتها السنوية، المختلطة في بعض الأحيان، وذلك بقوة القانون الجائر.. وإفساد التعليم الجامعيّ بتسليط عناصر الحزب على اتحاد الطلاب وهيئات التدريس الجامعيّ، وإقرار التعليم المختلط، وتسريح أكثر من خمس مئة مدرّسٍ ومدرّسةٍ من مختلف المراحل الدراسية، بعملية إقصاءٍ واسعةٍ في قطاع التعليم، طالت معظم الإسلاميين، وتسريح عددٍ من أساتذة جامعة دمشق الإسلاميين (المرسوم رقم 1249 بتاريخ 20/9/1979م)، وعددٍ آخر من أساتذة جامعة اللاذقية وموظفيها (المرسوم رقم 1250 بتاريخ 20/9/1979م)، ونقل عددٍ من أساتذة جامعة حلب إلى وظائف وأعمالٍ أخرى (المرسوم رقم 1256 بتاريخ 27/9/1979م) .
6- نهب ميزانية الدولة من قِبَلِ رجال السلطة والمتنفّذين من أقربائهم وعائلاتهم وحاشيتهم، وبناء القصور الفارهة الكثيرة في سورية وخارجها، وتسليم مؤسسات القطاع العام وشركاته للمرتزقة واللصوص من عصابة الحكم، ما أدى إلى إفلاس معظم هذه المؤسسات، وطَبع العملة بلا رصيد، ونهب واردات النفط التي لم يسمح النظام بإدخالها في حسابات ميزانية الدولة، بل أُدخِلَت في حسابات رئيس الزمرة (حافظ) وعائلته وزبانيته، ونشر الفساد والرشاوى بشكلٍ مذهلٍ في كل القطاعات الاقتصادية للدولة، وعلى كل المستويات الوظيفية العليا والدنيا.
7- انتشار مؤسسات المخابرات متعددة الفروع والسجون ومراكز الاستجواب (وصل عددها إلى أربعة عشر جهازاً مخابراتياً)، لقمع المواطن ومراقبته والبطش به حين الضرورة، وتأسيس ما سُمي بسرايا الدفاع التي يرأسها شقيق رئيس الزمرة (رفعت أسد)، وعددها تجاوز عشرات الألوف من الموالين، لحماية الزمرة ورئيسها، وتحويل مهمة المخابرات والمؤسسات الأمنية عن مهامها الرئيسية في حماية الوطن والشعب من العدو الخارجي وجواسيسه داخل الوطن.. إلى مهمة حماية الزمرة المتسلّطة ورئيسها وحزبه.. حمايتهم من الشعب السوريّ.
8- إقصاء القضاة الأكفياء، وتعيين دفعاتٍ جديدةٍ من القضاة الذين ينتمون إلى حزب البعث، وتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وانتشار التوقيف والاعتقال التعسفي دون الرجوع إلى القضاء الذي حوّلته الزمرة إلى لعبةٍ في أيدي المتنفّذين، فلم يعد المواطن آمناً على روحه أو ماله أو عِرضه بعد فقدان القضاء العادل، واستمرار العمل بأحكام قانون الطوارئ المفروض في عام (1963م).
9- تعطيل الحريات الفكرية والسياسية، وصدور قراراتٍ تمنع تداول الكتب والمجلات الإسلامية، وتسلّط الحزب على الشعب، وتسلّط الطائفة على الحزب، وتسلّط عائلة رئيس الزمرة المتسلّطة (حافظ) على الحزب والدولة والجيش والشعب، وتأسيس جبهةٍ (وطنيةٍ) من النفعيين والوصوليين الذين ارتضوا أن يكونوا غطاءً لممارسات الزمرة بحق الوطن والشعب، تحت اسم (الجبهة الوطنية التقدمية)، وبروز انتخابات ما يسمى بمجلس الشعب، الشكلية، الذي يسيطر عليه حزب البعث الحاكم.
10- ضَرْب المقاومة الفلسطينية أكثر من مرة، والتواطؤ على ارتكاب مجازر مخيم (تل الزعتر) الفلسطيني في لبنان.
* * *
لقد فعل حافظ وزمرته المتسلّطة، كلَّ ما من شأنه أن يرفع من درجة سخونة الصراع مع الإسلاميين، للوصول بسياساته الاستفزازية إلى نقطة التفجّر واندلاع المواجهة معهم ومع الشعب السوري، بهدف ضَربهم وتصفيتهم، وتصفية الوجود الإسلاميّ في الوطن كله!.. وقد غدت السيطرة على مِرجل الغضب الشعبيّ المكبوت، أكبر من طاقة الحركة الإسلامية، بسبب البُعد الطائفيّ الذي كان يزيد من مشاعر الغضب والإهانة لدى المواطن، فقد كان حافظ وزمرته، ينهجان نهج تمييزٍ حادٍّ في الاستئثار بجميع الفرص أو المواقع ومراكز القوة، بدءاً من مؤسّسة الجيش التي أصبحت حكراً على أبناء الطائفة النُّصَيْرية أولاً، وأعضاء الحزب ثانياً، وكذلك الحال بالنسبة للمواقع الحكومية الهامة، بدءاً من الوزارات، وانتهاءً بإدارات المدارس، وأصبح أعضاء السلك الدبلوماسي والمسؤولون في الوزارات والمؤسسات العامة مثلاً، من أبناء الطائفة وبعض البعثيين حصراً، وكذلك رجال الصحافة والإعلام والبعثات العلمية التي تقتصر عادةً على الطلبة المتفوّقين، فقد حُصرِت هي الأخرى في أبناء الطائفة النُّصَيْرية والبعثيين، بتجاوز الشروط التأهيلية الحقيقية!..
* * *
في هذه المرحلة ونتيجةً للسياسات الشاذة المذكورة آنفاً، بدأ النظام يحصد ثمار ما زرعه من قمعٍ واستبدادٍ وإذلال، فبدأت عمليات اغتيالٍ مسلّحةٍ ضد بعض رموزه الأمنية والمخابراتية والسياسية والطائفية والحزبية، التي كان لها الدور الأكبر في استفزاز المواطن وانتهاك كرامته، وذلك على أيدي عناصر إسلاميةٍ مستقلة، لم تكن للحركة الإسلامية يد فيها، لكنّ النظام الذي كان يعرف حقيقة الأمر بشكلٍ جليّ، وبدلاً من تطويق الأزمة التي أسّس لها بنهجه الاستئصاليّ الشاذ.. عمد إلى شنّ حملاتٍ واسعةٍ من الاعتقال والتنكيل والانتهاكات، بحق الإسلاميين ورموز الحركة الإسلامية وقواعدهم، فكان لهذه الحملات الشعواء الطائشة، الدور الأكبر في تسريع الأحداث إلى درجة الانفجار، ثم إلى درجة الانفجار الشامل!..
* * *
القضية السورية
(قضية الصراع بين الزمرة البهرزية المحتلّة، والشعب السوريّ)
(4 من 6)
هذا هو التاريخ السوريّ الحديث يا بشار الوحش المجرم بن حافظ الوحش المجرم بن سليمان الوحش البهرزيّ، ولا يمكنك تزويره أو التلاعب به
[لقد كانت سورية إحدى ضحايا التآمر والانقلابات العسكرية خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وحُرِّم عليها الاستقرار، إلا الاستقرار الوهميّ على أيدي صُنّاع الموت وحمّامات الدم والاستبداد، من القافزين إلى السلطة على ظهور الدبابات، الذين أغرقوا البلاد والعباد بالفوضى والتخبّط والتخلّف، وأخذوا يزاودون ويحاولون عبثاً، إلصاق نتائج ما اقترفته أيديهم، بغيرهم من المقاومين لإجرامهم وخياناتهم، من أبناء الحركة الإسلامية المجاهدة!..
إنّ الحركة الإسلامية في سورية ليست حزباَ سياسياً عابراً يضمّ أطراً تنظيميةً ضيقة، فهي تمثل تياراً واسعاً في الشعب السوريّ، يضرب جذوره في الأعماق، كما تمثل الصحوةَ الإسلاميةَ المستنيرةَ التي شَعَّ نورها في أرجاء الأرض، وتاريخها يشهد لها أنّ أبناءها كانوا دائماً دعاة خيرٍ وتسامحٍ وحوارٍ وإصلاح.. وقد شاركوا في الحياة السياسية في كل العهود الديمقراطية، كما شاركوا في مقارعة الاستعمار، وفي حرب فلسطين، وفي الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم نواب ووزراء في العهود الديمقراطية، وكذلك كانت لهم صحف، ونوادٍ، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.. لذلك لا يمكن إلغاؤهم بقانون، أو إلغاء دورهم بِجَرّة قلم، أو بمزاج مجرمٍ جاهلٍ أفّاكٍ دجّال، بات العالَم كله يشهد على إجرامه وفساده وخياناته وضلاله ووضاعة مَنبته ونشأته.. من حق أبناء الجيل الحالي والأجيال القادمة، في سورية وخارجها.. أن يعرفوا الحقائق التاريخية والسياسية، ويطّلعوا على حقيقة موقف الحركة الإسلامية في سورية، من مختلف القضايا الوطنية التي مرّت على الوطن، وما تزال تتفاعل منذ أكثر من سبعة عقودٍ من الصراع المرير بين السلطات الحاكمة المتعاقبة.. والإسلام!.. وذلك للاستفادة من دروس الماضي وعِبَرِه، وللتأسيس لمستقبلٍ وطنيٍ جديد، يقوم على الانفتاح واحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي كفلتها كل شرائع السماء، وكل المبادئ الحضارية لإنسان هذه الأرض!..]
* * *
*الفصل الثاني (..تابع)..*
*2- المرحلة الثانية (1979-1982م):* *الانفجار الشامل:*
لقد نجح النظام فعلاً في تفجير المجتمع السوريّ، وحمّل الإسلاميين مسؤولية هذا التفجير، الذي كان وقوده شرائح مختلفةً من أبناء الشعب، الذين اتّبع هذا النظام معهم سياسة الأرض المحروقة، فوجد المجتمع نفسه أمام حرب إبادةٍ طاحنة، تدور رحاها تحت سمع القوى الدولية الفاعلة وبصرها، وبغطاء الصمت الذي مارسه المجتمع الدولي، وقد أدّت سياسة القمع والإرهاب والحقد، التي كانت تُنَفَّذ في أقبية السجون، وسياسة تصفية بعض المعتقلين من علماء ومثقّفين.. أدّت إلى أن يرى المواطن السوريّ نفسَه بين خيارين اثنين: إما أن يموت تحت سياط الجلادين فيما لو وقع في قبضة أجهزة الأمن القمعية، أو أن يدافع عن نفسه بما يصل إلى يديه من وسائل الدفاع!.. وبذلك اختار الشعب خيار الدفاع عن النفس ومواجهة سياسات البطش، واختارت الحركة الإسلامية لنفسها موقف الثبات على المبدأ، والإصرار على نَيل حقوق الشعب الإنسانية والمدنية والسياسية!.. علماً أنّ القمع لم يقتصر على الإسلاميين أو الحركة الإسلامية وحدها، بل شمل أطراف المعارضة كلها، من إسلاميةٍ وقوميةٍ ويسارية، لكنّ حظ الإسلاميين من القمع كان الأضخم والأشدّ قسوة!..
وللتدليل على عُمق الكارثة التي أخذت تنذر بالانفجار الشامل، وسَعي بعض الشرفاء في الوطن السوريّ -عبثاً- لاستدراك ما يمكن استدراكه، نعيد إلى الأذهان الحقائق التاريخية التالية:
1- ما سطّره نقيب المحامين السوريين، في مُذكّرةٍ خاصةٍ إلى المسؤولين في الزمرة الحاكمة بتاريخ (17/8/1978م)، التي تضمنت مطالب عدة، أهمها: (.. توفير مناخ الحرية وسيادة القانون، وإطلاق سراح الموقوفين دون مذكّراتٍ قضائية، أو إحالتهم إلى القضاء..).
2- صدور القرار رقم (2) بتاريخ (1/12/1978م) عن المؤتمر العام للمحامين في سورية، الذي (يكلِّف بموجبه مجلسَ النقابة، بمقابلة رئيس الجمهورية، للمطالبة بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد، وللتأكيد على مبادئ الحرية وسيادة القانون..).
3- صدور بيان مجلس نقابة المحامين في سورية بتاريخ (29/9/1979م) جاء فيه: (إنّ ممارسات النظام نشرت جوّ الهلع والخوف والقلق، وأخلّت بميزان الأمن، وانتهكت حريات الأفراد والجماعات، واستباحت حُرُمات المنازل، فأصبحت أرواح المواطنين عرضةً للإزهاق على يد سلطات الأمن، وباتت شرعة الرهائن وتهديم البيوت وسيلة تأديبٍ جماعية، حتى امتلأت السجون بالرجال والنساء والأطفال، وبالأعداد الضخمة من صفوف المثقّفين، كالأطباء والمحامين والمهندسين والمدرّسين..)!..
4- صدور قرار الهيئة العامة لمحامي حلب، الذي يدعو إلى الإضراب العام في يوم (2/3/1980م).
5- صدور قرار نقابة المحامين في سورية، الذي يدعو إلى الإضراب العام في يوم الإثنين بتاريخ (31/3/1980م)، بعد فشل كل وسائل المراجعة للمسؤولين في الزمرة الحاكمة، لتنفيذ مبدأ سيادة القانون، واحترام الحقوق المدنية والإنسانية للمواطن السوري.
6- اجتماع العلماء والمشايخ في بعض المحافظات (حلب، وحماة، وحمص،..) للتداول في شؤون المسلمين، إذ قرّروا في حلب اللقاء مع المحافظ، ليطلبوا منه بعض المطالب، على رأسها الإفراج عن النساء المعتَقلات، اللواتي يتعرّضن في سجون الزمرة الحاكمة للإهانة والاعتداء والتعذيب والاضطهاد، فرفض المحافظ مقابلتهم، ما أدى إلى سخط أهل الرأي في المدينة.
7- اندلاع تظاهراتٍ نسائيةٍ في حلب بتاريخ (6/11/1979م)، وفي حمص، بتاريخ (15/7/1981م) وبتاريخ (14/11/1981م).. وذلك للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن وإخوانهن وأبنائهن وبناتهن!.. وكانت هذه التظاهرات النسائية للنساء المسلمات المحجّبات.. من ردود الأفعال غير المعهودة في تاريخ سورية!..
8- تنفيذ إضرابٍ عامٍ دعت إليه نقابة المحامين، بتاريخ (31/3/1980م)، واستجابت له النقابات المهنية الأخرى، وكل فئات الشعب السوريّ في معظم المحافظات، وقد كان الإضراب تتويجاً لشهرٍ من الأحداث الهامة، منها: انعقاد المؤتمرات العامة للنقابات العلمية المهنية (الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين)، وإصدارها بياناتٍ وقراراتٍ مندّدة بسياسات النظام الحاكم وممارساته القمعية، ومطالبتها له بإطلاق الحريات العامة، وإلغاء حالة الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص!.. وقد سبق هذا الإضراب العام، إضراب عام في (حماة) بدأ بتاريخ (23/2/1980م)، وفي (حلب) بدأ بتاريخ (1/3/1980م).
نعيد إلى الأذهان أيضاً، أنّ أبناء الحركة الإسلامية (الذين شنّت الزمرةُ الحاكمةُ الحربَ على الإسلام تحت غطاء شنّ الحرب عليهم).. ليسوا تنظيماً مسلّحاً، والمواجهة المسلّحة مع خصومهم ليست من منهجهم، فهم جماعة مسلمة ترى أنّ الحوار هو الوسيلة الأساس لتحقيق الأهداف، التي تنشد من تحقيقها خير الفرد والمجتمع والوطن والدولة.. لكنّ ا الزمرة الحاكمة أوصدت كل منافذ الحوار، وقبل ذلك بأكثر من عقدٍ من الزمن (كما ذكرنا آنفاً) قامت (الزمرة الحاكمة) بخطواتٍ منهجيةٍ استئصالية ضد أبناء الحركة الإسلامية، وضد كل مَن يخالفها الرأي من الإسلاميين أو غيرهم من الوطنيين، مستخدمةً في ذلك أساليبَ القمع والسحق والإقصاء والتمييز الطائفيّ العنصريّ، ووضَعت (أي الزمرةُ) الشعبَ -ومعهم الحركة الإسلامية- أمام خيارٍ صعب: إما الإذعان للظلم والخضوع للطغيان، أو الرفض وتحمّل تبعاته، وقد كانت غطرسة الزمرة الحاكمة وولعها في إهدار الدماء والأرواح.. أضخمَ عائقٍ في طريق حقن الدماء، ودَفْع عواقب الاضطهاد والكراهية والحقد الطائفيّ الأعمى، وعندما اختار الشعب المقهور مقاومة الاستبداد والاضطهاد بعد أكثر من عقدٍ من ممارسات الزمرة القمعية، كانت الحركة الإسلامية جزءاً من الانتفاضة الشعبية العارمة التي وقفت في وجه الطغيان والتمييز الطائفيّ، دفاعاً عن أبناء الشعب كلهم، ودفاعاً عن حقوق المواطن السوريّ بشكلٍ عام!..
لقد قامت هذه الانتفاضة في وجه الطغاة دفاعاً عن النفس، ومقاومةً لإرهاب الطغاة الذين مارسوا سياسة القتل البطيء والسريع ضد أبناء الشعب كلهم، وقد مارسوا قَمعهم وسَحقهم قبل أن تُطلَقَ طلقة واحدة في وجههم بسنواتٍ طويلة، وكانت مجازرهم العلنية التي اقترفوها في الثمانينيات، كمجازر تدمر وحماة وجسر الشغور وحلب وحمص ودمشق وسرمدا و.. كانت الصفحة الأخرى لمجازرهم السرّية الصامتة التي ارتكبوها في الستينيات والسبعينيات، إذ كانت الزمرة الحاكمة تصنّف خصومها السياسيين، في خانة الثورة المضادة التي ينبغي استئصالها، وما خطاب الضابط (حافظ) في الستينيات في ثكنة (الشرفة) في حماة، إلا الدليل الواضح على ذلك، فقد قال وقتئذٍ: (سنُصَفّي خصومَنا جسدياً)، وذلك قبل أن يقفز إلى السلطة بسنوات!.. كل ذلك قاد إلى حالة الاحتقان القصوى، ثم إلى تفجّر الصراع المسلّح الدمويّ الذي اكتوى بناره أبناء الوطن كلهم!..
مع ذلك، فقد دأبت الحركة الإسلامية في كل مرحلة، على أن تعثر على مَخرجٍ للأزمة بالحوار البنّاء المسؤول، الذي يضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار، لكنّ صدى الكلمات كان يضيع أمام تعنّت الطغاة، الذين أغلقوا كلَّ مَنفذٍ للحوار مع الشعب!..
هل بعد كل ذلك، يمكن لمنصفٍ أن يُحَمِّل الإسلاميين تبعات ذلك التاريخ، الذي كانت الزمرة الحاكمة، وما تزال، وستبقى.. (يا بشار المجرم بن حافظ المجرم)) مسؤولةً عنه وعن صناعته وإنتاج مآسيه.. مسؤوليةً كاملة؟!.. فالحركة الإسلامية لم تكن في ذلك، إلا الضحية التي ما تزال تعاني من طغيان النظام وجبروته واضطهاده المتعدّد الأشكال والألوان!..
القضية السورية
(قضية الصراع بين الزمرة البهرزية المحتلّة، والشعب السوريّ)
(5 من 6)
*هذا هو التاريخ السوريّ الحديث يا بشار الوحش المجرم بن حافظ الوحش المجرم بن سليمان الوحش البهرزيّ، ولا يمكنك تزويره أو التلاعب به*
[لقد كانت سورية إحدى ضحايا التآمر والانقلابات العسكرية خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وحُرِّم عليها الاستقرار، إلا الاستقرار الوهميّ على أيدي صُنّاع الموت وحمّامات الدم والاستبداد، من القافزين إلى السلطة على ظهور الدبابات، الذين أغرقوا البلاد والعباد بالفوضى والتخبّط والتخلّف، وأخذوا يزاودون ويحاولون عبثاً، إلصاق نتائج ما اقترفته أيديهم، بغيرهم من المقاومين لإجرامهم وخياناتهم، من أبناء الحركة الإسلامية المجاهدة!..
إنّ الحركة الإسلامية في سورية ليست حزباَ سياسياً عابراً يضمّ أطراً تنظيميةً ضيقة، فهي تمثل تياراً واسعاً في الشعب السوريّ، يضرب جذوره في الأعماق، كما تمثل الصحوةَ الإسلاميةَ المستنيرةَ التي شَعَّ نورها في أرجاء الأرض، وتاريخها يشهد لها أنّ أبناءها كانوا دائماً دعاة خيرٍ وتسامحٍ وحوارٍ وإصلاح.. وقد شاركوا في الحياة السياسية في كل العهود الديمقراطية، كما شاركوا في مقارعة الاستعمار، وفي حرب فلسطين، وفي الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم نواب ووزراء في العهود الديمقراطية، وكذلك كانت لهم صحف، ونوادٍ، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.. لذلك لا يمكن إلغاؤهم بقانون، أو إلغاء دورهم بِجَرّة قلم، أو بمزاج مجرمٍ جاهلٍ أفّاكٍ دجّال، بات العالَم كله يشهد على إجرامه وفساده وخياناته وضلاله ووضاعة مَنبته ونشأته.. من حق أبناء الجيل الحالي والأجيال القادمة، في سورية وخارجها.. أن يعرفوا الحقائق التاريخية والسياسية، ويطّلعوا على حقيقة موقف الحركة الإسلامية في سورية، من مختلف القضايا الوطنية التي مرّت على الوطن، وما تزال تتفاعل منذ أكثر من سبعة عقودٍ من الصراع المرير بين السلطات الحاكمة المتعاقبة.. والإسلام!.. وذلك للاستفادة من دروس الماضي وعِبَرِه، وللتأسيس لمستقبلٍ وطنيٍ جديد، يقوم على الانفتاح واحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي كفلتها كل شرائع السماء، وكل المبادئ الحضارية لإنسان هذه الأرض!..]
* * *
*الفصل الثاني (..تابع)..*
*في المرحلة التاريخية (1979-1982م)، التي ذكرنا بعض تفاصيلها في الحلقة السابقة (4)..* *يمكننا أن نُجمل أبرز الأحداث التي وقعت، ودفعت بها الزمرةُ الحاكمةُ سوريةَ إلى مرحلة الانفجار الشامل، بما يأتي:*
1- ابتداع طرقٍ قمعيةٍ في مداهمة البيوت وملاحقة المطلوبين، وذلك باحتلال تلك البيوت، والإقامة مع النساء والأطفال، ونهب المتاع والمال والذهب والمكتبات، والضغط على الأعراض، واعتقال الزوّار، وكذلك اعتقال ذوي الملاحقين (آباء وأمهات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات..) رهائن لدى الأجهزة الأمنية، حتى يُسَلِّم الشخصُ المطلوبُ نفسَه، وفي كثيرٍ من الأحيان، كانوا يحتفظون ببعض ذوي المطلوب رهن الاعتقال حتى لو اعتقلوه!..
2- استمرار تنفيذ سياسات الإقصاء والإقالة بحق الـمُدَرِّسين وأساتذة الجامعات والعسكريين، كتسريح أكثر من مئةٍ وتسعين مُدَرِّساً ومُعَلِّماً من مختلف المحافظات السورية (المرسوم رقم 176 بتاريخ 22/2/1980م)، وتسريح ستة عشر مهندساً عسكرياً من الدورة العسكرية رقم (124) بتاريخ (18/8/1980م).
3- استمرار هجرة الأدمغة من مختلف الاختصاصات، نتيجة التضييق والضغط واضطهاد المؤسسات الشعبية كالنقابات العلمية المهنية، وقد ذكرت إحدى صحف الزمرة الحاكمة (البعث) بتاريخ (17/3/1980م)، أنّ (أربعة عشر ألفاً) من خريجي الجامعات السورية، قد غادروا البلاد خلال السبعينيات، وأنه قد غادرها أيضاً (5668) طبيباً ومهندساً وعالم طبيعةٍ واجتماع، خلال خمس سنوات (من 1970-1975م)!..
4- تكثيف الاعتقالات على الشُبهة، بحق كل مَن يُشَك بانتمائه إلى الحركة الإسلامية، أو مَن يتعاطف معها، وامتدت الاعتقالات إلى كل الفئات السياسية المعارضة لممارسات الزمرة الحاكمة، لإشاعة جوٍ من الرعب والخوف في صفوف المواطنين.
5- تنفيذ حُكم الإعدام بحق خمسة عشر أخاً مسلماً، بتاريخ (28/6/1979م)، ومنهم الشهداء: (الدكتور حسين خلوف، والدكتور مصطفى الأعوج، وحسن سلامة، ومهدي علواني، وخالد علواني، ومجاهد دباح البقر، ومروان دباح البقر، وعبد العزيز سيخ، وعصام عقلة،..)، وذلك بأمر محكمةٍ عُرفيةٍ برئاسة المدعو (فايز النوري).
6- القيام بحملات تعذيبٍ وحشيةٍ شديدة القسوة في السجون، ضد كل مَن يُعتَقَل، بغض النظر عن التهمة الموجهة إليه، وقد أدى تسرّب أخبار التعذيب والسجون إلى إشاعة أجواء الرعب والخوف في صفوف المواطنين، وهذا ما جعل الشباب المسلم يفضِّل الموت مقاومةً لاعتقاله.. على المصير الذي ينتظره في السجن، لاسيما أنّ بعض المعتقلين قد استشهدوا تحت التعذيب، ومن هؤلاء رحمهم الله: الدكتور المهندس الزراعي (عبد الرحيم الشامي)، الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة حلب، وأحد كبار المختصين بتطوير زراعة القطن في سورية.. والشيخ (فاضل زكريا) من حمص، الذي استشهد بتاريخ (29/7/1979م).
7- قيام السلطات بقتل عددٍ من المعتقلين أثناء المداهمات، أو في الشوارع أمام أعين الناس، استمراراً في نهج إشاعة الرعب والخوف في البلاد.
8- القيام بعمليات الاغتيال والخطف بحق بعض الشخصيات الإسلامية المرموقة، ومن هؤلاء:
- اغتيال الشيخ (محمود الشقفة) في مسجده في حماة، بتاريخ (4/8/1979م).
- اغتيال الشيخ (أحمد الفيصل) في حلب بتاريخ (11/8/1979م).
- اغتيال الشيخ (علاء الدين إكبازلي) وهو ابن الشيخ ((أحمد إكبازلي)، في كلية الشريعة في دمشق، بتاريخ (3/6/1980م).
- اغتيال الشيخ (سليم الحامض) من جسر الشغور، بتاريخ (10/3/1980م).
- قَتْلُ ثمانيةٍ من الشباب المسلم في حلب، على رأسهم الشيخ (موفق سيرجية)، بتاريخ (18/2/1980م).
- اختطاف الدكتور الشيخ (ممدوح جولحة) والشيخ (عبد الستار عيروط) في اللاذقية، ثم قتلهما والتمثيل بجثتيهما، بتاريخ (27/6/1980م).
- اختطاف الشيخ الدمشقي (عبد الرحمن المجذوب) من لبنان، مع أربعين مسلماً لبنانياً، وذلك في عام 1980م.
9- اتباع سياسة تهديم بيوت الذين يؤوون الشباب المسلمين الملاحقين، من مثل: تهديم بيت (عجعوج) و(درويش مكية) في حماة، بتاريخ (15/10/1979م).. وكذلك اتباع سياسة مصادرة العقارات والمساكن والأملاك، الخاصة بالمعتقلين أو المطلوبين الفارّين أو المهجّرين القسريين.
10- اتهام الحركة الإسلامية بارتكاب عملية (مدرسة المدفعية)، التي وقعت في حلب بتاريخ (16/6/1979م)، مع أنّ الحركة سارعت إلى إعلان عدم مسؤوليتها عن الحدث الذي كان غريباً على أساليبها ومناهجها، إلا أنّ الزمرة الحاكمة أصرّت في بيانٍ رسميٍ من خلال وزير داخليّتها.. على أن تُحمِّل الحركةَ الإسلاميةَ مسؤوليةَ ما حدث، واتخذت الزمرةُ الحاكمةُ من هذه الحادثة ذريعةً، لتعلن عليها حرباً استئصاليةً عامةً داخل القطر وخارجه!.. إذ فاجأت الرأيَ العامَ داخل سورية وخارجها، بإعلان الحرب على الحركة الإسلامية بعد اتهامها بإثم العملية، وذلك -كما ذكرنا- على لسان وزير داخلية الزمرة الحاكمة (عدنان دباغ)، في مؤتمرٍ صحفيٍ عقده لهذه الغاية (أي إعلان الحرب على الحركة)، بتاريخ (22/6/1979م)، ما اضطر الحركة الإسلامية -بعد حوالي ثلاثة أشهر من إعلان وزير الداخلية (أي في أيلول 1979م).. لاتخاذ قرار المواجهة المسلحة مع الزمرة الحاكمة دفاعاً عن وجودها، وقد كان لإعلان الحرب على الحركة الإسلامية، الأثر الكبير في تفجّر الأوضاع الداخلية في البلاد بشكلٍ شامل، وبخاصةٍ أنّ بيان وزير الداخلية اتهمها بارتكاب عمليات الاغتيال السابقة لعملية مدرسة المدفعية، التي نفّذها بعض شباب المسلمين من تلاميذ الشيخ (مروان حديد) رحمه الله، وذلك بعد أن أقدمت السلطات على تصفية الشيخ مروان وبعض الشباب المسلمين في سجونها!..
11- حَلّ النقابات المهنية (الأطباء والمهندسين والمحامين) وفروعها في المحافظات، بموجب المرسوم التشريعي الصادر عن رئيس الزمرة الحاكمة (حافظ) بتاريخ (8/4/1980م)، وتنفيذه من قبل السلطات المختصة في اليوم التالي (9/4/1980م)، ثم اعتقال رؤساء هذه النقابات وأعضاء مجالسها النقابية بتاريخ (4/5/1980م)، ومن الذين اعتُقِلوا: نقيب المحامين في سورية الأستاذ (صلاح الركابي)، والأساتذة: (هيثم المالح، ومحمود الصابوني، وموفق كزبري، ومحمد برمدا، وميشيل عربش)، ونقيب المحامين في حلب الأستاذ (أسعد كعدان)، وكذلك: (سليم عقيل، وعبد المجيد منجونة، وعبد الكريم عيسى، وثريا عبد الكريم، وأسعد عُلبي، وسعيد نينو، وجورج عطية، وأمين إدلبي)، وغيرهم من بقية النقابات المهنية.
12- إصدار القانون رقم (49) بتاريخ (7/7/1980م)، القاضي بإعدام كل منتسبٍ إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبمفعولٍ رجعي: (يُعتبَر مجرماً، ويعاقَب بالإعدام كل منتسِبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين)!.. وقد أُعدِم بناءً على هذا القانون الفضيحة، الآلاف من أبناء الشعب السوريّ دون محاكماتٍ أصولية، وكثير منهم ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين!..
13- قيام رئيس الزمرة الحاكمة (حافظ) بإلقاء سلسلةٍ من الخطابات الاستفزازية، أكّد فيها نهجه الاستئصاليّ تجاه الإسلاميين، وقد قال في أحد هذه الخطابات في (تموز 1980م): (إنّ الخطة السياسية إزاء الحركات الإسلامية وأمثالهم لا يمكن أن تكون إلا خطةً استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً، فهذا النوع من الحرب لا يؤثر كثيراً في فعالياتهم، يجب أن نُنفِّذ بحقهم خطةً هجومية)!..
14- قام (رفعت)، شقيق حافظ، وقائد سرايا الدفاع، بإطلاق خطةٍ لما يسمى بالتطهير الوطني، وذلك خلال المؤتمر القطري السابع لحزب البعث، المنعقد بتاريخ (6/1/1980م)، وفحوى هذه الخطة هو: جمع الألوف من نُخَب الشعب السوريّ المعارضين للزمرة الحاكمة، في معسكرات اعتقالٍ جماعية، تحت ظروف الأعمال الشاقة وعمليات غسل الدماغ، لتنفيذ ما أطلق عليه اسم: (تخضير الصحراء)!.. ومما جاء في خطاب (رفعت) حرفياً في المؤتمر نفسه: (إنّ ستالين أيها الرفاق، قضى على عشرة ملايين إنسانٍ في سبيل الثورة الشيوعية، واضعاً في حسابه أمراً واحداً فقط، هو التعصب للحزب ولنظرية الحزب، ولو أنّ لينين كان في موقع وظرف وزمان ستالين لفعل مثله، فالأمم التي تريد أن تعيش أو أن تبقى، تحتاج إلى رجلٍ متعصّب، وإلى حزبٍ ونظريةٍ متعصّبة)!..
15- قيام عناصر الزمرة الحاكمة وزبانيتها، بأعمالٍ إرهابيةٍ عدة، منها مهاجمة كلية الشريعة بجامعة دمشق، وتحطيم ما يمكن تحطيمه فيها (بتاريخ 1/6/1980م)، وكذلك قامت عناصر المخابرات وسرايا الدفاع التابعة لرفعت بتاريخ (2/6/1980م) .. بمداهمة جوامع دمشق ومساجدها في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، وعاثوا فيها فساداً، ومزّقوا المصاحف وداسوها، وسرقوا محتويات المساجد من كتبٍ ومسجّلاتٍ وسجّادٍ وأثاث، واستمروا في ذلك حتى الفجر وقدوم المصلين، الذين تعرّضوا للإهانة والاعتقال والتنكيل!..
16- ممارسة الإرهاب بتنفيذ عمليات الاغتيال لبعض السوريين في خارج سورية، فاغتيل بهذه العمليات الإرهابية: الضابط الـمُسَرّح (عبد الوهاب البكري) في عمّان بتاريخ (30/7/1980م)، ورئيس الوزراء الأسبق وأحد مؤسسي حزب البعث (صلاح البيطار) في باريس بتاريخ (21/7/1980م)، والسيدة (بنان الطنطاوي) زوجة الأستاذ (عصام العطار) في آخن بألمانية بتاريخ (17/3/1981م)، والطالب السوري (محمود ودعة) في بلغراد بيوغسلافية بتاريخ (1/10/1981م)، والتاجر السوري المغترب الشيخ (نزار الصباغ) في برشلونة بإسبانية بتاريخ (21/11/1981م).. هذا، فضلاً عن عمليات الاغتيال والاختطاف التي نفذتها أجهزة الزمرة الحاكمة، بحق رعايا لبنانيين وفلسطينيين وأردنيين وعراقيين و.. !.. وكذلك تنفيذ عملياتٍ إرهابيةٍ دوليةٍ ضد شخصياتٍ عربيةٍ ودوليةٍ ومؤسساتٍ صحافية، والتعاون مع الإرهابي الدولي (كارلوس) لتنفيذ بعض المهمات الإرهابية المدفوعة الأجر من أجهزة الزمرة الحاكمة ورفعت، ضد شخصياتٍ سوريةٍ معارضة!..
17- تنفيذ سلسلةٍ من عمليات الإعدام الجماعيّ بحق المعارضين، (إعدام خمسة مواطنين بتاريخ 26/12/1979م)، و(إعدام أحد عشر عسكرياً من الضباط وصفّ الضباط بتاريخ 5/7/1980م)، و(إعدام عشرين مواطناً في دمشق وسبعين مواطناً في حماة، في أواسط تشرين الأول من عام 1980م).
18- نَقْضُ الزمرة الحاكمة الاتفاقَ الذي تم بينها وبين الحركة الإسلامية، عبر مبادرة الأستاذ (أمين يكن) في عام (1980م)، وذلك بإقدام الزمرة على إعدام بعض المعتقلين الإسلاميين، من مثل: (حسني عابو)، ثم العودة إلى اعتقال عناصر الحركة.
19- تنفيذ سلسلةٍ من المجازر الجماعية بحق أبناء بعض المحافظات والمدن الآمنة العزلاء، ومن هذه المجازر المروّعة:
- مجزرة جسر الشغور بتاريخ (10/3/1980م)، التي راح ضحيتها ستون مواطناً، ومثلهم من الجرحى، مع تهديم وإحراق خمسة عشر منـزلاً وأربعين محلاً تجارياً!..
- مجزرة حماة الأولى بتاريخ (5-12/4/1980م)، التي قُتل فيها المئات من المواطنين، ومن أبرز شهدائها: الدكتور (عمر الشيشكلي) رئيس جمعية أطباء العيون، وقد قُلِعَت عيناه وألقيت جثته في حقلٍ زراعيّ.. و(خضر الشيشكلي) أحد زعماء الكتلة الوطنية، الذي حرقوه بالأسيد ونهبوا بيته.. والدكتور (عبد القادر قنطقجي) طبيب الجراحة العظمية، الذي ألقوا جثته في مكانٍ بعيدٍ بعد تعذيبه وقتله.. والمزارع (أحمد قصاب باشي)، الذي قلعوا أظافره وقطعوا أصابعه قبل أن يقتلوه!..
- مجازر جبل الزاوية بتاريخ (13-15/5/1980م)، التي راح ضحيتها أربعة عشر مواطناً!..
- مجزرة حماة الثانية بتاريخ (21/5/1980م)، التي راح ضحيتها مؤذّن جامع (الأحدب) وعشرة مواطنين.
- مجزرة حَيّ المشارقة في حلب بتاريخ (11/8/1980م) صبيحة عيد الفطر، التي راح ضحيتها حوالي مئة مواطن!..
- مجزرة حماة الثالثة بتاريخ (10/10/1980م)، وراح ضحيتها ثلاثة عشر مواطناً بريئاً!..
- مجزرة سجن تدمر الكبرى بتاريخ (27/6/1980م)، التي قامت بارتكابها قوات سرايا الدفاع التابعة لشقيق رئيس الزمرة الحاكمة (رفعت)، وتم فيها تصفية حوالي (ألف معتقلٍ) من خيرة أبناء سورية، الطلاب وخريجي الجامعات والعلماء وأساتذة الجامعات!..
20- الاعتداء في شوارع دمشق على النساء المسلمات المحجّبات، وعلى حجابهن، من قِبَلِ سرايا الدفاع والمظليات الحزبيات الطائفيات، اللواتي انتشرن في شوارع دمشق بتاريخ (29/9/1981م)، وشرعن بالتعرض للنساء المحجّبات تحت تهديد السلاح، وبنـزع حجابهن من على رؤوسهن، مع شتمهنّ بالكلمات البذيئة والكافرة، وقد سقط نتيجة هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية عدد من النساء والفتيات المسلمات قتيلاتٍ وجريحات، دفاعاً عن الحجاب والعِرض!.. ثم أصدرت السلطات بلاغاتٍ إلى المدارس والمعاهد والجامعات، تدعو فيها إلى طرد الطالبات المحجّبات ومحاربة الحجاب، وقد أدى هذا السلوك الإجراميّ إلى تخلي الكثيرات من الفتيات المسلمات عن دراستهن في المدارس والجامعات، حفاظاً على دينهن والتزامهن!..
21- بلوغ ذروة القمع، بارتكاب مجزرة حماة الكبرى، التي خلّفت دماراً وضحايا، استحقت نتيجتها أن تُسمى بـ (مأساة العصر)!.. فقد بدأت المأساة بتاريخ (2/2/1982م)، واستمرت شهراً كاملاً، وقد ارتكبتها وحدات من الجيش وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة والمخابرات والأجهزة الأمنية وأجهزة الحزب المسلّحة، وأعملت بالمدينة قَصفاً وحَرقاً ورَجماً بالصواريخ وإبادةً، ما أدى إلى قتل حوالي (أريعين ألفاً) من المواطنين، وتهديم أحياء كاملةٍ في المدينة، و(88) مسجداً، وأربع كنائس، وتهجير عشرات الآلاف من السكان، واعتقال الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وفَقْد الآلاف أيضاً!..
لقد كانت (مأساة حماة ومجزرتها الكبرى)، نهاية مرحلةٍ من مراحل الصراع بين الحركة الإسلامية والإسلام من جهة.. والزمرة الحاكمة من جهةٍ ثانية!.. كما كانت تتويجاً لمرحلة الانفجار الشامل، وبرهاناً للشعب على أنّ الزمرة الحاكمة لن تتخلى عن ظلمها وبطشها وطغيانها مهما كلف ذلك من دماءٍ ودَمار!.. وقد كانت هذه المأساة سبباً رئيسياً للحركة الإسلامية، لإعادة ترتيب أوراقها من جديد، وإدارة الصراع برؤيةٍ أخرى مختلفةٍ في وسائلها، بعد مراجعةٍ شاملةٍ لأدوات الصراع وأساليبه وظروفه المستجدّة!..
إنّ حمامات الدم التي ارتكبتها الزمرة الحاكمة الاستبدادية، لم تستطع حَلَّ المشكلة السورية، بل زادتها تعقيداً، وإن اختفت المعارضة المسلحة في نهاية هذه المرحلة من الصراع، فإنّ المقاومة الشعبية والرفض الشعبي لنهج القمع والاستبداد.. بقيت مستمرة، وما كانت لتنتهي إلا بزوال الإرهاب السلطوي الطائفي، وإطلاق الحريات العامة، والتخلي عن النهج الشموليّ الاستئصاليّ، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، والاقتناع بأن الوطن لكل أبنائه، وليس لفئةٍ أو حزبٍ أو طائفةٍ بعينها!..
القضية السورية*
(قضية الصراع بين الزمرة البهرزية المحتلّة، والشعب السوريّ)
(6-أ من 6)
هذا هو التاريخ السوريّ الحديث يا بشار الوحش المجرم بن حافظ الوحش المجرم بن سليمان الوحش البهرزيّ، ولا يمكنك تزويره أو التلاعب به
[لقد كانت سورية إحدى ضحايا التآمر والانقلابات العسكرية خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وحُرِّم عليها الاستقرار، إلا الاستقرار الوهميّ على أيدي صُنّاع الموت وحمّامات الدم والاستبداد، من القافزين إلى السلطة على ظهور الدبابات، الذين أغرقوا البلاد والعباد بالفوضى والتخبّط والتخلّف، وأخذوا يزاودون ويحاولون عبثاً، إلصاق نتائج ما اقترفته أيديهم، بغيرهم من المقاومين لإجرامهم وخياناتهم، من أبناء الحركة الإسلامية المجاهدة!..
إنّ الحركة الإسلامية في سورية ليست حزباَ سياسياً عابراً يضمّ أطراً تنظيميةً ضيقة، فهي تمثل تياراً واسعاً في الشعب السوريّ، يضرب جذوره في الأعماق، كما تمثل الصحوةَ الإسلاميةَ المستنيرةَ التي شَعَّ نورها في أرجاء الأرض، وتاريخها يشهد لها أنّ أبناءها كانوا دائماً دعاة خيرٍ وتسامحٍ وحوارٍ وإصلاح.. وقد شاركوا في الحياة السياسية في كل العهود الديمقراطية، كما شاركوا في مقارعة الاستعمار، وفي حرب فلسطين، وفي الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم نواب ووزراء في العهود الديمقراطية، وكذلك كانت لهم صحف، ونوادٍ، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.. لذلك لا يمكن إلغاؤهم بقانون، أو إلغاء دورهم بِجَرّة قلم، أو بمزاج مجرمٍ جاهلٍ أفّاكٍ دجّال، بات العالَم كله يشهد على إجرامه وفساده وخياناته وضلاله ووضاعة مَنبته ونشأته.. من حق أبناء الجيل الحالي والأجيال القادمة، في سورية وخارجها.. أن يعرفوا الحقائق التاريخية والسياسية، ويطّلعوا على حقيقة موقف الحركة الإسلامية في سورية، من مختلف القضايا الوطنية التي مرّت على الوطن، وما تزال تتفاعل منذ أكثر من سبعة عقودٍ من الصراع المرير بين السلطات الحاكمة المتعاقبة.. والإسلام!.. وذلك للاستفادة من دروس الماضي وعِبَرِه، وللتأسيس لمستقبلٍ وطنيٍ جديد، يقوم على الانفتاح واحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي كفلتها كل شرائع السماء، وكل المبادئ الحضارية لإنسان هذه الأرض!..]
* * *
*3- المرحلة الثالثة (1983-2000م):*
*الصراع السياسي والإعلامي والأمني:*
شكّلت مأساة حماة التي دمّرتها أجهزة الزمرة المتسلِّطة.. منعطفاً حاداً في تاريخ الحركة الإسلامية وتاريخ الصراع مع هذه الزمرة، وقد كان هذا المنعطف دافعاً قوياً للمراجعة وإعادة النظر بمواقف الحركة وسياساتها وخطتها، على ضوء المستجدّات الملحّة، وكان لا بد من مراجعةٍ شاملةٍ للوسائل والأدوات التي تحقق الهدف، وهو رفع الظلم والاستبداد عن كاهل الوطن والشعب، وهذه المراجعة هي من النهج الثابت للحركة، فهي تنتقل في صراعها مع الزمرة المتسلِّطة من طورٍ إلى طور، ومن موقعٍ إلى آخر، وفي كل مرحلةٍ تعيد تقويم موقفها، وتطوير رؤيتها، داعيةً دائماً إلى وطنٍ حُرٍ مستقر، ينعم فيه كل أبنائه بالحرّية والعدالة والمساواة.
*من أبرز الأحداث والمنعطفات التي وقعت في هذه المرحلة الطويلة (1983-2000م) التي انتهت بوفاة رئيس الزمرة المتسلِّطة (حافظ).. ما يأتي:*
1- استمرار التدهور في الأوضاع الداخلية، الذي كان يظهر على شكل مجازر مستمرةٍ ترتكبها الزمرة المتسلِّطة، في سجن (تدمر) وفي حماة.. أو على شكل الاستمرار في مصادرة الأملاك والاستيلاء على بيوت المعتقلين والملاحقين.. أو على شكل الاستمرار في التحدي السافر للإسلام وقِيَمِه، كالاستمرار في الاعتداء على حجاب المرأة المسلمة والفتاة المسلمة في المدارس (نزع الحجاب عن رؤوس طالبات المدارس الحمويات بالقوة بتاريخ 9/3/1983م).
2- الاستمرار في سياسة الإعدامات والتصفيات الجسدية في الجيش السوريّ، فقد أُعدم عشرة ضباطٍ في ضواحي مدينة طرطوس الساحلية في (كانون الثاني 1983م)، وكذلك أُعدم (52) ضابطاً في حقل الرمي بعرطوز في (شباط 1983م)، وأُطلِقَت حملة تسريحاتٍ واعتقالاتٍ في صفوف الجيش في (تموز 1983م)، وإعدام (21) ضابطاً في اللاذقية في (كانون الثاني 1984م)، وقَتْل ضابطٍ مُسَرَّحٍ في اللاذقية بتاريخ (19/4/1984م)، وإعدام تسعة ضباطٍ طيارين بتاريخ (20/7/1984م)، واعتقال (45) ضابطاً وإعدام عشرةٍ منهم، بعد الزعم بوقوع محاولةٍ انقلابيةٍ في (تموز 1984م)، .. !..
3- استمرار حملات الاعتقال والتعذيب والقتل والمداهمة وتطويق الأحياء وتمشيطها من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية للزمرة المتسلِّطة، فقد استشهد مواطن تحت التعذيب في (فرع الخطيب-251) في (نيسان 1983م)، وقُتِلَت سيدة مُسِنّة في جبل العرب في (آذار 1983م)، واغتيل طالب سوريٌّ في اليونان بتاريخ (28/7/1983م)، وتطويق حَيّ الميدان بدمشق وتمشيطه في (تشرين الأول 1983م)، وبدأت حملة اعتقالاتٍ وتمشيطٍ في أحياء حلب بتاريخ (7/5/1983م)، وكذلك حملة اعتقالاتٍ واسعةٍ شملت حمص واللاذقية وجبل العرب ودمشق (25 معتقلاً) وبلدة التلّ القريبة من دمشق (30 معتقلاً)، وذلك في (آذار 1983م)، وحملة اعتقالاتٍ جديدةٍ في اللاذقية وحماة في (آذار ونيسان 1984م)، ثم تجدّدت الاعتقالات في حماة وحلب في (حزيران 1984م)، وكذلك حملة اعتقالاتٍ واسعةٍ في إدلب ودير الزور، .. !..
4- إحالة (175) مُدرّساً ومُدرّسةً في حماة إلى وظائف مدنية، وذلك في مطلع العام الدراسي (1983-1984م).
5- استمرار الزمرة المتسلِّطة في سياساتها التآمرية على الساحة العربية (تعطيل مؤتمر القمة العربية الرابع عشر)، وسياساتها الطائفية في لبنان، والكيدية التمزيقية لضرب المقاومة الفلسطينية، والتخريبية الإرهابية ضد تركية!..
6- تحالف الحركة الإسلامية مع بعض الأحزاب والفئات والشخصيات المعارضة للنظام، وتشكيل ما سُمِيَ بـ (التحالف الوطني لتحرير سورية)، الذي اتخذ فيما بعد لنفسه اسم (الجبهة الوطنية لإنقاذ سورية).. واستمرار العلاقة السياسية الطيبة للحركة، مع عددٍ من الدول العربية الشقيقة، ومع الأحزاب والجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وفي بعض الدول الأجنبية التي فيها جاليات إسلامية.
7- خَوْض الحركة الإسلامية جَولتين من المفاوضات مع الزمرة المتسلِّطة لحلّ المشكلة الوطنية، وذلك في عام (1984م)، وعام (1987م)، ولم تسفر هذه المفاوضات عن شيءٍ ذي بال، بسبب تعنّت الزمرة المتسلِّطة، ورفضها تحقيق مطالب الحركة الإسلامية المشروعة، السياسية والحقوقية الفردية الطبيعية لكل مواطنٍ يطمح إلى العيش في بلده بحريةٍ وأمان، علماً أنّ هذه المطالب المشروعة لم تتعدَ ضمان حرية العمل الإسلامي، والإفراج عن المعتقلين، ووقف ملاحقة المطلوبين، وعودة المنفيين والمهجّرين، وإلغاء القانون رقم (49) لعام (1980م) الذي ينص على إعدام كل منتسبٍ إلى جماعة الإخوان المسلمين (مجرد الانتساب)، واحترام قِيَم الإسلام وشعائره، وضمان الحريات العامة والمساواة بين المواطنين!..
8- استمرار الحركة الإسلامية بشرح قضيتها، ومطالبة الزمرة المتسلِّطة برفع الظلم عن كاهل الشعب السوريّ، وردّ حقوقه المسلوبة في وطنه، وأهمها حق التعبير عن رأيه، وكل الحقوق التي كفلتها شرائع السماء ومبادئ حقوق الإنسان!..
9- دخول الحركة في مرحلة صراعٍ أمنيٍ مريرٍ مع النظام الحاكم وعملائه وأعوانه، الذين كان يحاول دسّهم في صفوفها، لشقّها، ولنشر الإشاعات، وللقيام بمحاولات الابتزاز وإيجاد التناقضات مع الدول المضيفة، والنيل من سمعة رجالات الحركة ومفكريها!.. وقد كشفت الحركة العشرات منهم، وفَوّتت عليهم الكثير من حملات الكيد والتآمر.
10- استمرت الحركة الإسلامية برعاية أسر المنكوبين السوريين من سياسات الزمرة المتسلِّطة، والشهداء والمعتقلين من ضحاياها، كما قدّمت يد العون لبعض أفرادها في تأمين فرص العمل، وتأمين القبول الدراسي لطلابها في بعض الجامعات العربية.
11- قامت الزمرة المتسلِّطة بالإفراج عن أعدادٍ من المعتقلين (أكثر من ألفي معتقلٍ وسجينٍ سياسي)، بمجموعاتٍ متعاقبة، وبقي مصير الآلاف من المعتقلين المظلومين مجهولاً!..
12- شنّت الزمرةُ المتسلِّطةُ حملةَ اعتقالاتٍ ومُداهماتٍ في بعض المحافظات السورية ضد بعض الإسلاميين، لاسيما أعضاء (حزب التحرير الإسلامي)، وقد اعتُقِل مئات الأشخاص وهُجِّرَ عدد آخر منهم إلى خارج البلاد خوفاً من الاعتقال والتعذيب.
13- تجاوبت الحركة الإسلامية مع مبادرة الأستاذ (أمين يكن) رحمه الله، الذي توسط لحلّ القضية مع الزمرة المتسلِّطة، لكن النظام خذله كعادته، ثم اغتيل على أيدي مجهولين داخل البلاد، يظن أنهم ينتمون إلى إحدى الجهات الاستخبارية، التي تقف حائلاً أمام أي حلٍ للقضية بين الحركة الإسلامية والزمرة المتسلِّطة، ويُذكَر أنه سبق مبادرة (يكن)، نزول الشيخ (عبد الفتاح أبو غدة) رحمه الله إلى سورية في عام 1996م، للتفاوض مع رئيس الزمرة المتسلِّطة (حافظ) حول حلّ المشكلة، لكنه أيضاً عاد خائباً، ولم يتمكّن حتى من الاجتماع إلى (حافظ)!..
14- وفاة رئيس الزمرة المتسلِّطة (حافظ)، وبداية ظهور تصريحاتٍ سياسيةٍ للحركة الإسلامية، توضح استعدادها لحل المشكلة مع الزمرة المتسلِّطة، التي جرى تهيئتها لتوريث سورية للغرّ (بشار بن حافظ)، رئيساً للجمهورية بعد وفاة والده!..
*خامساً: انفتاح الحركة الإسلامية بهدف إنقاذ سورية (2000-2010م):*
لقد عانى شعبنا السوريّ الأمرّين -وما يزال- طوال أكثر من ثلث قرن، بسبب الاستبداد والظلم والجور والقهر، على نحوٍ لم يسبق له مثيل، ولقد كان للقوى السياسية الوطنية الحقة الفاعلة في سورية دورها المشرّف، في مقاومة الطغيان ومقارعة الظلم والاستبداد، بكل الوسائل الممكنة، وكان للحركة الإسلامية دورها الطليعيّ الرائد في تلك المقاومة والمنازلة، وما يزال هذا الدور متوهّجاً فاعلاً، وفق نهجٍ قديمٍ-جديدٍ متطوّر، جاء عصارةً لتجارب العقود الماضية في العمل والجهاد والكفاح، وبدأ هذا النهج بالرسوخ والاستقرار، اقتناعاً بأنه الطريق المجدي المناسب للظروف والمرحلة التاريخية، باتجاه إحقاق الحق وإبطال الباطل، والعودة بالوطن والأمة إلى حقيقة دورهما وأَلَقِهِما، ضمن لُحمةٍ وطنيةٍ راقية، يتسامى فيها أبناؤها على جراح الماضي وآلامه وفجائعه.. فالوطن مستهدَف، والمصير مشترك واحد، والعدوّ على أبوابه وعند أعتابه، يكاد يُطبق عليه من كل الاتجاهات!.. ومن هذا المنطلق، الذي يضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار، فإن الحركة الإسلامية أعلنت بشكلٍ واضحٍ -على الرغم من اعتراضها على الطريقة التي تم بها تنصيب (بشار بن حافظ) رئيساً للجمهورية، ومطالبتها بأن يُردّ الأمر إلى الشعب ليختار من يمثله بشكلٍ حرٍ وحضاريّ، وأن تُرفع الوصاية العسكرية والاسنخبارية والحزبية عنه-.. على الرغم من ذلك، فقد أعلنت على لسان أعلى سلطةٍ فيها.. أنه ليس لديها مشكلة مع شخص الحاكم الجديد (بشار)، ولا تحمّله مسؤولية الماضي، وأنّ المهم عندها هو منهاج الحكم والسياسات وبرامج العمل والإصلاح، وموضوع الحرية، وقبول التعددية الفكرية والسياسية، والمساواة بين المواطنين، وتحقيق الوحدة الوطنية وبرامج التنمية.. وأنّ الحركة الإسلامية تطمح أن تقوم بدورها كاملاً في الساحة الوطنية، من مثل: تدعيم الوحدة الوطنية على أساس أنّ الوطن لجميع أبنائه، والمشاركة في الحياة السياسية بشكلٍ إيجابيّ، ومناهضة المشروع الصهيونيّ والهجمة التطبيعية بالتعاون مع جميع القوى الوطنية، والمساهمة في برامج التنمية الاقتصادية للخروج من الوضع الاقتصاديّ الذي ينوء تحته المواطن، وإزالة عوامل الفساد والاحتقان السياسيّ والاجتماعيّ!..
لقد أعلنت الزمرة المتسلِّطة على لسان رئيسها الجديد الوريث غير الشرعيّ في ما سُمِّيَ بـ (خطاب القَسَم) أمام ما سُمِّيَ بمجلس الشعب في (تموز 2000م)، أنه (بشار) سيسير في طريق الانفتاح والإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي والأمني، وَقَطَعَ على نفسه الوعود والعهود، أنه سيحارب الفساد بكل أشكاله، وسيُرسّخ دولة القانون، وسيحفظ للمواطن السوريّ حقوقَه الكاملة.. لكن، وبعد مرور سنواتٍ على الوعود التي قُطِعَت في (خطاب القَسَم)، بقيت الزمرة المتسلِّطة تتخبّط في خطواتها، وتُصرّ على نهجها الاستبداديّ الأحاديّ الطائفيّ.
*من أبرز المنعطفات والأحداث التي وقعت خلال في بداية العهد الجديد:*
1- قامت الزمرة المتسلِّطة بعملية (غض نظر) عن بعض مظاهر الحراك السياسي ونشاط المجتمع المدنيّ، الذي أفرز تشكيل بعض المنتديات السياسية والثقافية في المحافظات الكبرى الرئيسية، وقد شهدت الساحة السياسية السورية بعض الحرية في إبداء الرأي التي غابت عنها عشرات السنين، لكن ذلك كله تم إجهاضه من قبل الزمرة المتسلِّطة، وأُلغِيَت المنتديات، واعتُقِل بعض مؤسسيها والمنتمين إليها!..
2- صدور بيان المثقفين، الذي سُمِّيَ ببيان الـ (99) في عام 2001م، الذي يطالب السلطات السورية بالديمقراطية والانفتاح وإطلاق الحريات العامة، وكذلك صدور بيان الـ (ألف) عن ألف مثقفٍ سوريّ، يطالب بإطلاق الحريات العامة، وقد كان لمثل هذه البيانات غير المعهودة في الساحة السياسية السورية، أثرها لدى الشارع السوريّ المتعطّش للحرية ولرفع كابوس الظلم والاستبداد عن كاهله، لكنها لم تَلقَ أيَّ تجاوبٍ لدى الزمرة المتسلِّطة، بل هوجِمَ أصحابها على لسان الوريث غير الشرعيّ أكثر من مرةٍ في مقابلاتٍ أو تصريحاتٍ صحفيةٍ وتلفزيونية.
3- استمرار فرض قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، المفروضة أصلاً منذ عام 1963م، واستمرار محنة المعتقلين والمفقودين والمهجّرين من أبناء الوطن، واستمرار حرمان عشرات الألوف من المواطنين الإسلاميين وغيرهم من أبسط حقوق المواطنة.
4- بروز ظاهرة تحدي السلطات الحاكمة، بالمجاهرة في إبداء الآراء المخالفة لرأي الزمرة المتسلِّطة والمعارِضة لبعض سياساته، لكن هذه الظاهرة قُمِعَت بقسوة، واعتُقِل أصحابها وحُكِم عليهم بالسجن، كما حصل مع النائِبَيْن في مجلس الشعب (رياض سيف ومأمون الحمصي) ومع زعيم حزب العمل الشيوعي السوري (رياض الترك) في عام 2002م، الخارج لتوّه من غيابة السجن الذي قبع فيه قرابة سبعة عشر عاماً!..
5- قامت الحركة الإسلامية بإطلاق (ميثاق الشرف الوطنيّ) في عام 2002م، الذي اتفقت عليه بعض الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة للنظام، وشُكِّلَت له لجنة باسم (لجنة الميثاق)، وعَقد المتعاقدون عليه (مؤتمر الحوار الوطنيّ الأول) خارج سورية، وعرضوا رؤيتهم المشتركة لمستقبل سورية السياسيّ الذي يجب أن يكون، وتم إصدار بياناتٍ عدة باسم اللجنة المشتركة للميثاق.
6- كما قامت الحركة الإسلامية بإعداد (المشروع الحضاريّ لسورية المستقبل)، الذي تَعرِضُ فيه رؤيتها الإسلامية والسياسية لمستقبل سورية: (الوطن والشعب)، وتأكيدها على إقامة بنيان دولةٍ حديثةٍ، تَستمدّ من الإسلام روحَ العدالة والمساواة والتسامح، وروحَ العقد السياسيّ الذي يوظَّف الحاكم بموجبه مٌشرفاً على صيانة العدل وحماية الحق ورعاية الناس، وفيها من الحداثة كل معطياتها الإيجابية، وأساليبها العصرية، بما يحقق الأمل المعقود عليها، والمنصوص عليه في مقاصد الشريعة العامة، في إطارٍ من الرحمة الإسلامية العامة.
7- بقيت الزمرة المتسلِّطة تتمسّك بثوابتها في حكم (الحزب القائد)، وقد نصت على ذلك بالمادة رقم (8) في ما يُسمى بالدستور، وبقيت تُصرّ على النهج الاستبداديّ، على الرغم من أنه أطلقت سراح مئات المعتقلين السياسيين، وحاولت أن تغزل للناس وعوداً (كاذبة) عن ضمان الحرية والأمن والديمقراطية والإصلاح والانفتاح!..
8- توظيف الزمرة المتسلِّطة تَوَجّه أميركة والغرب في ما يسمى بـ (مكافحة الإرهاب)، واستغلال ذلك للابتزاز، وللإيقاع بالإسلاميين وأبناء الوطن، بعد تلفيق تهم الإرهاب لهم، وخضوعها خضوعاً تاماً للإرادة الخارجية، مع تصنّعها التزام الوطنية والصمود والثبات على المبادئ في أجهزة إعلامها.
9- استمرار نهج الاعتقال والتوقيف من غير محاكمة، وتزوير إرادة المواطن في الاستفتاءات والانتخابات، والإذلال والاضطهاد.. وقد روى أحد المعتقلين العراقيين في سورية (هلال عبد الرزاق)، من حَمَلَة الجنسية البريطانية.. لجريدة (القدس العربي) الصادرة في لندن، الذي أفرِجَ عنه بعد عامٍ تقريباً، من أحد سجون الزمرة المتسلِّطة في العهد الجديد بلا أية تهمة.. روى أموراً رهيبةً مخزيةً شاهدها في السجن وعايشها، عن القمع والبطش والتعذيب والابتزاز واللصوصية والقهر، فقد شرح كيف يُقمَع المواطن السوريّ، وكيف يُحارَب الطفل المسلم، وكيف تُحارَب المرأة المسلمة، وكيف تُنتَهَك الكرامة الإنسانية للسوريين، بغضّ النظر عن انتمائهم السياسيّ والدينيّ، وكيف تُزوَّر إرادة الشعب في الانتخابات، وكيف تُحارَب الجالية الفلسطينية ويُتآمَر عليها، وكيف تنمو عصابات الفساد والمافيات واللصوصية، وكيف تنافق الزمرة المتسلِّطة وتقدّم صورةً مشرقةً مزوَّرةً خادعةً عن نفسها، وكيف تُحصى على المواطن أنفاسه وتُراقَب حركاته ومكالماته الهاتفية، ثم يُسَلَّط عليه أنذل خَلْقِ الله وأشدّهم انحطاطاً وساديّةً وشذوذاً، وكيف تُمارَس سياسات التمييز بين المواطنين، من قِبَلِ ثلّةٍ طائفيةٍ انسلخت عن الشعب والوطن، وغدت لا تمثّل إلا نفسها، وتقترف ما تقترف باسم طائفةٍ متسلِّطة!.. وذلك كله، من خلال ما شاهده بنفسه وعايشه في السجن، في الفترة الواقعة ما بين (23/7/2000م) و(22/6/2001م)، أي في العهد الجديد (بشار)!..
10- استمرار تعامل الزمرة المتسلِّطة مع أبناء الشعب بعقليةٍ أمنية، وعقلية القمع والبطش وحمّامات الدم والأحكام العُرفية، وخير دليلٍ على ذلك طريقة تعاملها مع شريحة الأكراد السوريين في القامشلي وحلب في (آذار 2004م)، التي بدأت بمباراةٍ رياضيةٍ عادية، وذهب ضحيتها قتلى وجرحى!.. وكذلك طريقة تعاملها مع بعض الاعتصامات المدنية السلمية، كالاعتصامات التي قام بها طلاب (جامعة حلب) في (آذار 2004م)، التي قامت من خلالها بحملة اعتقالاتٍ تعسّفيةٍ في صفوف الطلاب، وقام وكلاؤها في مجلس الجامعة ومجالس الكليات بحملة تطهيرٍ أدت إلى فصل عددٍ من الطلاب من الجامعة، وتجميد الدراسة لعددٍ آخر منهم!.. وكذلك موقفها القمعيّ من الاعتصام الذي قام به أنصار المجتمع المدنيّ وحقوق الإنسان في (آذار 2004م) عند مبنى ما يُسمّى بـــ (مجلس الشعب)، للمطالبة باحترام حقوق الإنسان السوريّ، وكذلك قمعها الاعتصام السلميّ الذي نُفَّذَ عند القصر العدليّ بدمشق في آذار 2005م.. كما أنّ الاعتقالات التعسّفية والمحاكمات العُرفية خارج إطار القانون.. بقيت يوميةً مستمرّةً بحق كل مَن يرفع صوته للمطالبة بالحرية ورفع الظلم عن كاهل المواطن السوريّ، ولعل البيانات الرسمية شبه اليومية لمنظمات حقوق الإنسان، خير دليلٍ على استمرار هذا النهج الثابت الظالم للزمرة المتسلِّطة!..
وسوم: العدد 977