إدانة أحمد طه والكاميرا والقمر سهيل!
نسي القاضي أن يحكم بمصادرة الكاميرات ويقضي بالسجن المشدد للمخرج والمنتج والقمر الصناعي، وكل من شارك المذيع في جريمته النكراء الخاصة بالحوار مع الضيف الثقيل على قلب الجنرال، ونقله للمشاهدين!
سيكون رائعاً أن نطالع رسماً كاريكاتيرياً بتعقب ضباط تنفيذ الأحكام للقمر الصناعي في الفضاء، وهو ليس قمراً واحداً، الذي تستعين به قناة الجزيرة مباشر، لنقل اشارتها للمشاهدين، الذين شاهدوا مقابلتها في لندن مع المرشح الرئاسي السابق، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وسيكون مبهجاً، أن نشاهد ضباط التنفيذ، وهم يصعدون للفضاء الخارجي عبر القمر المصري «نايل سات»، وعندما يشاهدون «سهيل سات»، أحد الأقمار «الجناة»، يهتفون كما في الدراما: «سلم نفسك وإلا سنضرب في المليان»!
لا يمكن أن يعالج الأمر إلا بمنطق الفكاهة، التي تركز في جانب منها على سوء حظ الضحايا، فالمحامي المنحوس في «النكتة المصرية»، هو الذي يقضي القاضي الغشيم بحبسه مع المتهم، وقد يقضي ببراءة المتهم ويسجنه هو، وفي أعمال قام فيها عادل إمام بدور المحامي، استدعى هذه النكتة للتطبيق.. وماذا في مصر الآن لا يندرج تحت إطار المسخرة، وقديماً قال الشاعر: «وكم ذا بمصر من مضحكات.. لكنه ضحك كالبكاء»، ولم يعاصر الشاعر القائل هذه المرحلة، وإلا كان أصابه الذهول، واعتزل الشعر والكلام، لتعرضه لوابل من المساخر التي لا تعد ولا تحصى!
«الجزيرة مباشر»
في المعايير الصحافية البحتة، فإن المقابلة التي أجراها مذيع قناة «الجزيرة مباشر» أحمد طه مع المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح في مدينة الضباب، تعد عملاً مهنياً يشار إليه بالبنان، وهو واحد من المقابلات المهمة التي أجرتها هذه القناة منذ أن أغلقت «الجزيرة مباشر مصر»، وتحول «الجزيرة مباشر» من خدمة إلى قناة، هي «مباشر مصر»، و»مباشر السودان»، و»مباشر تركيا»، و»مباشر تونس»، و»مباشر فلسطين»، و»مباشر الجزائر»، وأخيراً «مباشر أوكرانيا»، ليس فقط في كونها تقوم بالخدمة من حيث نقل الفعاليات بشكل مباشر، ولكن في تغطيتها للأحداث، ولم نعرف تفاصيل المشهد السوداني منذ الثورة، التي كانت في قلبها، إلا منها، وارتبط أحمد طه بالحالة السودانية، وصار له معجبون وكارهون، ولأنه مشهد متغير، والثابت فيه مذيع الجزيرة مباشر، فيتغير الموقف منه، بحسب ما يستجد من تغيير في المواقف، فمن كان معه بالأمس هو ضده اليوم، وهكذا دواليك!
يكتمل أداء المذيع بوصفه أنه «يذاكر»، أو «مذاكر»، وتطور أداء أحمد طه سريعاً لأنه «يذاكر»، فيلم بموضوعه، ولا يمكن لأي ضيف أن يتلاعب به، لا سيما هؤلاء الضيوف الذين يستغلون المذيع غير الملم بالتفاصيل في تسريب أكاذيب على أنها أخبار أو معلومات!
وفي مقابلته مع أبو الفتوح، لم يكن حواره دعائياً، لكنه قام على الأخذ والرد، ولم يكن يغيب عن فطنة أحد أن هذه المقابلة ستمر مرور الكرام، ولهذا فعندما بدأ التنويه عن الحوار عبر شاشة «الجزيرة مباشر»، فإن أصدقاء لـ «أبو الفتوح» نصحوه بألا يفعل، وعندما فعل نصحوه بعدم العودة، لكنها شخصية المرشح الرئاسي السابق، التي لم تتغير منذ أن كان طالباً جامعياً وواجه الرئيس السادات، حتى أخرجه عن طوره، وعندما انتهى اللقاء، ذهب إليه حافظ بدوي، رئيس البرلمان يعرض عليه أن يصطحبه للاعتذار للرئيس فيكون رده: إن على السادات أن يعتذر لي، ولو اعتذر لي فلن أقبل اعتذاره!
وإن كان السادات لقوته استوعب هذه الطبيعة الشخصية، فإنها تمثل قلقاً واستفزازاً لواحد مثل السيسي، وهو الذي نقل عنه في ذات تسريب، وهو يتحدث مع ياسر رزق، بأنه لو تمكن أبو الفتوح فسوف يعلقنا في المشانق.
دعك من قوله إنه لا يزال إخوانيا، فمشكلة كبرى إن كان الجنرال وهو يهيمن على أجهزة الاستخبارات الثلاثة ألا يعرف أن استقالته من الجماعة استقالة حقيقية، ثم إنه كان في مجمل الأداء مختلفاً عن التنظيم، هذا الاختلاف الذي جعله يبادر بزيارة نجيب محفوظ في المستشفى عقب طعنه من قبل أحد الإرهابيين، فضلا عن أن تسريبات «الاختيار» أكدت أن هذا الخروج من الجماعة ليس مناورة، ففي لقاءات قيادة الجماعة بالمجلس العسكري وفي حضور السيسي، تكلموا عنه بشكل سلبي، وفي تسريب آخر قال هو إنه يفضل المشير رئيساً على أن يحكم البلد مرشح من الإخوان!
استهداف مذيع
لقد أذيع الحوار، وعاد أبو الفتوح إلى أرض الوطن، ليتحقق بهذه المقابلة أمران، الأول فرصة للحاكم العسكري أن يفتك به، والثاني استهداف قناة بعينها، ومذيع كان مستهدفاً بالهجوم خلال الفترة السابقة من الأبواق الإعلامية للسيسي، وأحدهم تجاوز النقد السياسي والإعلامي، إلى القول إنه أحمد طه لا ينزل له من زور، فدمه ثقيل على قلبه!
قبل هذا الحوار وبعده، تحدث أبو الفتوح بوضوح عن موقفه السياسي، لكن معلوم للواعين بالمشهد المصري، أن خطورة الكلام في أين قاله، لذا فان كثيرين من الذين تمردوا على الحكم العسكري، من رموز 30 يونيو/ حزيران، كانوا يعتذرون عن الظهور على شاشة «الجزيرة»، ثم يلبسون هذا الاعتذار ثياب الوطنية، ومنهم من بدأ في التسرب الى شاشتها الآن، والأمر لا شأن له بالوطنية أو عدمها، لكنها ممارسة النضال عبر الوسائل الآمنة؛ في منصات التواصل، وإن دفع بعضهم الثمن، وعوقب على ذلك.
بعد خمسة أيام كان أبو الفتوح على شاشة «بي بي سي»، ليس أقل وضوحاً أو حدة، لكن مع ذلك سجن بما قاله على شاشة «الجزيرة»، وعوقب معه المذيع بنفس العقوبة، وهي السجن خمس عشرة سنة، ذلك لأن العين لا تعلو على الحاجب وليس بإمكانهم إنزال العقاب على مذيع أو مذيعة تعمل في القناة البريطانية، فضلاً عن أن «الجزيرة» مستهدفة لذاتها، وأحمد طه «عليه العين»، لتكون المفاجأة في حكم قضائي مدهش بسجن المذيع!
ويشاء السميع العليم، أن يصدر حكم في نفس الأسبوع في قضية مشابهة من حيث الشكل، ومع هذا تم الاكتفاء بسجن الضيف وتغريمه، بينما المذيع لم يكن متهماً في أي مستوى من مستويات هذه القضية، حيث سجن من ادعى أنه عمل «محللا» بالزواج أكثر من مرة ممن تجاوزن رصيدهن من الطلاق، لتعود بعد الزواج إلى زوجها الأول، وكان هذا في قناة «أم بي سي مصر»، والمذيع هو شريف عامر، ومنذ اللحظة الأولى قلت إن هذا واحد من موضوعات الإلهاء التي ينتجها النظام، ولم تكد تمر سوى أيام حتى اعترف الضيف بأنه ضحية، فقد اتفقوا معه على القيام بهذا الدور، ومع هذا حوكم وحيداً، لكن أحمد طه ليس شريف عامر، وهناك اختلاف بين المهمتين، وإن أكدت المقارنة أن صاحبنا لم يدن بتطبيق القانون!
دخول التاريخ
وبالحكم أو دونه، فان مذيع «الجزيرة مباشر» لن يذهب إلى مصر، فهو في الدوحة منذ سفره اليها في يوليو/تموز 2011، وهذا ما يؤكد أنه حكم لن يرتب أوضاعاً جديدة، وعندما تكون الظروف مهيأة له للنزول إلى بلده، فسوف تكون المبادرة من أولي الأمر بإلغائه، تماماً كما ألغى المشير محمد حسين طنطاوي أحكاماً بالسجن على أفراد بعينهم عادوا لمصر بعد الثورة، وأعيدت محاكمتهم وحصلوا على البراءة، من القضاء العسكري ذاته!
ليكون الخاسر من هذا الحكم هو السلطة التي تريد ترميم سمعتها، بالحديث عن لجان العفو، والحوار الوطني، وفي الوقت ذاته يقف العالم كله على أنه النظام الذي يسجن مذيعاً بالسجن المشدد، بتهمة ممارسة عمله، ولو أن هناك من يلعب من وراء ظهر السيسي بهدف احراج نظامه لما فعل أكثر من هذا!
أما أحمد طه فقد دخل التاريخ كما قال ياسر الزعاترة.
وسوم: العدد 984