ألف يوم على الثورة وغياب القيادة المركزية الثورية والسياسية

ألف يوم على الثورة

وغياب القيادة المركزية الثورية والسياسية

جزء من شتات من يسمون أصدقاء الشعب السوري

زهير سالم*

[email protected]

يتحدث الكثيرون بلغة الإدانة والتشفي عن انقسام تفرق وتشتت وتبدد وتنازع وتدابر واستقطاب قوى المعارضة والثورة في سورية . ويحيلون ذلك دائما إلى طبيعة الشخصية السورية المحبة للزعامة والظهور مستشهدين بقول الرئيس السوري شكري القوتلي عن هذا الشعب العظيم الذي تحتاج قيادته إلى رجال أعظم : شعب يعتقد 95 % من أبنائه أنهم زعماء و4 % أنهم أنبياء و1 % أنهم ...

لا أدري مدى صحة الرواية التي طالما رددها السوريون طورا بفخر واعتداد وطورا بغيره ؛ ولكنني أريد أن أقول إن كان لهذه العوامل المُؤسِسَة للشخصية السورية دور في واقع ( انفراط العقد ) الذي يعيشه الثوار والمعارضون على السواء ؛ فإن هذا العامل ليس كل شيء ..

ذلك أنه من الطبيعي لثورة انبثقت عفويا من ضمير الشعب ، وفقعت كالفقع من الأرض السورية نتيجة عوامل مزمنة من القهر والاضطهاد والتمييز أن تنطلق شتى بغير قائد ، وأن تظل لفترة دون ناظم ، ولاسيما حين تندفع أطراف متنابزة على تغذية هذا التفرق وهذا الشتات .

كما أنه من الطبيعي أن تبدو معارضة قوامها فردي أكثر منه جماعي . معارضة تتشكل في معظمها من شخصيات فردية من المثقفين الوطنيين لغياب الحياة السياسة عن سورية على مدى نصف قرن ، وفي كل المجتمعات تظل الثقافة والفكر مغذيين رئيسيين للذاتية الفردية التي يصعب معها الانضواء أو الاحتواء .

 قاد بشار الأسد وعصابته حربه الشرسة على الشعب السوري معتمدا على سلطة مركزية متماسكة في الداخل ، وعلى محور دولي وآخر إقليمي شديدي المركزية : روسية كدولة شمولية قرارها في الجيب الخلفي لعميل المخابرات الروسية بوتين، وإيران كدولة ثيوقراطية تدين مؤسساتها والكثير من أبنائها وأتباعها بالولاء المطلق للولي الفقيه ليس داخل إيران وحدها بل على مستوى العالم . يقوم الولي الفقيه فيقوم بقيامه الجماء الغفير من الشيعة حول العالم ويقعد فيقعدون ..

هذا بينما كان وضع القوى الثورية ومؤيديها في الداخل كما بينا، لم يكن الأمر على الصعيدين الدولي والإقليمي أقل شتاتا ..

فللدول التي تزعم أنها صديقة للشعب السوري مصالحها المتعارضة والمتضاربة ، ولها أولوياتها السياسية والاقتصادية ، ولها مشكلاتها الداخلية باعتبارها في معظمها دولا ديمقراطية لاتخاذ القرار فيها آلياته وحساباته وتداعياته ومسئولياته .. كل أولئك فوّت على الثورة السورية وجود محور دولي داعم بجدية ومصداقية . بل جعل قوى الثورة عرضة لتجاذبات دولية تزيد في انقسامها وتفرقها .

إن جملة ما قدمه من يسمون أصدقاء الشعب السوري الدوليين من دعم لأصدقائهم السوريين المفترضين على المستويات : المادية التعبوية والاقتصادية والمستويات السياسية والدبلوماسية وحتى على المستوى الإنساني لا يعدل عُشر ما قدمته روسية للقاتل المبير بشار الأسد على جميع هذه المستويات . وبينما كان انعكاس الدعم الروسي مركزيا وقويا ، كان قليل الدعم الآخر مشتتا ومفرقا ومغلبا لفريق وطني على حساب فريق ، ومثيرا للانقسامات ، ومشعرا لبعض السوريين أنهم صبي القوى الدولية المدلل ولآخرين أن عليهم أن يقلقوا وأن يخافوا وأن يحذرروا ، وأن عليهم على خلفيات اتهامات مفبركة ومسبقة أن يقدموا شهادات حسن سلوك ؛ مما زاد طين الوضع الثوري والمعارض بلّة ...

وعلى المستوى الإقليمي وهو الأهم في هذا السياق وفي مواجهة الانخراط الكلي لإيران كدولة إقليمية كبرى بكل ثقلها في الحرب الشرسة ضد الشعب السوري ، وتشاركها مع الروس في تشكيل غرفة عمليات حربية دولية مركزية تتمتع بكل ما تتمتع به غرف القيادة الحربية من تقنيات الحرب المعاصرة ويقودها خبراء متخصصون على أعلى المستويات ؛ كان المنتظر من حاضن الشعب السوري الإقليمي ونخص بالذكر : دول مجلس التعاون الخليجي وتركية المبادرة إلى تشكيل غرفة قيادة العمليات الاستراتيجية المقابلة ، ليس القيادة التي تستقطب وتوحد فقط بل التي توجه وتقود أيضا ..

إن الاستحقاق العملي الاستراتيجي للحرب الدولية والإقليمية بكل قسوتها وبشاعاتها الطائفية التي تدار اليوم على الشعب السوري من قبل روسية وإيران وقواهما في المنطقة والعالم يقتضي وجود قوة محورية استراتيجية مقابلة تتمتع بكل ما تتمتع به الجهة المعتدية من إمكانيات وصلاحيات . ونؤكد على قولنا وصلاحيات ..

إن المنافسات أو المنافرات البينية المؤسفة بين دول المنطقة قد انعكست سلبيا على ثورة الشعب السوري استراتيجيا وإنسانيا وعلى وحدته الثورية والسياسية وهي منافسات ومنافرات ستدفع ثمنها الأمة حكامها وشعوبها على السواء .

ولو انطلق رأس قاطرة قوي مقتدر على سكة قاصدة لجعل كل الجادين والصادقين يجدون مكانهم على الصراط السوي ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية